تحليل: هل تملك روسيا مصير إدلب إثر تقدم الجيش السوري أم يتدخل جيش تركيا بقوة بعد انقضاء المهلة؟

تُعقَد في العاصمة التركية أنقرة، يوم الإثنين 10 / 02 / 2020، جولة جديدة من المحادثات بين وفدين يمثلان تركيا وروسيا، وذلك لبحث آخر المستجدات في محافظة إدلب السورية.

ونقلت وكالة "الأناضول" عن مصادر دبلوماسية تركية أن الوفدين التركي والروسي سيجتمعان في ساعات الظهيرة.

وكان الوفدان التركي والروسي اجتمعا في أنقرة يوم السبت. وركزت المحادثات على الخطوات التي يمكن اتخاذها لضمان الهدوء على الأرض ودفع العملية السياسية.

تجدر الإشارة إلى أن تركيا أمهلت النظام السوري حتى نهاية شباط/فبراير 2020 للانسحاب خلف نقاط المراقبة التي تقيمها بإدلب، وهددت بأن الجيش التركي سيضطر بعد انقضاء المهلة لإجبار قوات النظام على ذلك.

وكان ما لا يقل عن ثمانية من عناصر الجيش التركي قتلوا في قصف سوري في إدلب في وقت سابق من الشهر الجاري.

وقُتِلَ تسعة مدنيين على الأقل في غارات روسية استهدفت قرية في شمال غرب سوريا، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الإثنين 20 / 10/ 2020، في وقت تواصل قوات النظام عملياتها العسكرية في المنطقة.

وتأتي الغارات غداة مقتل 20 مدنياً في قصف جوي شنته طائرات روسية وسورية مستهدفة مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وفصائل معارضة أخرى في محافظتي إدلب وحلب المحاذيتين.

وأفاد المرصد السوري أن "طائرات حربية روسية استهدفت بعد منتصف ليل الأحد الإثنين قرية أبين سمعان المكتظة بالنازحين في ريف حلب الغربي" المحاذي لمحافظة إدلب في شمال غرب البلاد، ما أسفر عن مقتل "تسعة مدنيين بينهم ستة أطفال، وإصابة 20 آخرين بجروح".

وشاهد مصور لوكالة فرانس برس في القرية عناصر من الدفاع المدني يبحثون وسط الظلام عن ضحايا تحت أنقاض مبنى مدمر. وعمدت مجموعة منهم إلى إخراج رجل كان الدم يسيل من رأسه، فيما جرى أحد المتطوعين باتجاه سيارة الاسعاف حاملاً طفلة في حضنه.

وفي كانون الأول/ديسمبر 2019، بدأت قوات النظام بدعم روسي هجوماً واسعاً في في مناطق في إدلب وجوارها تسيطر عليها هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة أخرى أقل نفوذاً.

وأسفر الهجوم حتى الآن، وفق المرصد، عن مقتل أكثر من 350 مدنياً. كما دفع، بحسب الأمم المتحدة، 586 ألف شخص إلى النزوح من مناطق التصعيد في إدلب وحلب باتجاه مناطق أكثر أمناً قرب الحدود مع تركيا.

وتركز الهجوم على ريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي ثم على ريف حلب الغربي والجنوبي الغربي المجاور، حيث يمر الطريق الدولي "إم 5" الذي يصل مدينة حلب بالعاصمة دمشق، ويعبر مدناً رئيسية عدة من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.

واستعادت قوات النظام الأسبوع الماضي كامل الجزء من الطريق الذي يمر من محافظة إدلب، وتركز منذ ذلك الحين عملياتها على ريف حلب الجنوبي الغربي، وبات كيلومتران فقط يفصلانها عن السيطرة على الطريق بالكامل.

ومحافظة إدلب وأجزاء محاذية لها من محافظات حلب واللاذقية وحماة مشمولة باتفاق روسي تركي يعود إلى العام 2018 نص على إقامة منطقة منزوعة السلاح تفصل بين مواقع سيطرة قوات النظام والفصائل، وعلى فتح طريقين دوليين، بينهما طريق حلب دمشق.

إلا أن الاتفاق لم يُنفذ لأن أي انسحابات لمقاتلي هيئة تحرير الشام لم تحصل، فيما استأنفت دمشق هجماتها على مراحل.

يقول محللون ودبلوماسيون إن من المرجح أن تنتهج روسيا أسلوبا تدريجيا لمساعدة الحكومة السورية على استعادة آخر معقل يسيطر عليه مقاتلو المعارضة في إدلب مع إدراكها أن أي مواجهة مع تركيا يمكن أن تغرق موسكو في مستنقع عسكري.

واستعادت قوات الحكومة السورية بمساعدة هجمات جوية روسية مكثفة عشرات البلدات في محافظة إدلب خلال الأسبوعين المنصرمين في أكبر تقدم لها منذ سنوات مما أجبر مئات الآلاف على الفرار إلى الحدود التركية. ولكن من غير المرجح أن تتدخل روسيا بقوتها العسكرية لتحقيق تقدم كامل في مدينة إدلب ذات الكثافة السكانية الكبيرة.

ومثل هذا التقدم سيساعد الرئيس بشار الأسد على أن يستعيد بشكل كامل سيطرته على سوريا التي يحكهما هو ووالده الراحل من قبله منذ نحو 50 عاما ولكن ذلك سيتضمن أيضا مجازفة بحدوث مواجهة كبيرة مع تركيا التي تدعم قوات المعارضة في الحرب.

وقال مصدر رفيع في المخابرات الغربية لرويترز إنه بدلا من ذلك يبدو أن روسيا تعتزم "استقطاع" أجزاء من الأراضي التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بشكل تدريجي.

وهددت تركيا بالقيام بعمل عسكري إذا لم تتراجع قوات الجيش السوري بحلول نهاية الشهر وعززت المواقع التركية في المنطقة وأنشأت مواقع جديدة لإبطاء هذا التقدم. وتستضيف تركيا بالفعل 3.6 مليون لاجئ سوري.

وقال مسؤول تركي لرويترز إن "النظام اقترب جدا من مدينة إدلب. "قواعد الاشتباك في سوريا تغيرت، بدأت مرحلة جديدة الآن".

ويمكن الآن لأكثر من مليون شخص يعيشون في المدينة، معظمهم سوريون نزحوا بسبب الهجمات الحكومية على أراضيهم، سماع أصوات إطلاق النار. وقال إبراهيم سمعان الحاج الذي يعمل بدالا في المدينة: "الناس في كل مكان رعب و تشريد والخلق في الطرقات نايمة وحتى في السيارات ما في مكان تبرك فيه".

معركة لا بد منها: من المقرر أن يناقش مسؤولون من تركيا وروسيا الهجوم مع تصاعد التوتر بعد مقتل ثمانية جنود أتراك في قصف سوري لأحد المواقع مما دفع القوات التركية للرد.ويبدو أنه ليس من أولويات موسكو الدخول في معركة مكلفة من أجل مدينة إدلب.

وقال المنشق العسكري السوري العميد ركن أحمد رحال: "اليوم ما يهم روسيا هو فتح الطرق الدولية لأن هذه الطرق لها أهمية سيادية". الغوص في مستنقع إدلب المدينة مكلف ومكلف جدا عسكريا وإنسانيا وهناك مليون مواطن بداخلها". وقال قادة عسكريون معارضون ومصادر مخابرات غربية إن موسكو هي التي ستقرر ما إذا كان سيتم دخول مدينة إدلب في مرحلة ما وموعد ذلك وهي خطوة تتضمن مجازفة بحدوث حمام دم وتفاقم الأزمة الإنسانية.

وتقف الآن القوات البرية السورية التي تساعدها فصائل مسلحة مدعومة من إيران قادمة من حلب على مشارف مدينة إدلب بعد السيطرة على مدينتي معرة النعمان وسراقب قرب طريق إم4 - إم5 الاستراتيجي حلب المؤدي إلى حماة واللاذقية على البحر المتوسط.

والمعركة من أجل إدلب مرحلة حاسمة في حرب أدت إلى سقوط مئات الآلاف من القتلى من المقاتلين والمدنيين وشردت ملايين داخل بلادهم أو خارجها وقسمت الشرق الأوسط بشكل أوسع منذ اندلاعها في 2011.

"خط أحمر": وكان مصير المنطقة نقطة تركيز اتفاقيات روسيا وتركيا والتي ضمت إيران منذ 2017 والتي استهدفت تجنيب سكانها البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة ويلات الحرب.

وقال مسؤولون أتراك إن التقدم الجديد يعرض للخطر التفاهمات التي تم التوصل إليها بموجب اتفاق أبرم 2018 وجعل تركيا، التي وسعت نفوذها في سوريا، تضمن السيطرة على الطرق الرئيسية التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة وتناول المسألة الشائكة المتعلقة بمصير المتشددين . وتتهم موسكو أنقرة بالتقاعس عن الوفاء بالتزاماتها.

وقال مصدر حضر اجتماع عُقد في الآونة الأخيرة مع 40 من قادة مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم تركيا إن المخابرات التركية أبلغت مقاتلي المعارضة خلال الاجتماع أن المحادثات مع موسكو أخفقت وعليهم التأهب للأسوأ مضيفا أن مدينة إدلب: "خطر أحمر".

ولم تتعرض المدينة إلى حد كبير لقصف جوي خلال أحدث حملة عمرها شهران والتي أدت إلى نزوح نحو 600 ألف شخص من مناطق تقع إلى الجنوب والشرق. وقال خبراء عسكريون غربيون إن موسكو استخدمت أسلوب: "الأرض المحروقة" خلال القصف الجوي الذي طال مستشفيات ومدارس وبنية أساسية أخرى في مناطق ريفية في الغالب بالمحافظة. ولكن مثل هذه الأساليب قد تثبت أنها أكثر صعوبة في المدينة.

وقال أبو براء الشامي، وهو اسم مستعار لقائد ميداني في هيئة تحرير الشام، لرويترز في رسالة نصية عبر الإنترنت: "إذا صارت معركة في داخل إدلب رح يصير في مذبحة والجهاديون سيقاتلون بكل قوتهم وراح نشوف عمليات انتحارية أكثر ونحولها مقبرة للغزاة الروس". رويترز ، د ب أ ، أ ف ب