حوار الثقافات بدلا من "حوار القباحات"

شدد الأمير الحسن بن طلال على ضرورة بناء هيكلية للمواطنة العالمية بدلا من عولمة المادة الاستهلاكية السائدة. ناصر جبارة وبسام رزق حاورا الأمير حسن في برلين بعد حصوله على جائزة المفكر اليهودي أبراهام غايغر المرموقة تكريما لجهوده في دعم الحوار بين الثقافات والأديان.

الأمير الحسن بن طلال، الصورة: د.ب.أ
الأمير حسن، رئيس مجلس أمناء المعهد الملكي للدراسات الدينية: "الإصلاح والتجديد الذي ننشده لن يكون إلا من داخل بيتنا"

​​سمو الأمير، أنتم تعتبرون الحوار بين المسلمين والمسيحيين واليهود ضروري. هل يمكنكم أن تعطونا مثالا حيا على ذلك من العالم الإسلامي؟

الأمير الحسن: أرى أن التطبيق الفعلي للتعاون على سبيل المثال من خلال بناء مدرسة في رواندا من خلال متطوعين يهود بعد الاتفاق مع المسئولين في رواندا بما فيهم مفتي رواندا مثال حيي على التعاون الذي تقوم به فرق السلام في أماكن مختلفة في العالم . أما عندما نتحدث عن فلسطين التاريخية فيسعدني العمل مع 125 منظمة غير حكومية تسعى إلى بناء السلم الأهلي.

نسعى جميعا لوقف جدار الفصل والكراهية في فلسطين وندعو باستمرار إلى تحسين النظرة الكلية للبشر وأقول إن المشهد السيئ للموقف المتعثر سواء أكان في قطاع غزة أم في الإطار الفلسطيني تحت الاحتلال هو شكل من أشكال التصعيد بين أقطاب الحوار التي تؤمن بالحلول المسلحة. ما نسعى إلية حاليا هو تجنيب المنطقة مزيدا من التقسيم والتشرذم والصراع المسلح على أساس ديني أو طائفي.

من المعروف أنكم تناهضون فرضية صراع الحضارات. هل يوجد بالفعل صراع حضارات، وإذا كان الجواب بنعم، فعلى أي مستوى يوجد هذا الصراع؟

الأمير الحسن: أنا أقول إن هناك حضارة عالمية واحدة على امتداد التاريخ أخذنا منها وقدمنا لها وأرى أن معيار الحضارة هي تلك الأشكال من الثراء الحضاري التي يجب أن نحافظ عليها بتنوعها وهذا هو الهدف النبيل الذي يجب أن يحافظ عليه كل إنسان في بيته ومنطقته.

أقول إننا نحترم الفروق ونعظم الإيمان فيما بيننا وإن الثقافات التي نتحدث عنها هي ثقافة السلم وثقافة الحرب، ثقافة المشاركة المسئولة و المواطنة التي تترفع عن الأنانيات. أما العزلة الكلية والنفور الذي يعمل على تأجيج المشاعر ضد الآخر يشكل حالة أمنية لا تخدم إلا صناعة الكراهية وصناع السلاح. أما المحبة والتعاون والتسامح على أساس من الاحترام المتبادل لا بد لها من أساس تعليمي، لذلك أحيي في أوروبا البرامج التي تشجع على الحوار المشترك، لأننا نبحث عن المواطنة العالمية، بعكس عولمة المادة التي لا تستفيد منها إلا البرجوازية. وأرى أن هناك 4 مليارات من البشر محرومين من كثير من الحقوق لغياب الإنتاج، وهنا يأتي دور الدين وليس فقط الكلمة الإيمانية وإنما العلم والعمل لنشر المستشفيات وبناء المدارس واستعادة دوره الخيري داخل المجتمع.

ما طبيعة المسؤولية الملقاة على عاتق وسائل الإعلام الغربية والإسلامية فيما يتعلق بالتعامل مع الأحكام المسبقة والصور النمطية السائدة؟

الأمير الحسن: أقول وتحديدا إشارة إلى الرسوم المسيئة للرسول علية السلام إن الإسلام كحضارة وإيمان وأخلاق أعظم بكثير من أن يتأثر بأي صور وأي إساءات سوقية وأشدد على أن الترويج في وسائل الإعلام لما يجري من إساءة لا يخدم السلام الاجتماعي في العالم. كما أن المستفيد ليست الأغلبية الصامتة المغلوب على أمرها، وإنما "مخصخصو الدين"، الذين يوظفون الدين لخدمة غاياتهم السياسية وأهدافهم النفعية. إن هذه الضدية لن تتغير إلا بالتركيز على الصور الايجابية، فمن يتطرق إلى التعاون بين المجلس الكنسي الكاثوليكي في كمبوديا وتايلاند مع المجلس الآسيوي المسلم في العناية بالأطفال الذين يكونون ضحية تجارة الرق؟

دور الإعلام يتمثل في التعاون مع كتاب النص من الباحثين وخاصة من قيادات المجتمع المدني لمواجهة أشكال التطرف وغياب الحقيقة. الإعلام قادر على نشر صور مختلفة بسرعة هائلة، لذلك فإن هناك دائما أكثر من جانب للرواية الإعلامية.

سمو الأمير، أنتم من دعاة التعاون مع الثقافات المختلفة وأصحاب الديانات الأخرى، هل هذا يكفي لتقليل الفجوة وحدة الصراعات بين البشر؟

الأمير الحسن: هناك من يقول افصلوا الكنيسة عن المجتمع، لكني أقول فلتسمو المؤسسة الدينية على السياسة اليومية وألاّ تأخذ بمواقف البرامج الخاصة للسياسيين، الدين لله والوطن للجميع كما نقول. لكن هناك مؤرخ بريطاني قال إن الوطنية في غير معناها الصحيح هي قراءة مزيفة وتشوّيه للحقائق التاريخية وكراهية مصطنعة ومكرسة للجار وعلينا أن نختار إما التعايش العقلاني المبني على المصالح المشتركة العليا آخذين بعين الاعتبار أن الاختلاف مرحب به ضمن أسلوب حضاري أو أن نستمر في التصادم على أساس دموي وتناسي هنا إعمال العقل.

حصلتم على جائزة المفكر اليهودي أبراهام غايغر تكريما لجهودكم في دعم الحوار بين الثقافات. ألمانيا بلد المصلح مارتن لوثر. هل المسلمون بحاجة إلى مارت لوثر جديد؟

الأمير الحسن: أقول إن الأسلوب الغربي أدى إلى مزيد من الاقتتال بين المدرسة الجديدة والكنيسة الكاثوليكية، وأريد أن أذكر بحكمة الاستشراف للشيخ السهروردي حيث كانت هناك مقولة ( الشمس تشرق من الشرق) وأقول إن الإصلاح والتجديد والذي نبحث عنه لن يكون إلا من داخل بيتنا من خلال إحياء الشورى ومن خلال لقاء مدارس الفقه من أهل السنة والجماعة وشيعة أهل البيت والإباظية. أتمنى أن يقوم هذا الحوار في مكة المكرمة ليأخذ شكلا من أشكال التوجيه للفئات التي تتكاثر هذه الأيام وتتحدث باسم الدين. إن التاريخ الإسلامي اليهودي تاريخ اتسم بالهدوء والسلام على مدى قرون طويلة قياسا بالثقافات الأخرى. وهنا أريد الإشارة إلى أن المسلمين واليهود كانوا ضحايا لمحاكم التفتيش ولجؤوا إلى الدولة العثمانية التي احتضنتهم ولا يضيرنا أن نسعى إلى حوار مع اليهودية العالمية على أساس حوار إيماني بين البشر.

ألا تشعرون أحيانا أن النزاعات السياسية وخاصة في العراق وفلسطين وأفغانستان تؤثر سلبا على الحوار بين الحضارات والثقافات المختلفة؟

الأمير الحسن: تماما هذا هو لب الموضوع، لماذا نحمل الدين أكثر مما يجب. إن الحوار بين الخالق والخلق هو حوار مبني على القناعات وما نراه اليوم من "حوار القباحات" ما هو إلا من صنع البشر.

أجرى الحوار ناصر جبارة وبسام رزق
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة

المعهد الملكي للدراسات الدينية في عمّان:
التركيز على القيم الإنسانية السلمية
المعهد الملكي للدراسات الدينية في عمان، الذي أسسه الأمير حسن في عام 1994 والذي يهدف إلى تشجيع الحوار بين المسلمين والمسيحيين، بصدد الإعداد لأكبر نشاطاته حتى الآن: استضافة المؤتمر العالمي الثاني للدراسات الشرقية المقرر عقده في يونيو/حزيران 2006. تقرير مارتينا صبرا.

الأندلس
تعايش الأديان في الماضي
جامع قرطبة يدعو مارك كوهين، أستاذ في جامعة برنستن الأمريكية، المسلمين واليهود إلى إعادة اكتشاف الثقافة المشتركة التي كانت تجمعهم في العصور الوسطى. ويعرض في مقاله أسباب اختلاف تعامل المجتمع الإسلامي والمسيحي مع الأقلية اليهودية في تلك الحقبة.

المسيحيون في الأردن:
تعايش سلمي قائم على المواطنة
المسيحية دين متأصل في الأردن منذ القدم، حيث يعيش اليوم في المملكة حوالي 230 ألف مسيحي يتمتعون بكافة الحقوق التي يتمتع بها إخوانهم المسلمون العرب الآخرون. تقرير من أندريا زيغر عن تعايش المسيحيين في الأردن مع الأغلبية المسلمة.