ما الخيار اللغوي الأمثل للجزائر؟

جامعة الجزائر.
جامعة الجزائر.

لإدراك أبعاد قرار تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس الابتدائية والمراحل التعليمية الأعلى بالجزائر لا بد من العودة إلى التاريخ. فما هو الحل الأمثل بين الإنكليزية والفرنسية والعربية؟ تحليل أبو بكر خالد سعد الله.

الكاتبة ، الكاتب: Abu Bakr Khaled Saad Allah

تُعد القرارات الحكومية الأخيرة لتوسيع تعليم الإنكليزية في المدارس الجزائرية، رغم طبيعتها التعليمية، أحدث حلقة في سلسلةِ تطوراتِ صراعٍ وطني طويل الأمد.

خلال اجتماع مجلس الوزراء الجزائري في شهر مايو، أصدر الرئيس عبد المجيد تبون قرارا بترسيم اللغة الإنكليزية في السنة الثالثة من المرحلة الابتدائية. يأتي هذا في الوقت الذي يواصل فيه وزير التعليم العالي إرسال تعليمات متوالية ليكون التدريس في الجامعة الجزائرية بدءا من سبتمبر 2023 باللغة الإنكليزية.

صراع بين تيار مفرنس وتيار معرّب

ولإدراك أهمية وأبعاد هذا القرار بتدريس اللغة الإنكليزية في المدارس الابتدائية وفي المراحل التعليمية الأعلى في الجزائر لا بد من العودة إلى التاريخ:

 

تعلم اللغات في الجزائر. Sprachenlernen in Algerien  Foto DW
خير الأمور أوسطها: خلاصة القول إنه، مع مراعاة الواقع الوطني والتاريخي ومستقبل البلاد، فإن الحل يكمن في إيلاء العربية الأهمية التي تستحقها كلغة وطنية ورسمية، وإيلاء الإنكليزية أهمية أكبر في مختلف مراحل التعليم، دون التفريط في اللغة الفرنسية التي ترتبط الجزائر بها ارتباطا تاريخيا، وفق ما يرى أبوبكر خالد سعد الله.

 

قبل استقلال الجزائر عام 1962، كان التعليم لفئة قليلة من الجزائريين وكان باللغة الفرنسية، مع وجود مدارس حرة تعلم اللغة العربية لتحافظ عليها. وبعد الاستقلال صار التعليم باللغتين يدافع فيه التيار المُفَرنس عن الفرنسية باعتبارها "غنيمة حرب"، بينما يدافع التيار المُعَرّب عن العربية بوصفها حاضنة الهوية الوطنية. وظل هذا الصراع قائما إلى اليوم، حسب الظروف السياسية وتوجهات قيادة البلاد.

في منتصف السبعينيات، اتجهت البلاد إلى الاستقلالية عن المناهج التعليمية الفرنسية، وأدخلت ما سمي بـ"المدرسة الأساسية"، فعَرّبت التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية، على أن ينطلق تعريب التعليم العالي عام 1990، إلا أن التيار المُفرنس ضغط كيلا يشمل التعريب الفروع العلمية في الجامعة. وهذا ما حدث.

غير أن الصراع تواصل في موضوع إدخال اللغة الإنكليزية في التعليم الابتدائي، بينما كانت مدرجة كلغة ثالثة في المرحلة الإعدادية أو المتوسطة. وكانت الفرنسية تُدرَّس بدءًا من السنة الثالثة الابتدائية. رفض التيار المُفَرْنس إدخال اللغة الإنكليزية في المرحلة الابتدائية.

تباعد أيديولوجي وخشية على النفوذ

في مطلع التسعينيات منح وزير التربية (المنتسب للتيار المُعَرَّب) الخيارَ للتلاميذ بين الفرنسية أو الإنكليزية كلغة ثانية في المرحلة الابتدائية على أن تُدرَّسَ الاثنتان في المرحلة الإعدادية. وتعالت الأصوات المؤيدة والمناوئة لهذا الطرح، ولم تمضِ سنوات حتى أُجهض المشروع وأُزيحت اللغة الإنكليزية من المرحلة الابتدائية.

يعكس هذا الصراع تباعدا أيديولوجيا بين الفئتين ويعكس أيضا خشيتهما من فقدان النفوذ في المجتمع وفي السلطة. فإن تغلبت اللغة الإنكليزية شيئا فشيئا في المدرسة على اللغة الفرنسية فإن سطوة التيار المفرنس في المجتمع والإدارة ستضعف سيما أن هناك توجه لدى الشباب والطلاب نحو اللغة الإنكليزية بدل الفرنسية. وبطبيعة الحال فإن سارت الأمور في هذا الاتجاه فسيشعر التيار المعرب بالارتياح لأنه طالما اعتبر أن حقوقه مهضومة في باب التوظيف بوجه خاص في الإدارات والشركات التي تستخدم اللغة الفرنسية دون غيرها منذ الاستقلال إلى عهد قريب.

 

تعلم اللغات في الجزائر. Sprachenlernen in Algerien  Foto DW
تأثير فرنسا: مع أن القضية المطروحة تحمل طابعا تربويا من اختصاص وزارتي التعليم، إلا أنه كان واضحا بأن العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الجزائر وفرنسا كانت تؤثر على مجريات قضية اللغة. فالمتتبع يلاحظ أن تلك العلاقات تتحسن إن مالت السياسة العامة للجزائر إلى استخدام اللغة الفرنسية في المدرسة والجامعة والإدارة، وتسوء عندما تميل الكفة إلى اللغة الإنكليزية أو التعريب. ووصل الأمر مثلا إلى أن بعض وسائل الإعلام تثير ضجة مناوئة عندما تلاحظ أن واجهة مؤسسة وطنية رسمية (كالوزارات مثلا) استُبدلت تسميتها من اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنكليزية.

 

تأثير فرنسا

مع أن القضية المطروحة تحمل طابعا تربويا من اختصاص وزارتي التعليم، إلا أنه كان واضحا بأن العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الجزائر وفرنسا كانت تؤثر على مجريات هذه القضية. فالمتتبع يلاحظ أن تلك العلاقات تتحسن إن مالت السياسة العامة للجزائر إلى استخدام اللغة الفرنسية في المدرسة والجامعة والإدارة، وتسوء عندما تميل الكفة إلى اللغة الإنكليزية أو التعريب. ووصل الأمر مثلا إلى أن بعض وسائل الإعلام تثير ضجة مناوئة عندما تلاحظ أن واجهة مؤسسة وطنية رسمية (كالوزارات مثلا) استُبدلت تسميتها من اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنكليزية.

في ظل هذا الوضع، ركّز وزير التعليم العالي، عام 2019، على ضرورة إدخال اللغة الإنكليزية كلغة بحث وتدريس في الجامعة -بدل الفرنسية- معتبرًا إياها لغة العلم في الوقت الراهن، مبررا قراره أيضا بكون التدريس بها سيجلب الطلاب الأجانب إلى البلاد. وتمت مقاومة الفكرة، ورحل هذا الوزير دون تحقيق ما كان يسعى إليه. ظل التساؤل مطروحا حول إدخال اللغة الإنكليزية في المرحلة الابتدائية. وبهذا الخصوص أكد وزير التربية في ربيع 2022 أن الأمر يتطلب دراسة متأنية وتهيئة متعددة الأشكال. غير أن بيان مجلس الوزراء، المنعقد في يونيو 2022، قرر اعتماد اللغة الإنكليزية بدءًا من المرحلة الابتدائية مطالبا بتنفيذ القرار في سبتمبر 2022.

وكان الأمر كذلك، رغم ما كان فيه من تسرّع وارتجال. أما أولياء التلاميذ الذين يتذكرون فشل تجربة التسعينيات في إدخال الإنكليزية للمرحلة الابتدائية فهم حذرون من الإجراء الجديد وليسوا ضده.

 

قسم اللغة الإنكليزية في جامعة الجزائر. Algerien Englisch-Institut der Universität von Algier Foto DW.jpg
تأثير فرنسا: مع أن القضية المطروحة تحمل طابعا تربويا من اختصاص وزارتي التعليم، إلا أنه كان واضحا بأن العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الجزائر وفرنسا كانت تؤثر على مجريات قضية اللغة. فالمتتبع يلاحظ أن تلك العلاقات تتحسن إن مالت السياسة العامة للجزائر إلى استخدام اللغة الفرنسية في المدرسة والجامعة والإدارة، وتسوء عندما تميل الكفة إلى اللغة الإنكليزية أو التعريب. ووصل الأمر مثلا إلى أن بعض وسائل الإعلام تثير ضجة مناوئة عندما تلاحظ أن واجهة مؤسسة وطنية رسمية (كالوزارات مثلا) استُبدلت تسميتها من اللغة الفرنسية إلى اللغة الإنكليزية.

 

رغم محاولات بعض المسؤولين في الدفع نحو إدخال اللغة الإنكليزية في التعليم الجامعي، كلغة تدريس، غير أن هناك تحديا يصعب رفعه بنجاح نظرا لكون أصحاب القرار يريدون تنفيذ هذا المشروع في آجال غير كافية. والخطر في هذه الحالة، أن المشروع يمكن أن يُجهَض بسهولة من قبل التيار المفرنس.

ما محل اللغة العربية من الإعراب؟

يبقى في هذا الخيار بين اللغات أن يدرك الطلاب والتربويون محل اللغة العربية من الإعراب كلغة تدريس في الجامعة. وهذا ما لا يناقشه أصحاب القرار.

خلاصة القول إنه، مع مراعاة الواقع الوطني والتاريخي ومستقبل البلاد، فإن الحل يكمن في إيلاء العربية الأهمية التي تستحقها كلغة وطنية ورسمية، وإيلاء الإنكليزية أهمية أكبر في مختلف مراحل التعليم، دون التفريط في اللغة الفرنسية التي ترتبط الجزائر بها ارتباطا تاريخيا.

 

 

أبو بكر خالد سعد الله

حقوق النشر: مؤسسة كارنيغي 2023

 

 

ar.Qantara.de

 

أبو بكر خالد سعد الله، حاصل على الدكتوراه في الرياضيات التطبيقية، وهو يعمل أستاذا للرياضيات في المدرسة العليا للأساتذة في الجزائر. وهو باحث في مختبر المعادلات التفاضلية الجزئية التابع لوزارة التعليم العالي.

 

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.