موجة لجوء صومالية جديدة إلى مخيم داداب في كينيا

أشخاص يعانون من سوء التغذية يقفون حول جيف الماشية النافقة في الصومال
أشخاص يعانون من سوء التغذية يقفون حول جيف الماشية النافقة في الصومال

غلاء فاحش وجفاف غير مسبوق دمرا سبل حياة صوماليين كثيرين وسبَّبا جوعاً وموجة لاجئين جديدة إلى مخيم داداب شرقي كينيا حيث وجد صوماليون ملاذاً لهم طوال عقود. إريك زيغل يقرب الصورة لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Erik Siegl

أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الصومال (أوتشا)، في أواسط كانون الأول/ديسمبر 2022، أنّه "بينما تم درء خطر المجاعة في الصومال حتى الآن، إلا أنّ أزمة الأمن الغذائي الكامنة في البلاد لم تتحسن بعد".

كما تهدّد "عاصفة شديدة" من الجفاف والتضخم العالمي المتزايد والأعمال العدائية المسلّحة حياة الصوماليين وغيرهم، وهذا يدفعهم إلى النزوح من أوطانهم. إذ وصل مؤخراً ما يقرب من 20 ألف شخص إلى ضواحي مخيمات اللاجئين المنشأة بالقرب من مدينة داداب في شرق كينيا. وهم بحاجة ماسة للمساعدة. وتكافح كل من الأمم المتحدة والسلطات المحلية والجمعيات الإنسانية لتأمين المساعدة للأعداد المتزايدة من الناس، بينما تتعامل في الوقت ذاته مع تفشّي الكوليرا.

تقول امرأة محلية في الستينيات من عمرها: "لا أتذكر على الإطلاق رؤية مثل هذا الجفاف. تضرّرت ماشيتنا كثيراً". واتّفق باحثون من مركز المخاطر المناخية بجامعة كاليفورنيا، خلال تحليلهم لسجلات هطول الأمطار لمدة 70 عاماً، على أنّ حالة الجفاف الحالي غير مسبوقة.

وتدير المرأة متجراً صغيراً للبقالة يقع على الطريق الرئيسي في داداب، وهي بلدة فقيرة متربة في مقاطعة غاريسا، التي تبعد حوالي 90 كيلومتراً عن الحدود الصومالية. وتتابع لتصف كيف أنّه حتى السكان المحليين اعتادوا الوقوف أمام مجمّع الأمم المتحدة المحلي على أمل تسجيلهم كلاجئين وحصولهم على المواد الغذائية الأساسية.

التأثير الكبير للحرب الروسية

استفحل تأثير الجفاف بسبب التضخم الكبير، مدفوعاً بارتفاع أسعار النفط والحبوب عالمياً في عام 2022، جزئياً نتيجة للحرب في أوكرانيا. وفي المناطق المحيطية مثل داداب، حيث يتوجب استيراد أغلب السلع تقريباً وبتكاليف وقود عالية، كان ارتفاع الأسعار كبيراً جداً بشكل خاص.

تشير صاحبة المتجر إلى بضع حبات من الطماطم على منضدتها وتضيف: "تضاعف السعر مقارنة بالعام الماضي. وما عدا بعض الاستثناءات، فقد أدى الجفاف إلى انخفاض الغلة حتى في المناطق البعلية والغنية بالزراعة في كينيا، بينما أصبح النقل إلى المناطق النائية مكلفاً".

 

لاجئون صوماليون غير مسجلين يبنون أكواخاً خارج مخيم داداب للاجئين في شرق كينيا. Unregistered Somai refugees build shacks outside the Daadab refugee camp in eastern Kenya (image: Erik Siegl)
على أمل تغيير مصيرهم: يبني الوافدون حديثاً وغير المسجلين من الصوماليين أكواخاً مؤقتة خارج المخيمات الرسمية للاجئين. ويعني توفير المعونات أنّ اللاجئين المسجلين داخل المخيمات لديهم إمكانية الحصول على التعليم والمياه والصرف الصحي والدعم الغذائي ورعاية صحية محدودة.

 

في المناطق القاحلة للغاية المحيطة بداداب، حيث تستمر أعداد كبيرة من الفارين من الجفاف والمجاعة في الوصول إلى الحدود الصومالية، يمكن رؤية هياكل الماشية النافقة، بينما تبدو التي ما زالت على قيد الحياة منها تعاني من سوء التغذية. وتستضيف هذه المنطقة المحيطية، المُهمَلة والفقيرة في شرق كينيا، لاجئين من الصومال في ثلاثة مخيمات كبيرة، ليبلغ مجموع اللاجئين حوالي 280 ألف شخص، بما في ذلك غير المسجّلين.

وغالباً ما تشكّل الماشية المصدرَ الوحيد للدخل سواء للسكان المحليين أو للاجئين. وقد سبّب الافتقار إلى الماء والرعي، وفاة بعضها، بينما يعاني البعض الآخر من سوء تغذية شديد لدرجة أنّه ليس بمقدور أصحابها الحصول على حليب أو لحوم أو مال كافٍ منها لكسب لقمة العيش.

بالإضافة إلى ذلك، كان حصاد البطاطس والخضروات الأخرى في المناطق الملاءمة مناخياً في كينيا فقيراً بسبب الجفاف وعدم انتظام هطول الأمطار. وهذا أدى إلى ارتفاع أسعار المنتجات المحلية وانخفاض في العمالة المدفوعة الأجر، مما يعني انخفاض الأموال المتداولة في الاقتصاد المحلي.

وأكثر المناطق تأثراً هي المناطق الأفقر في شمال وشمال شرق البلاد، مثل توركانا ومانديرا وغاريسا قرب الحدود مع الصومال وجنوب السودان، حيث يوجد مخيمان كبيران للاجئين.

خمسة مواسم من دون أمطار

لكن الوضع أسوأ بكثير في الصومال، ولا سيما في المناطق الوسطى منها. ووفقاً لأخبار الأمم المتحدة، فإنّ "عدد الأشخاص المتضررين بسبب الجفاف في البلاد قد تضاعف في عام 2022، من 3.2 مليون في كانون الثاني/يناير إلى 7.8 مليون في تشرين الأول/أكتوبر، مع زيادة شدة الحاجة". ونتيجة لذلك، نزح حوالي 1.3 مليون شخص، بعضهم يلتمس اللجوء عبر الحدود الوطنية.

عملياً، لم يكن هناك أي هطول للأمطار على مدى خمسة مواسم متتالية. وتكفي بضع قطرات لإثارة التوقعات والحماس ما بين السكان المحليين. فخلال موسم الأمطار، حين تتجدّد احتياطيات المياه الجوفية والسطحية عادة من أجل العام بأكمله، كان هطول الأمطار غير منتظم ومنخفض للغاية، ويستمر لساعات بدلاً من أيام وأسابيع كما جرت العادة. وما أصبح شائعاً في السنوات الأخيرة، هو النقيض المعاكس، أي هطول الأمطار الغزيرة، إذ أنّ أسابيع من هطول الأمطار التي تشتدُّ الحاجة إليها تتركّز في ساعات قليلة فحسب. وأدى هذا إلى عدة فيضانات شديدة في تشاد والسودان وجنوب السودان.

وبالنسبة للسكان المحليين الكينيين والصوماليين كذلك، تبدو حرب روسيا العدوانية ضد أوكرانيا غريبة وبعيدة للغاية. لكن تأثيرها على حياتهم اليومية أكبر بكثير من تأثيرها على حياة الناس في أوروبا. ارتفعت أسعار السلع المستوردة مثل القمح والذرة وزيت عباد الشمس.

والدولار القوي، الناتج عن حملة مكافحة التضخم من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، يجعل السلع المستوردة، بما في ذلك البنزين والأسمدة، أكثر تكلفة. والآن أكثر من أي وقت مضى، تركيز أوروبا و"العالم الغني" في مكان آخر. وعلى الرغم من مواجهة التكاليف المتزايدة، والمتعلقة بالتضخم وغير ذلك، تستمرّ ميزانية الأمم المتحدة للعمليات الإنسانية في شرق إفريقيا بالتقلّص.

 

لاجئون صوماليون في المدرسة بمخيم داداب للاجئين - كينيا. Somali refugees attend school in the Daadab refugee camp (image: Erik Siegl)
About half of the 280,000 refugees in the Dadaab area are under the age of 18. Schools run by the Lutheran World Federation (LWF) with UN support provide elementary education in the camps. They also strive for the inclusion of people and children with disabilities, supported by the Czech Medevac programme

 

في داداب وكاكوما، تدير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) منذ مدة مخيمات لاجئين لـ 600 ألف لاجئ. هذا العام 2023، خُفِّضت الميزانية إلى 40 مليون دولار، على الرغم من الزيادة الملحوظة في عدد اللاجئين الفارين من المجاعة في الصومال.

وعلى مقربة من داداب وحدها، ينتظر حالياً حوالي 80 ألف شخص تسجيلهم كلاجئين. ويدّعي بعضهم أنهم ينتظرون منذ عامين. وحتى لو مُنِحوا اللجوء، يبقى السؤال الملّح: كيف يمكن للوكالات الإنسانية مساعدة المزيد من الأشخاص بميزانيات منخفضة وموارد أقل؟

 

 

إريك سيغل

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de

 

في عام 2022، شارك إريك سيغل في برنامج لتحسين الرعاية الصحية في مخيمات اللاجئين في شرق كينيا.