لماذا يخشى عراقيون بمعاقل صدام حسين رحيل الأمريكان بعد مقاتلتهم إياهم؟ "نأمل ألا يتركنا بايدن"

الصورة من تجمع للصلاة في الفلوجة من عام 2014. في معاقل صدام حسين - الناس خائفون من المستقبل بعد رحيل الأمريكيين (2021): عندما احتلت القوات الأمريكية الفلوجة في 2003، حمل أبو أركان إبراهيم بندقيته، وانضم إلى المقاومة العراقية ضد الأمريكيين الغزاة، وأُصيب بحروق بالغة في المعارك. لكن الرجل الذي كان يحارب الأمريكيين أصبح الآن يخاف من رحيلهم.

على مدى 17 سنة، رأى إبراهيم وهو موظف حكومي مدينته تسقط مرة في أيدي الأمريكيين وأخرى في قبضة تنظيم القاعدة ثم تنظيم الدولة الإسلامية، وأخيرا القوات العراقية التي تقاتل معها جنبا جنب فصائل مسلحة مدعومة من إيران.

يقول إبراهيم إن وجود القوات الأمريكية في السنوات الأخيرة ساعد في قمع من تبقى من متشددي الدولة الإسلامية وكبح جماح الفصائل المسلحة المدعومة من إيران. وقال إبراهيم إن سحب القوات الأمريكية يخلق فراغا أمنيا، يجعل من الفلوجة مكانا أشد خطورة.

قال الرجل البالغ من العمر 37 عاما "أنا أفضل بقاء الأمريكان هنا بدل تواجد آخرين كبديل".

ويشترك مع إبراهيم في تقديره للموقف كثير من مسؤولي الأمن والمقاتلين السابقين والسكان في المناطق الشمالية والغربية من البلاد التي تشغل ما يصل إلى ثلث أراضي العراق، وهي معاقل تمرد سابقة كانت موالية لصدام حسين.

ويقولون إن الدولة الإسلامية والفصائل المسلحة المدعومة من إيران هي التي ستجني الثمار وتحقق أكبر استفادة من خفض القوات الأمريكية. ويشيرون إلى زيادة هجمات تنظيم الدولة الإسلامية، ويخشون من أن تستخدم الفصائل المدعومة من إيران هذا العنف كمبرر وذريعة لترسيخ وجودها.

في الشهر الماضي، أكملت الولايات المتحدة خفض قوام قواتها في العراق إلى 2500 جندي وهو تقريبا نصف المستوى الذي كانت عليه قبل أقل من عام.

وفي الأشهر الأخيرة وقع أكثر من 25 هجوما دمويا نسبها مسؤولون عراقيون إلى مقاتلي الدولة الإسلامية. وشن التنظيم الشهر الماضي أكبر هجوم له منذ سنوات بتفجير انتحاري في بغداد راح ضحيته أكثر من 30 شخصا.

وامتنعت السفارة الأمريكية في بغداد عن التعليق.

وقال التحالف العسكري الذي تقوده واشنطن وتنضم تحت لوائه 80 دولة لمحاربة الدولة الإسلامية في العراق، إنه نفذ 10 ضربات ضد أهداف للمتشددين في شهر ديسمبر كانون الأول 2020 وحده.

وقال مسؤول في التحالف إنه لا توجد خطط للعدول عن الانسحاب وإن القوات العراقية قادرة على التصدي لتمرد الدولة الإسلامية في ظل مستويات الدعم الحالية من التحالف.

والفرقة الأمريكية هي الأكبر في قوة التحالف التي تضم أيضا 900 جندي من دول أخرى.

ومع ذلك، أصبح الوجود الأمريكي في العراق ضئيلا مقارنة بقوة قوامها 170 ألف جندي تمركزت في البلاد بعد الغزو.

وتعمل قطاعات من الجيش العراقي البالغ قوامه 300 ألف جندي في المناطق الغربية والشمالية من البلاد. ويبلغ عدد الأفراد المنتمين للفصائل المسلحة 100 ألف على الأقل، قسم كبير منهم في الشمال والغرب. ويقدر مسؤولون أمنيون ومحللون أعداد مقاتلي الدولة الإسلامية بالآلاف.

وأقر مسؤول أمريكي بأن سحب القوات خلال العام المنصرم 2020 أضعف القدرات العسكرية الأمريكية في العراق لكنه شدد على استمرار المساعدة الأمريكية. وقال المسؤول "ما زلنا نجتهد في تمكين شركائنا العراقيين ودعمهم" مضيفا أن العراقيين أصبحوا بالفعل أكثر استقلالا في الحركة والعمل.

وأقر المسؤول بأن الدولة الإسلامية لا تزال عدوا حتميا. وقال "وعليه (يمكن القول) إن المستقبل لن يكون خاليا من الدماء".

ولم تقدم إدارة الرئيس جو بايدن أي إشارة على نية تخالف الانسحاب الذي بدأ في عهد سلفه دونالد ترامب. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إن إدارة بايدن تجري مراجعة لأعداد القوات ومواقعها بما في ذلك العراق.

وقال متحدث باسم الحكومة العراقية إن خفض القوات لم يؤثر على قدرتها على احتواء الدولة الإسلامية. وأضاف "هناك تنسيق مستمر" مع القوات الأمريكية الباقية.

ويعارض معظم العراقيين النفوذ الأجنبي. ويرحب البعض بالانسحاب الأمريكي. لكن كثيرين، خصوصا في المناطق السنية، يقولون إنهم يفضلون وجودا عسكريا أمريكيا محدودا على زيادة نفوذ الفصائل الموالية لإيران.

وتقول الفصائل المتحالفة مع إيران إن تمرد الدولة الإسلامية على الجيش العراقي يستلزم بقاءهم في المناطق ذات الأغلبية السنية لمحاربة المتشددين. ويتعهد مقاتلو الفصائل بطرد القوات الأجنبية من العراق إذا لم يلتزم بايدن بالانسحاب الكامل وينفون أي تورط في هجمات أو انتهاكات لحقوق الإنسان.

وكان مقاتلو الدولة الإسلامية يسيطرون على ما يقرب من ثلث العراق بين 2014 و2017. لكن وجودهم أصبح الآن مقصورا على المناطق الصحراوية النائية والسلاسل الجبلية. ويعلنون بانتظام مسؤوليتهم عن الهجمات التي يُقتل فيها جنود وأفراد فصائل شيعية مسلحة بالعراق.

الدولة الإسلامية تكتسب شجاعة

بدأت الحياة تدب مرة أخرى في أوصال الفلوجة وغيرها من المدن الكبرى في المناطق السنية التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية. أمام المتاجر والمطاعم المزدحمة طرق رئيسية ممهدة حديثا. ولكن، خارج المراكز الحضرية، لا تزال المباني التي سُويت بالأرض في المعركة أطلالا وحطاما. ولم تعد آلاف العائلات النازحة حتى الآن.

كان إبراهيم يتحدث وبرفقته ابنه الصغير على مفترق طرق مزدحم في الفلوجة شهد في أكتوبر تشرين الأول 2020 أول تفجير بدراجة نارية ملغومة في المدينة منذ عامين. أنحى مسؤولون عراقيون باللائمة على الدولة الإسلامية.

لم تؤكد الجماعة المسؤولية عن الانفجار ولم تنفها.

قال صلاح العيساوي وهو قيادي في فصيل حشد الأنبار "في الأشهر الأخيرة لاحظنا حصول المزيد من هجمات داعش في هذه المناطق". أسفرت إحدى هذه الهجمات عن مقتل اثنين من عناصر الأمن بعد انفجار الفلوجة في أكتوبر تشرين الأول 2020. نسب العيساوي ومسؤولون أمنيون عراقيون آخرون عمليات القتل إلى تنظيم الدولة الإسلامية، الذي لم يصدر أي تعليقات حتى هذا الوقت.

يقول بعض المسؤولين العسكريين العراقيين إن قسما كبيرا من موجة العنف المتصاعد مرتبط بتراجع الوجود الأمريكي.

ضرب ضابط في الجيش العراقي يعمل مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة مثالا ليدلل على اعتماد الجيش العراقي على أمريكا. وقال إن الضربة الجوية الأخيرة التي قتلت قياديا بارزا في الدولة الإسلامية كانت ثمرة لجهد أمريكي عراقي مشترك.

وأوضح الضابط "قواتنا الأمنية كانت تقوم بمطاردته لكنها كانت تجد صعوبة كبيرة في معرفة مكان اختبائه لولا مساعدة الدعم الجوي الأمريكي". وقال إن التحالف أصبح ينفذ ضربات جوية أقل من المعتاد على أهداف الدولة الإسلامية.

وقال المسؤول في التحالف إن القوات بقيادة الولايات المتحدة قدمت دعما جويا للقوات العراقية الخاصة في تلك العملية. وأكد المتحدث باسم الحكومة العراقية أن العملية قادتها القوات العراقية.

جماعات متحالفة مع إيران

تقول الفصائل الشيعية إن تنظيم الدولة الإسلامية يكثف تمرده، وطالما استمر هذا فإن القوات العراقية ستظل بحاجة إلى مساعدتهم.

والجماعات المتحالفة مع إيران جزء من مظلة أمنية تديرها بغداد وتعمل جنبا إلى جنب مع قوات الأمن العراقية لمراقبة المناطق النائية التي كانت تابعة للدولة الإسلامية.

وقال نصر الشمري المسؤول البارز في حركة النجباء لرويترز قبل أسابيع من تنصيب بايدن "الكثير من التهديدات لا تزال قائمة ومن واجب الفصائل أن تتعامل مع تهديد داعش أو أي تهديد خارجي آخر".

ويريد الشمري مغادرة الأمريكيين ويقول إن وجود القوات الأمريكية عامل محرك للاضطرابات. وأكد أن العراقيين الذين يرغبون في بقاء القوات الأمريكية أقلية لها دوافع سياسية.

يخشى كثيرون من سكان الفلوجة والبلدات المجاورة من الوقوع في براثن دائرة الانتقام من جانب قوات الأمن العراقية أو حتى من الفصائل الشيعية ردا على تزايد هجمات الدولة الإسلامية.

وقال إبراهيم إنه تعرض للاعتقال على أيدي قوات الأمن والفصائل الشيعية على مدى سنوات ماضية للاشتباه في وجود علاقة له مع تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، وهو ما ينفيه.

وقال العيساوي إن الفصائل الشيعية استمدت الشجاعة من الحديث عن الانسحاب الأمريكي. وأضاف أن القوات المتحالفة مع إيران رفعت أعلامها عند بعض نقاط التفتيش التي خططوا للتخلي عنها.

وأضاف "نأمل أن بايدن لن يتركنا نقع تحت أيديهم". الفلوجة (العراق) 5 فبراير شباط 2021 (رويترز)

 

[embed:render:embedded:node:37136]