تحالف مدني لمواجهة الإخوان والجيش في مصر ما بعد مبارك

بحضور 5000 مشارك من كافة التيارات الليبرالية واليسارية إنعقد "مؤتمر مصر الأول" في ظل مقاطعة التيارات الإسلامية. المؤتمر قرر تشكيل "المجلس الوطني" كأداة سياسية للتفاوض مع المجلس العسكري والحكومة خلال المرحلة الإنتقالية. هاني درويش قضي يوما بين قاعات المؤتمر ورصد النقاشات فيه.



نتيجة لطبيعة تكوين أول مؤتمر للقوى المدنية الليبرالية واليسارية، الذي خلا من تمثيل جماعة الإخوان المسلمين، وبعد أن صرح صبحي صالح ممثل الجماعة في لجنة تعديل الدستور بأن المؤتمر جاء لتكرار أو ايقاف شرعية ما استقر عليه التعديل الدستوري بتفويض 100 عضو بمجلس الشعب القادم لكتابة الدستور، جاءت معظم فاعليات المؤتمر لتصب في خانة الصدام مع المجلس العسكري وإستراتيجية الإخوان المسلمين لهوية مصر الدينية، فقد إستقبل الحاضرون كلمة اللواء محسن النعماني وزير التنمية المحلية (ممثلا عن حكومة د. عصام شرف) الداعية للصبر وعدم القفز فوق المرحلة الإنتقالية بعاصفة من الهتافات الرافضة لسياسات الحكومة. كما تكررت الهتافات والمداخلات الرافضة لإنفراد المجلس العسكري بالقرار السياسي دون مشاركة جماهير الثورة، كذلك الهتافات الداعية لوقف محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.

وناقش المؤتمر في جلساته الأربع أربعة قضايا رئيسية: الأولي مبادئ الدستور القادم، والثانية الإقتصاد والعدالة الإجتماعية، والثالثة الإنتخابات البرلمانية ، والرابعة تشكيل المجلس الوطني.

إعتراف بالشريعة وخلاف حول التنوع

في الجلسة الأولي عرضت القاضية تهاني الجبالي، نائب رئيس المحكمة الدستورية، وثيقة إعلان مبادئ الدستور المصري ما بعد ثورة 25 يناير. وتضمنت الوثيقة 20 مبدأ أساسيا، أولها تعريف الدولة كجمهورية ديمقراطية مدنية، وتعريفا مجتمعيا يقوم علي إحترام مبادئ المواطنة وإحترام التعددية مع الإعتراف بالإسلام دينا للدولة والعربية لغة رسمية لها، ومبادئ الشريعة مصدرا أساسيا للتشريع مع تحصين المبدأ الأخير بما يضمن حق غير المسلمين في الخضوع لشرائعهم الخاصة، وتعريف مبادئ الشريعة بالمبادئ الكلية، التي تخص المشرع، ثم مبدأ سيادة الشعب بإعتباره مصدر السلطات، ومبدأ حماية الدولة المدنية متضمنا المؤسسة العسكرية جنبا إلي جنب مع الأحزاب والمجتمع المدني، ثم مبدأ الضمانات الدستورية للتوزيع العادل للثروة الوطنية مع حماية دستورية للعدالة الإجتماعية.

وفور إنتهاء أول قاضية مصرية من عرض ورقة المبادئ إنهالت الإنتقادات الموجهة إليها، ففي جلسة فرعية أدارها الروائي علاء الأسواني والإعلامية جميلة إسماعيل، إنتقدت منال الطيبي، رئيس مركز الحق في السكن، عدم إحتواء الورقة علي نص يحترم التنوع الثقافي، خاصة فيما يخص قضية النوبة وملكية أهلها لأراضيهم، كذلك الحال بالنسبة لأبناء سيناء، وتساءلت عن المرجعية التي لابد أن تعود لها مثل هذه المبادئ الممثلة في ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مع إشارة ورقة المبادئ إلي المسيحيين فقط كمعني للتنوع الديني، في حين يتواجد بهائيون في مصر، بل وعلمانيون يحتاجون الحماية التشريعية.

أما الإعلامية بثينة كامل، أول مرشحة مصرية للرئاسة، فانتقدت إستسلام الورقة لقدر الإنتخابات البرللمانية القادمة، معتبرة أن "أسبقية وضع الدستور قبل الإنتخابات من أولويات هذا المؤتمر، وهو ما دعا الروائي علاء الأسواني إلي تنبيهها بضرورة إحترام إرادة الناخبين في إستفتاء التعديلات الدستورية أيا كان موقفنا المبدئي منه، في حين إنتقدت إحدي المشاركات عدم وجود مبدأ يكفل عدم التمييز ضد المرأة خاصة وأن فترة ما بعد الثورة تشهد هجوما عنيفا من قبل القوي المحافظة علي المكتسبات القليلة لها، إتكاءا علي أن قوانين كالخلع جاءت بدفع من زوجة الرئيس السابق. كما انتقد د. حسن خليل عدم إحتواء الورقة علي تصور واضح لنوعية الدولة، برلمانية أم رئاسية، مفضلا المزج بين الإثنين.

خطة عاجلة لإنقاذ الإقتصاد المصري

اهتم المؤتمر في مجمل جلساته بمشاركة شباب الثورة بكلمة في كل الجلسات، كما اهتم المنظمون بالتمثيل الإقليمي لكل محافظات الجمهورية في كلمات أخري، وجاءت الجلسة الثانية بورقة "مأزق الإقتصاد المصري عشية ثورة 25 يناير وكيفية الخروج منها"، والتي أعدها الخبير الإقتصادي عبد الخالق فاروق، والتي شخص خلالها الوضع الإقتصادي العام ومشكلاته الثلاثة المركزية: مشكلات قطاع الإنتاج السلعي(زراعة، صناعة، كهرباء، طاقة تشييد"، ومشكلات إدارة قطاع الإقتصاد المالي، ومشكلات قطاعات التجارة والخدمات.

ولفت فاروق الإنتباه إلي أصالة الأزمة منذ 40 عاما من السياسات الإقتصادية التخريبية، التي أنهكت وأفشلت القطاع الزراعي لدرجة إعتماد مصر الزراعية علي الغير في تغطية إكتفاءها الذاتي من محاصيل رئيسية، كذلك سياسات بيع الأراضي والمصانع المرتبطة بها لطبقة رجال الأعمال، مما جعل سلعة كالخبز مثلا رهين في يد حفنة من سماسرة الإستيراد، في حين مثل برنامج الخصخصة المطبق منذ منتصف التسعينات في تخريب الصناعة المصرية التقليدية لصالح صناعات التجميع، في حين استخدمت عوائد البيع في تمويل القطاع الخاص إئتمانيا.

أما علي مستوي السياسات المالية والنقدية فقد تلاعب الرئيس مبارك بالموازنة العامة لصالح دائرة ضيقة من رجاله، عبر إصدار قرارات لها قوة القانون بإسمه، وعدم فرض ضرائب تصاعدية علي الدخل وتحميل الفقراء تبعات ذلك، كذلك تضخم حجم الدين الداخلي نتيجة تعويم سعر صرف العملة المحلية لصالح بعض رجال الأعمال، ثم تدخله المباشر في سياسات الإقارض المصرفي بما سمح بتهريب مليارت الجنيهات إلي خارج مصر.

ويشرح فاروق إمكانية الخروج السريع من الأزمة الحالية في خطوات قصيرة الأجل، منها مراجعة كل عقود تصدير الغاز بما قد يوفر نحو 8 مليار دولار، وإعادة هيكلة الموازنة العامة بمايسمح بتوفير 2 مليار دولار وضم حسابات الصناديق الخاصة، الذي يدعم ميزانية الدولة خلال الثلاث سنوات القادمة بنحو 80 مليار دولار، ثم إلغاء النصوص القانونية التي تسمح لرئيس الجمهورية بتأسيس مثل هذه الصناديق الوهمية، و إعادة هيكلة الوزارات الإقتصادية بما يسمح بالتناغم بينها، وضبط الواردات ودعم الإنتاج التصديري، وإعادة تمليك الأراضي التي بيعت بالمخالفة للقانون لمستثمرين إلي شباب بغرض الزراعة، وأخيرا تحسين شروط اقتسام العائد مع المستثمر الأجنبي.

القوى المدنية الليبرالية واليسارية بدأت معركة الإنتخابات والجدل مع العسكر

وفي مداخلته حول الورقة الإقتصادية طالب القيادي بحزب العمال المصري كمال خليل بضرورة إعادة تأميم الشركات العامة، التي جري بيعها بشروط مجحفة وتم تشريد عمالها، فيما لفت عبد الحكيم عبد الناصر(ابن جمال عبد الناصر) الإنتباه إلي ضرورة الإلتفاف إلي البعد الإجتماعي للثورة المتمثل في مطلب الكرامة الإنسانية. وفي الأطار نفسه لجأ القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، كرم زهدي، المفرج عنه حديثا إلي تذكير الحضور بالطابع الإجتماعي للإسلام كما تم تطبيقه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب مطمئنا الحضور من عدم وجود دولة دينية في الإسلام.

وفي كلمته حول أبناء شمال سيناء طالب أشرف الحفني بقصر تمليك الأراضي في إقليمه علي المصريين، وإتاحة تملك الأرض للسيناويون، مع وقف تصدير الغاز، متوعدا المجلس العسكري بتفجير خط الأنابيب أيما تيسر ذلك.

وكان لفيف من الحاضرين في مداخلاتهم قد ذكروا مفارقة أن يجتمع هذا الحشد من أبناء الثورة في نفس مكان وزمان إنعقاد المؤتمر العام للحزب الحاكم السابق، مقدمين مداخلاتهم إلي أرواح الشهداء معتبرين أن مهمة علاج ضحايا الثورة ليست هبة أو منحة من أحد بل واجب وطني.

واختصت الجلسة الثالثة بشكل التحالف الإنتخابي للقوي اليسارية والليبرالية وقدم حول التصور د. عمرو هاشم ربيع عرضا لخطوات تشكيل قوائم موحدة، لاتدخل في خصومة مباشرة مع الإخوان، بل تتعامل بحزم مع من أسماهم " الأغيار"، أي فلول الحزب الحاكم السابق، عبر آلية فضح وتجريس قوائمهم، وعمل قاعدة بيانات مجمعة عن أعضاءه حتي المستويات القاعدية لتلافي إنصهارهم في أحزاب أخري، والأخذ في الإعتبار خريطة التربيطات القبلية والعائلية، كذلك التعرف العلمي الدقيق لأبعاد اللجان الإنتخابية إقتصاديا وخدميا، بل وطالب بإستغلال ورقة عمل كان قد وضعها د. علي الدين هلال، الأمين المساعد في الحزب الحاكم المنحل، بوصفها ورقة علمية لإدارة العملية الإنتخابية، في الوقت التي تصاعدت فيه الهتافات من القاعة مطالبة بتجميد كل أعضاء الحزب الحاكم السابق لعشر سنين علي الأقل.

زباد العليمي من إئتلاف شباب الثورة إفتتح الجلسة الرابعة بكشف حساب مختصر لأهداف الثورة المتحققة والمعلقة، داعيا إلي ضرورة الوقوف بحسم أمام سيناريو الإنتخابات قبل وضع الدستور، بل وطالب بضرورة إعادة الإعتبار لفكرة المجلس الرئاسي المؤقت.

وبدوره قدم المعماري ممدوح حمزة، صاحب الدعوة للمؤتمر ومموله الرئيسي ورقة حول المجلس الوطني، الذي اقترح تأسيسه عبر آلية تمثيل تعطي للأحزاب القديمة الفاعلة ثلاثة مقاعد، والأحزاب الناشئة الجديدة مقعدان، والإئتلافات والجمعيات والمنظمات الجديدة مقعد، بحيث يتشكل مجلس مكون من 150 شخصية تكون مهمته الجدل والصراع المنضبط مع سلطة المجلس العسكري ، فلا يعقل –وفقا لحمزة- أن نستبدل ديكتاتور بمجلس عسكري، وذلك من خلال قواعد تصويت واضحة وشفافة تنتهي فاعلياتها خلال إسبوعين من الآن.

 

هاني درويش ـ القاهرة

مراجعة: لؤي المدهون

حقوق النشر: دويتشه فيله 2011