"الجميع ينتظر إعلانا عن برنامج للإصلاح السياسي والاجتماعي"

يرى توفيق السيف، السياسي والكاتب السعودي الإشكالي، أن الدعم الشعبي والدولي الذي يتمتع به الملك الجديد، إضافة الى الظروف الاقتصادية والسياسية، هي فرصة استثنائية لاتخاذ قرارات تاريخية.

توفيق السيف، الصورة: الأرشيف الخاص
"في اعتقادي، أن الجدل حول الاصلاح، هو الوجه الظاهري لجدل أقدم حول الحداثة"

​​يرى توفيق السيف، السياسي والكاتب السعودي الإشكالي، أن الدعم الشعبي والدولي الذي يتمتع به الملك الجديد، إضافة الى الظروف الاقتصادية والسياسية المواتية جدا، هي فرصة استثنائية لاتخاذ قرارات تاريخية، لتجديد النظام السياسي والاجتماعي في المملكة.

بداية، كيف تنظرون للعهد الجديد، وتولي الملك عبد الله بن عبد العزيز سدة الحكم في السعودية؟

توفيق السيف: يذكر للملك عبد الله تعبيره الصريح عن رغبته في الإصلاح، ووعده للسعوديين بإصلاحات قريبة. ولذا، فإن الجميع ينتظر إعلانا عن برنامج للإصلاح السياسي والاجتماعي، يعالج –خصوصا- المشكلات المزمنة في البلاد، أي تقييد الحريات العامة، والمساواة بين المواطنين، وحاكمية القانون.

في اعتقادي، أن الدعم الشعبي والدولي الذي يتمتع به الملك، إضافة الى الظروف الاقتصادية والسياسية المواتية جدا، هي فرصة استثنائية لاتخاذ قرارات تاريخية، لتجديد النظام السياسي، والاجتماعي، على ضوء المطالبات التي عبر عنها الجمهور من ناحية، وعلى ضوء المعايير الدولية للحكم الصالح من ناحية أخرى.

إمكانية الإصلاح التي تحدثت عنها، البعض يعتبر أن أحد أسباب إعاقتها هو المجتمع السعودي نفسه. هل تجد لدى هذا المجتمع قابلية للإصلاح؟

السيف: من الواضح ان هناك رأيان: رأي يقول بأن السعوديين ليسوا جاهزين للإصلاح. ورأي آخر يقول بأن المجتمع كان جاهزا منذ زمن طويل، وأن تأخر الإصلاح ادى الى تأزيم العلاقات الداخلية في هذا المجتمع، فإذا لم يجرِ التعجيل بالإصلاح، فإن البلاد سوف تتكبد الكثير من الخسائر على أصعدة كثيرة.

ابرز القائلين بالرأي الاول، هم كبار المسؤولين في الدولة، وكبار رجال الدين، وبشكل عام، الطبقة العليا في البلاد. أما القائلون بالرأي الثاني، فهم الأغلبية الساحقة من الطبقة الوسطى، والمثقفون، بمن فيهم عدد ملحوظ من كبار الموظفين، وأعضاء مجلس الشورى، والأكاديميون وجميع النساء المتعلمات.

وفي اعتقادي، أن الجدل حول الاصلاح، هو الوجه الظاهري لجدل أقدم حول الحداثة: الشريحة الأوسع من المجتمع، والتي تضم الأغلبية الساحقة من المتعلمين والأجيال الجديدة، كانت تطالب منذ زمن بإنهاء حالة المراوحة بين عصر التقاليد وعصر الحداثة.

ومن المتفق عليه أن نفوذ قيم الحداثة في المجتمع رهن بعاملين: التحضير، والتعليم. وهذان العاملان متحققان فعلا، ومنذ سنوات طويلة في المملكة. لذا وفي الوقت الراهن، فإن جميع الشباب السعوديين تحت سن الثلاثين، قد حصلوا على قدر من التعليم الحديث.

كما ان اكثر من 80% من السعوديين، يسكنون في المدن الصغيرة والكبيرة. نعرف أيضا أن جميع السعوديين تقريبا لديهم اتصال بمصادر المعلومات، مثل: القنوات التلفزيونية الفضائية، والصحافة، وغيرها. على مستوى الاتصال بالعالم، فإن كل سعودي على الأغلب قد سافر مرة على الأقل إلى الخارج، أو تعرّف على أشخاص من الخارج.

ولهذا نقول أن المملكة قد دخلت – من الناحية الموضوعية - في العصر الحديث بكل قيمه، ومقوماته، والكثير من مؤسساته. ربما تكون المؤسسة السياسية، هي الجهة الوحيدة في البلاد، التي لا زالت مشدودة الى العصر التقليدي، بقيمه، وأعرافه، وطبيعة السلطة السائدة فيه.

نحن إذن أمام تباين بين مجتمع يحث الخطى في اتجاه الحداثة، ومؤسسة سياسية تقدم رجلا وتؤخر أخرى، مترددة بين الانتقال القطعي الى الحداثة، أو البقاء في عصر انتهى موضوعيا، ولم يعد موجودا إلا بصورة رمزية.

بالنظر إلى هذا التفسير، فإن المطالبة بالإصلاح في المملكة، هي في جوهرها، مطالبة للدولة بالانتهاء من هذه المراوحة المزمنة، بين الزمن الرمزي (عصر التقاليد) والزمن الموضوعي (عصر الحداثة).

وفي اعتقادي، أن النخبة الحاكمة، بحاجة الى اتخاذ مثل هذا القرار التاريخي، من أجل ضمان استقرار البلاد، وسلامة النظام السياسي على المدى البعيد .

الدولة خطت خطوات في هذا الاتجاه، كان أبرزها الانتخابات البلدية الأخيرة. هل تشكل الانتخابات البلدية بداية إصلاحات حقيقة برأيك؟

السيف: من الواضح أن الحكومة ترغب في نوع من إصلاحات، لا تعطي فرصة لخروج الأمور، عن نطاق السيطرة السياسية، والأمنية. وهذا خيار قابل للتفهم، في ظل الظروف الحاضرة.

لكني، أخشى من أن الانتخابات البلدية، ليست إلا مجرد فقرة إصلاحية، وليست جزء من عملية إصلاح سياسي شامل. هذه الخشية ترجع الى تحليل فحواه، أن الإصلاح في المملكة، ليس مسارا منتظما ومتواصلا (procsess) بل، هو اقرب ما يكون الى مبادرات سياسية آنية (politics) غرضها تنفيس احتقانات، أو استيعاب ضغوط داخلية أو خارجية.

الفارق بين الإثنين يكمن في أن النمط الأول يأتي بصورة متوالية ومتوازية. متوالية بمعنى أن الانتخابات البلدية، هي تدريب على انتخابات أخرى (مثل انتخاب أعضاء مجلس الشورى أو حكام المناطق ). ومتوازية بمعنى، أن يترافق معها إقرار بالحريات العامة، مثل حرية الصحافة، والتعبير، والتجمع، وإلغاء القيود المرتبطة بعصر التقاليد، مثل: القوانين والأعراف المقيدة لحقوق النساء، والبدء في ترسيخ حاكمية القانون والمساواة .. الخ.

نحن نتفهم الاحتجاج القائل، بأن الإصلاح يجب أن يكون تدريجيا، لكن التدريج يجب أن يكون واضحا ومحددا، بمعنى أن تكون هناك خطوات متوازية، واحدة تدعم الأخرى، وتسمح بالبناء عليها، استعدادا للمرحلة الاعلى. وأن يكون المسار بأكمله محدداً في ملامحه، ومحدداً في زمنه.

أجرى الحوار حسن مصطفى
حقوق الطبع قنطرة 2005

توفيق السيف متفرغ حاليا لتحضير رسالة الدكتوراه، في العلوم السياسية، من جامعة ويستمنستر البريطانية، حاصل على إجازة ماجستير فلسفة في العلوم الإسلامية، من الجامعة الإسلامية بلندن، وله عدة مؤلفات.

حسن مصطفى صحفي وكاتب من المملكة العربية السعودية.

قنطرة

آل سعود بين عنف الإسلاميين ومطالب دعاة الإصلاح
رغم تنظيم انتخابات بلدية في المملكة العربية السعودية، نلاحظ غياب برنامج إصلاح جذري وضغطا متزايدا على دعاة الإصلاح والذي حكم على عدد منهم أخيرا بعقوبات سجن عالية. تعليق الباحثة مي يماني.

بين الإصـلاح والسـياسة التقليديـة
غلبت نبرة سلبية على تقييم الانتخابـات البلديـة في المملكة العربيـة السعودية. ووصفها الكثير من الخبـراء بكونها مجرد خطوة تجميليـة. ولكن هل يمكـن أن نقيس الانتخابات البلديـة في السعودية بمقاييس ليبراليـة وأن نهمل الخصوصيات الحضاريـة والتاريخية؟ تحليل عمرو حمزاوي