بعد عام على الاحتجاجات في العراق احتجاجات "ثورة أكتوبر" تعود إلى بغداد في ذكراها السنوية الأولى

الصورة من الأرشيف - مدينة النجف. تظاهر آلاف العراقيين الأحد 24 / 10 / 2020 في الذكرى السنوية الأولى لـ "ثورة أكتوبر"، في تحد لسلطات بلادهم التي يعتبرونها عاجزة عن إصلاح الأوضاع ومعالجة البطالة وتحسين الخدمات الأساسية والحد من تزايد نفوذ الفصائل المسلحة الموالية لإيران.

وكان الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019 أشعل الشرارة الأولى للاحتجاجات التي بدأت بشكل عفوي للمطالبة بتغيير الطبقة السياسية.

وتفتح الاحتجاجات لمروحة واسعة من الاحتمالات في بلد تحول فيه غضب جيل شاب تظاهر العام الماضي 2019، لما يوازي حمام دم بعد مقتل قرابة 600 متظاهر وإصابة 30 ألفا إضافة إلى اعتقال المئات.

وقال علي الغزي، متظاهر من مدينة الناصرية (جنوب) التي تعدّ أحد المعاقل الرئيسية للاحتجاجات، لوكالة فرانس برس "ما زلنا مصرين على مواجهة التسلط والفساد من أجل تغيير الوجوه التي تدير زمام الأمور من فشل إلى فشل".

من جانبه، كرر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي وصل لمنصبه على أمل إنقاذ البلد من التدهور، بأنه أمر قوات الأمن بعدم استخدام السلاح ضد المتظاهرين، لكن هذا الأمر يعد صعبا للغاية في بلد عاش صراعات وحروبا متلاحقة منذ أربعة عقود.

كما تواصل جماعات مسلحة فرض نفوذها في هذا البلد الذي تنتشر فيه الأسلحة وفصائل تتحدى سلطة الحكومة في البلاد، وأحياناً في المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد.

يواصل المتظاهرون الذين يتواجد أغلبهم في ساحة التحرير، وسط بغداد، محاولاتهم للتوجه صوب المنطقة الخضراء حيث مقرّ الحكومة والبرلمان وسفارات أجنبية بينها السفارة الأمريكية، رغم الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها السلطات على جسر فاصل بين جانبي المدينة.

بين المحتجين المحامي سجاد سلام، أحد أبرز الناشطين في الاحتجاج وقد جاء إلى العصمة مع مئات المتظاهرين من مدينة الكوت لدخول المنطقة الخضراء.

وقال "نريد حل البرلمان واجراء انتخابات شفافة وحصر السلاح بيد الدولة ومحاكمة قتلة المتظاهرين".

كما خرجت من مدينة العمارة، كبرى مدن محافظة ميسان في جنوب البلاد، حافلات تقل متظاهرين متوجهة إلى بغداد.

وقال الناشط حسين مرتضى الآتي من العمارة، إنّهم "مصرون على المشاركة في الاحتجاجات رغم كل التهديدات من قبل أحزاب وشخصيات نافذة".

وقطع هؤلاء المتظاهرون مساء السبت 23 / 10 / 2020، مئات الكيلومترات التي تتخللها حواجز أمنية، وساروا بعدها على الأقدام للوصول إلى وسط بغداد بعدما منعت قوات الأمن اقتراب السيارات والحافلات إلى ساحة التحرير والمناطق القريبة من المنطقة الخضراء.

وانتشرت كذلك حولها قوات مكافحة الشغب خلف دروع شفافة سميكة لمنع انتشار المتظاهرين الذين يلوحون بأعلام عراقية.

بدا الناشطون منقسمين، إذ إنّ البعض يعتقد أن ساحة التحرير هي المكان الآمن الوحيد لتجمع المحتجين فيما توجه آخرون صوب المنطقة الخضراء عند الجانب الثاني من مدينة بغداد.

وكان المتحدث العسكري باسم رئيس الوزراء، اللواء يحيى رسول، دعا المتظاهرين للبقاء في ساحة التحرير لاعتباره أنها المكان الوحيد "الآمن تماماً".

لكن المتظاهرين بَدوا عازمين على إحياء ذكرى احتجاجاتهم الشعبية كونهم يعتقدون بأنه لم يتغير شيء رغم مرور عام على انطلاقها للمطالبة بفرص عمل لجيل الشباب الذي يمثل 60 بالمئة من سكان البلد الذي تتواصل أوضاعه في التدهور، وفقا لتقديراتهم.

ويواجه العراق تدهوراً اقتصاديا بسبب تراجع أسعار النفط الذي يمثل المورد الرئيسي لميزانية البلاد، ما أدى لتأخير صرف رواتب الموظفين الحكوميين المتقاعدين الذين تشكل نسبتهم واحدا من بين كل خمسة عراقيين.

وقال الكاظمي في كلمة تلفزيونية مساء السبت، إنه يعمل على إنصاف "شهداء" تشرين الأول/أكتوبر 2019، وعلى تحويل أحد أكثر الاقتصادات اعتمادًا على النفط في العالم.

ورغم مرور لم يتحقق "أي إصلاح" وفق المتظاهرين، فضلاً عن أنّ البرلمان الذي يهيمن عليه نواب موالون لإيران لم يصوت بعد على قانون الدوائر الانتخابية أو على ميزانية عام 2020، وهما من ضمن لمشاريع الرئيسية للحكومة التي تتهم بالولاء لإيران.

عام على الاحتجاجات في العراق

وبدأت الاحتجاجات العفوية المناهضة للحكومة في العراق في تشرين الأول/أكتوبر 2019، واستمرت عدة أشهر قبل أن تتوقّف، وقد أسفرت عن مقتل نحو 600 شخص وإصابة 30 ألفا بجروح.

في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019، استجاب أكثر من ألف شخص لدعوات على وسائل التواصل الاجتماعي في بغداد ومدن الجنوب ذات الأغلبية الشيعية للاحتجاج على الفساد والبطالة وسوء الخدمات العامة.

استخدمت شرطة مكافحة الشغب خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي والذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين.

ومع استمرار الاحتجاجات أغلقت السلطات في 2 تشرين الأول/أكتوبر المنطقة الخضراء التي تخضع لحراسة مشددة في بغداد والتي تضم مقرات مؤسسات الدولة العليا والسفارة الأمريكية.

في 3 تشرين الأول/أكتوبر، تحدى الآلاف قرار حظر التجول في مدن عدة لكن الدبابات وقفت في طريقهم. وقطعت خدمة الإنترنت في معظم أنحاء البلاد.

ودعا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الحكومة إلى الاستقالة وإجراء "انتخابات مبكرة".

وبعد يومين، أعلن مجلس الوزراء عن توزيع أراض وتوفير رفاه اجتماعي وإصلاحات لمكافحة الفساد.

استؤنفت الاحتجاجات في 24 تشرين الأول/أكتوبر، قبل يوم من الذكرى السنوية الأولى لتولى عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء.

في اليوم التالي، قُتل أكثر من 40 متظاهرا، معظمهم في الجنوب.

وقضى عدد كبير من المحتجّين بسبب حرائق أو جراء إصابتهم بالرصاص أثناء مهاجمتهم مقرّ الحشد الشعبي الذي تهيمن عليه فصائل شبه عسكرية موالية لإيران.

في 28 تشرين الأول/أكتوبر، تجمع طلاب وأساتذة وتلاميذ مدارس في بغداد والمدن الجنوبية.

طالب المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي العراق بـ "معالجة مسألة انعدام الأمن" وفي الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، حذّر آية الله علي السيستاني من التدخل الأجنبي.

في 9 تشرين الثاني/نوفمبر، بعد محادثات شارك فيها قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، اتفق كبار القادة على إبقاء الحكومة.

وبعد إضراب واسع النطاق واستمرار التظاهرات، أضرم محتجون في 27 تشرين الثاني/نوفمبر النار في القنصلية الإيرانية في مدينة النجف المقدسة.

في اليوم التالي، قتل 46 متظاهرا وأصيب حوالي ألف في أنحاء العراق.

في 29 تشرين الثاني/نوفمبر، دعا السيستاني إلى تشكيل حكومة جديدة. في الأول من كانون الأول/ديسمبر، استقال عبد المهدي.

في 6 كانون الأول/ديسمبر، دعا السيستاني إلى تعيين رئيس وزراء جديد دون تدخل خارجي.

قُتل ما لا يقل عن 20 متظاهرا وأربعة عناصر من الشرطة في بغداد عقب مهاجمة مسلّحين مبنى كان متظاهرون مناهضون للحكومة يعتصمون فيه منذ أسابيع.

في 13 كانون الأول/ديسمبر، حضّت منظمة العفو الدولية بغداد على وقف ما وصفته بـ"حملة ترهيب تستهدف المحتجين".

بدأت الاحتجاجات تتصاعد في 22 كانون الأول/ديسمبر.

في 3 كانون الثاني/يناير 2020 تم اغتيال سليماني والقيادي الموالي لإيران أبو مهدي المهندس في بغداد بضربة أمريكية.

وفي وقت لاحق، توقفت الاحتجاجات وسط توتر بين واشنطن وطهران.

لكن في 10 كانون الثاني/يناير، احتشد آلاف العراقيين في أنحاء البلاد واستؤنفت الاحتجاجات لعشرة أيام، إلا أن قوات الأمن بدأت تفرّق المتظاهرين بالذخيرة الحية.

في الأول من شباط/فبراير، تم اختيار محمد علاوي لتشكيل حكومة جديدة. لكنه أعلن عدم تمكنه من ذلك بعد شهر إذ لم يكتمل النصاب للتصويت على الثقة في البرلمان.

في 17 آذار/مارس، تم تكليف المحافظ السابق لمدينة النجف عدنان الزرفي تشكيل حكومة.

لكن الزرفي واجه إجماعا سياسيا نادرا ضده وانسحب.

في 9 نيسان/أبريل، كلف رئيس جهاز المخابرات مصطفى الكاظمي تشكيل حكومة وأدى اليمين الدستورية بعد شهر.

في 31 تموز/يوليو، حدد الكاظمي موعدا لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 6 حزيران/يونيو 2021، أي قبل عام تقريبا من الموعد المحدد.

في 25 تشرين الأول/أكتوبر، في الذكرى الأولى للانتفاضة المناهضة للحكومة، توجّه آلاف العراقيين إلى ساحة التحرير ومحيط المنطقة الخضراء، في محاولة لتجديد حركة الاحتجاج.

وأبقى المتظاهرون على مطلبهم الرئيسي وهو رحيل كامل الطبقة الحاكمة التي يتهمونها بالفساد وبأنها موالية لإيران أو الولايات المتحدة أكثر من موالاتها للشعب العراقي. أ ف ب

 

[embed:render:embedded:node:38254]