مدى استعداد العالم العربي لمواجهة الطقس الحار

يبلغ متوسط درجات الحرارة خلال الصيف في السعودية قرابة 38 درجة مئوية.
يبلغ متوسط درجات الحرارة خلال الصيف في السعودية قرابة 38 درجة مئوية.

تشير التوقعات إلى ارتفاع وفيات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مستقبلا بسبب تكرار موجات الحر الشديد، فما مدى استعداد بلدان هذه المنطقة لدرجات حرارة قد تلامس الخمسين؟ استخبار كاثرين شير.

الكاتبة ، الكاتب: Cathrin Schaer

قالت خلود العامري، مؤسسة شبكة مقرها بغداد للصحافيات من أجل المناخ، إنه عندما تتجاوز درجات الحرارة عتبة الخمسين درجة في العراق، فإن الموظفين يحصلون على إجازة حيث يُطلب منهم البقاء في المنازل.

وفي مقابلة مع دي دبليو، أضافت "نحصل في العادة على معلومات بشأن الطقس الحار من قناة العراقية [المملوكة للدولة] أو المعلومات المنشورة على صفحات الفيسبوك حيال ضرورة عدم الذهاب إلى العمل وبقاء الفئات الأضعف مثل كبار السن داخل المنازل وأيضا وضع أوعية مليئة بالماء تحت الأشجار لكي تشرب الطيور والحيوانات".

وتؤكد الصحافية العراقية أن الكثير من أبناء شعبها يشعرون في الغالب بأنهم يواجهون هذا الطقس الحار بمفردهم بدون دعم من الحكومة، مضيفة "يتعلم الناس أن يتعايشوا ويتكيفوا مع الطقس الحار طوال الوقت بما ذلك الاستعداد الجيد بمراوح وأجهزة تكييف وحتى إغلاق الطابق العلوي في منازلهم خلال الصيف القائظ".

وأضافت العامري "يسعى العراقيون إلى حل مشكلة الطقس الحار بأنفسهم لأنهم لا يثقون في أن الحكومة سوف تساعدهم".

ويرى مراقبون أن وجود إهمال من حكومات المنطقة لتداعيات الطقس الحار يأتي رغم أن بلدان الشرق الأوسط تعد الأكثر عرضة لخطر موجات الحر القاسية مقارنة مع شعوب العالم.

ارتفاع الوفيات جراء الطقس الحار

يشار إلى أن دراسة نشرتها مؤخرا مجلة استدامة الطبيعة Nature Sustainability في مايو / أيار 2023 قد ذكرت أن درجات الحرارة على مستوى العالم سوف ترتفع بأكثر من 1.5 درجة مئوية على مدار الخمسين عاما القادمة فيما يُجرى تصنيف الطقس الحار بداية من بلوغ متوسط درجة الحرارة السنوية حوالي 29 درجة مئوية.

 

يتوقع أن تلامس درجات الحرارة في بعض بلدان الشرق الأوسط الخمسين درجة. An electronic sign shows the temperature and humidity in Kuwait City, 11 July 2017 (photo: Yasser Al-Zayyat/AFP/Getty Images)
Heat waves are expected to reach temperatures of around 56 degrees Celsius in certain areas, and are likely to last for much longer. According to Cathrin Schaer, of all of the people in the world, those in the Middle East are most in danger from extreme heat

 

 

وكشفت الدراسة أن غالبية سكان منطقة الشرق الأوسط سيواجهون طقساً شديد الحرارة بحلول عام 2050.

وفي أبريل / نيسان الماضي 2023 نشرت مجلة "ذا لانسيت" البريطانية المتخصصة في الطب دراسة تمحورت حول الوفيات المستقبلية الناجمة عن الطقس الحار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في حال استمرار ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض.

وأشارت الدراسة إلى أن الوفيات جراء الطقس الحار في المنطقة سوف ترتفع من حالتي وفاة لكل مئة ألف نسمة في الوقت الحالي إلى حوالي 123 لكل 100 ألف نسمة خلال آخر عقدين من القرن الحالي ما يعني أنه بحلول عام 2100، فإنه من المحتمل أن يموت حوالي 138 ألف شخص جراء الطقس الحار سنويا في العراق.

الفئات الأكثر تحملا لعبء الطقس الحار

وأشارت دراسة "ذا لانسيت" إلى أن تأثير الطقس الحار على سكان المنطقة سيكون مرتبطا بالتركيبة والتغيرات السكانية، مضيفة أنه بحلول خمسينيات القرن الحالي فمن المتوقع أن يعيش 70% من السكان في المدن الكبرى فيما سيفوق كبار السن تعداد سكان المنطقة من الشباب بحلول عام 2100.

وفي السياق ذاته، قالت دراسة نشرتها "كلية لندن للصحة والطب الاستوائي" ومعهد قبرص إن "التقدم في العمر والكثافة السكانية الكبيرة سيكونان من بين العوامل الرئيسية وراء انتشار الأمراض والوفيات جراء الطقس الحار".

ويعود ذلك إلى أن كبار السن هم أكثر الفئات الأكثر عرضة فيما ترتفع درجات الحرارة في المدن الكبرى جراء ظاهرة تُعرف بـ "الجزر الحرارية الحضرية" التي تشير إلى ارتفاع درجات الحرارة في المدن الضخمة بسبب المباني الأكثر كثافة سكانية والطرق الإسفلتية التي تمتص الحرارة مع نقص الأشجار حيث يمكن أن يكون معدل درجات الحرارة في المدن مرتفعا ما بين درجتين وتسع درجات عن المناطق الريفية خارج المدن.

وفي مقابلة مع دي دبليو، قالت إليني ميرفيلي، كبيرة مسؤولي الطقس الحار في برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، إنه في الغالب "يتم التقليل من شأن موجات الحر القاسية أو تجاهلها، لذا تحتاج الحكومات إلى مسار عمل واضح لزيادة الوعي والاستعداد بشكل جيد للطقس الحار".

التخطيط الجيد

ويقول خبراء إن التخطيط والاستعداد للطقس الحار من بين العوامل التي قد تقلل من تداعيات  ارتفاع درجات الحرارة  على سكان المنطقة مثل إنشاء الحكومات "مراكز تبريد" في الأماكن العامة يمكن أن يلجأ إليه السكان في حالة ارتفاع درجات الحرارة وأيضا تدشين حملات توعية للوقاية من الطقس الحار مثل ضرورة شرب المياه بمعدلات كثيرة.

ويضيف الخبراء إلى أنه رغم أن العديد من الدول الأوروبية أقدمت على خطط لمواجهة الطقس الحار إلا أن بلدان الشرق الأوسط ليست كذلك رغم تزايد الخطر الذي تواجهه.

 

قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن العمالة الوافدة في الخليج معرضون بشكل خاص لخطر الطقس الشديد الحرارة.  Migrant builders take a break while working at a construction site by the Corniche, Doha, 24 November 2022 (photo: Chandan Khanna/AFP/Getty Images)
Human Rights Watch has said migrant labourers in Gulf states are at particular risk during Middle East heat waves. Pictured here: migrant builders take a break while working at a construction site in Doha

 

وقد ذكر مؤلفو كتاب صدر عام 2021 بعنوان "قوانين وسياسات تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" أنه رغم أن معظم بلدان الشرق الأوسط قد سنت قوانين ترمي إلى تعزيز التنمية المستدامة وحماية البيئة، إلا أن العديد منها "ما زالت تفتقر إلى رؤية واضحة فيما يتعلق بكيفية معالجة الآثار الطويلة المدى لتغير المناخ على الصحة العامة".

وأضاف مؤلفو الكتاب أن سياسات التخفيف والتكيف مع الطقس الحار  عديدة، لكن "الخلافات السياسية والكوارث الإنسانية لا تُعطي الأولوية لمواجهة قضايا تغير المناخ".

وقال الباحثون إن هناك تباينا كبيرا حيال قدرة الدول الغنية في المنطقة على التكيف مع درجات الحرارة المرتفعة فعلى سبيل المثال فإن انتشار أجهزة التكييف يعد مثالا جليا حيال الوسائل التي توفرها دول الخليج لحماية شعوبها من خطر الطقس الحار، لكن هذا الحل غير قابل للتطبيق في الدول الفقيرة نظرا لضعف القدرات المالية.

كذلك تلعب دراسات التنبؤ  بموجات الطقس الحار  دورا من خطط الدول في مواجهة درجات الحرارة المرتفعة فيما يُعتَبَر اليمن المثال الصارخ إذ ذكر تقرير صدر عن برنامج الغذاء العالمي العام الماضي 2022 أن "أنظمة مراقبة الطقس ومنظومة الحماية الاجتماعية قد تأثرت بشدة جراء النزاع حيث في بعض الحالات توقفت مثل هذه الخدمات".

الطرق التقليدية للوقاية من الطقس الحار

وفي سياق متصل، قالت سيلفيا بيرغ، أستاذة إدارة التنمية والحوكمة في جامعة إيراسموس روتردام بهولندا، إن سكان المنطقة اعتادوا منذ فترات ماضية على العيش مع درجات الحرارة المرتفعة حيث قاموا بتطوير طرق للتكيف  مع موجات الطقس الحار.

 

 نظام التكييف في ملعب خليفة الدولي في قطر. Air conditioning system in Khalifa International Stadium (photo: Frank Hoermann/Sven Simon/IMAGO)
"Air conditioning is just one example of how wealthier nations, like the Gulf states, protect vulnerable populations from heat. In poorer nations, however, or for locals who cannot afford to pay for it, this is not a viable solution," writes Cathrin Schaer. During the 2022 FIFA World Cup, Qatar air-conditioned entire football stadiums. Pictured here: the air conditioning system in Khalifa International Stadium

 

وفي مقابلة مع دويتشه فيله، أضافت أن تقرير نشره العام الماضي 2022 مشروع أبحاث السياسة العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ذكر أن "الوسائل التقليدية التي حافظ عليها سكان الشرق الأوسط منذ قرون للتعامل مع ندرة المياه والمناخ الحار تعد ركيزة هامة لتعزيز المعرفة".

وأشارت في هذا الصدد إلى ما يُعرف بـ "مسرب الريح أو ملقط الهواء" وهي عبارة عن برج طويل يوجد به فتحات في كل جانب من أجل التقاط موجات النسيم من أي اتجاه بهدف تلطيف الطقس على السكان الذين يعيشون أسفل البرج.

بدورها قالت إليني ميرفيلي إنه يتعين على الدول الأوروبية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، مضيفة "أعتقد أن هذا الأمر يُعَد ذا مغزى خاصة إذا حاولنا التعلم من تجارب دول الجنوب العالمي بدلا من الإصرار على إعطاء الدروس إذ أن هناك أنماطا تعود لقرون يمكن أن نستفيد منها في الوقت الراهن للتكيف مع الظروف المناخية الحالية".

زيادة الوعي

وأضافت "هناك ثلاثة تدابير رئيسية يمكن أن تقدم عليها المدن للاستجابة للطقس الحار  تتمثل في رفع الوعي وزيادة الجاهزية وإعادة تصميم البيئة العمرانية".

وفي بغداد، قالت الصحافية خلود العامري إنه يتعين الشروع في تنفيذ بعض المقترحات مثل زيادة عدد  عيادات الطوارئ  التي يمكن أن يلجأ السكان إليها في حالة امتلاء المستشفيات بالمرضى خلال الطقس الحار أو وقوع عواصف رملية.

 

A driverless vehicle in a street at the site of Masdar City, Abu Dhabi (photo: Mahmoud Khaled/AFP/Getty Images)
In Abu Dhabi's Masdar City, a planned sustainable city project powered by renewable energy; streets are designed to take advantage of the shade and wind. Temperatures inside the city can be as much as 15 degrees cooler

 

وأضافت "نحتاج أيضا إلى إتاحة معلومات أفضل حول الطقس القاسي حتى نتمكن من الاستعداد بشكل أفضل إذ في الوقت الحالي فإن التنبؤ بالطقس يكون قبل يوم واحد. كذلك نحن في حاجة إلى زراعة المزيد من الأشجار لتعزيز الغطاء الأخضر".

وقالت إن مدينة كربلاء تعد الوحيدة في العراق التي تشهد إنشاء أحزمة خضراء حولها فيما يتم ذلك من خلال أوامر تصدر من السلطات المحلية بمساعدة رجال الدين.

وقالت دراسة مجلة "ذا لانسيت" إنه يمكن تفادي وقوع أكثر من 80% من الوفيات المرتبطة بالطقس الحار  في  الشرق الأوسط  في حالة الإبقاء على الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي.

 

 

كاثرين شير

ترجمة: م. ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 2023

 

 

ar.Qantara.de