محاكمة مبارك...يوم تاريخي لمصر وعار لحكومات غربية

لمدة 30 عاما حكم حسني مبارك مصر بلا منازع قبل أن تطيح به مظاهرات شعبية في فبراير/ شباط الماضي. والآن هاهو يحاكم في محاكمة علنية تهدف إلى تهدئة خواطر المصريين، كما ترى الصحفية الألمانية بيتينا ماركس في التعليق التالي، الذي تشدد فيه على ضرورة تعامل عدد من الحكومات الغربية بشكل نقدي مع علاقتها السابقة مع الأنظمة الدكتاتورية العربية.

الكاتب، الكاتبة : Bettina Marx



في القاهرة كتبت أمس اليوم صفحة جديدة من التاريخ، فلأول مرة يقف ديكتاتور عربي مخلوع في محاكمة علنية أمام قضاء بلاده وبالتالي أمام شعبه. حسني مبارك، الذي حكم بلاده بلا منازع وبيد من حديد لمدة 30 عاما، يقف أمام المحكمة، أو بالأحرى هاهو ممدد على سرير طبي نقال في قفص الاتهام.

كل من حسني مبارك ونجليه جمال وعلاء ووزير الداخلية السابق حبيب العدلي، بالإضافة إلى متهمين آخرين يقبعون في قفص، حيث تابعوا من وراء القضبان افتتاح المحاكمة وتلاوة لائحة الاتهامات. مثل تلك الصور لمتهمين في قفص ليست بالأمر الغريب عن المصريين. هي صور تعودوا عليها من خلال محكمات لإرهابيين ومحكامات لمعارضين، ولجماعة الإخوان المسلمين وللمعارضة الديمقراطية. لسنوات طويلة كان هؤلاء معرضين للقمع وللملاحقة والتعذيب وتكميم الأفواه من قبل مبارك وأجهزته الأمنية. اليوم يقف ممثلو هذا النظام أمام القاضي وأمام الشعب. ولا يمكن للمرء إلا أن يشعر بنوع من الرضا والارتياح حين يراهم أمام القضاء.

محاكمة ليست بغرض التشفي وإنما للعدالة

مبارك في صالة المحكمة
هذه المحاكمة لم تأت بدافع التشفي والثأر وإنما بدافع القصاص والعدالة، عدالة لضحايا الثورة، الذين قتلوا أو جرحوا على يد زبانية مبارك

​​

ولكن هذه المحاكمة لم تأت بدافع التشفي والثأر وإنما بدافع القصاص والعدالة، عدالة لضحايا الثورة، الذين قتلوا أو جرحوا على يد زبانية مبارك. إنه دافع العدالة للمواطنين الذين حرموا ولعقود طويلة من المشاركة في العملية السياسية في مصر والذين سرقت منه آمالهم في مستقبل ورفاهية من قبل رئيس جشع وحاشية فاسدة.
الإهانة والعار التي أتت به هذه المحاكمة العلنية لحقت فقط بمبارك ونجليه والبعض من أتباعه، كما يتعين أيضا تقديم آخرين كثيرين أجرموا واستفادوا من نظام مبارك للعدالة. ولكن من الواضح أيضا أن الكثيرين من المشاركين في نظام مبارك، لن تتم أبدا محاكمتهم، على سبيل المثال العسكريين، الذين استطاع مبارك أن يستند عليهم لعقود طويلة والذين انتفعوا من حكمه الفاسد. واليوم هاهم يقفون على أعلى هرم السلطة في الدولة ولا أحد يعلم ما إذا كان هؤلاء سيكونون فعلا على استعداد للتخلي عن السلطة لحكومة منتخبة ديمقراطيا.
وكذلك أصدقاء مبارك في الديمقراطيات الغربية لن تتم محاسبتهم، لأنهم سوف يبررون دعمهم للدكتاتور بحتميات السياسية الواقعية وبالاعتبارات الإستراتيجية. لكن المواطنين في هذه الدول لا بد أن يعلموا أن حكوماتهم لم تتخل عن مبارك حتى حين خرج ملايين المصريين للتظاهر ضده. فقط حين تبين لهم أنه من الصعب عليه الصمود، حينها فقط تخلوا عنه. في هذا اليوم التاريخي في القاهرة يجدر برؤساء دولنا وحكوماتنا التفكير ما إذا كان هذا اليوم يوم عار عليهم.

 

بيتينا ماركس
مراجعة: لؤي المدهون
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011

بيتينا ماركس صحافية ألمانية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط.