حنين إلى نفوذ قديم- فهل يصمد أمام أمواج المتوسط؟

بعد تسوية الخلافات الألمانية-الفرنسية حول "اتحاد يضم دول حوض البحر الأبيض المتوسط" من شأن المؤتمر التأسيسي الذي سينعقد في تموز/ يوليو 2008 في باريس أنْ يُظهِر فيما إذا كان من الممكن اعتبار هذا الاتحاد خطة مستقبلية مترابطة للتعاون الأورو-متوسطي. تحليل إيزابيل شيفر.

اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل في الثالث عشر من مارس& آذار حيث أقروا صيغة الاتحاد المتوسطي، الصورة: أ.ب
ينظر عدد من دول جنوب حوض المتوسط بنوع من التوجس إزاء هذا المشروع وتطالب هذه الدول بنتائج أكثر بدلا من طرح مبادرات جديدة

​​قدَّم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي اقتراحًا للنقاش دعا فيه لتشكيل "اتحاد متوسطي" أو ما سُمي أيضًا بـ"اتحاد دول البحر الأبيض المتوسط"، وذلك في خطوة فرنسية منفردة في شباط/فبراير 2007 من دون الرجوع إلى بروكسل أو التشاور مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أو مع الرئاسة الألمانية وقتها للاتحاد الأوروبي.

وجرى التفكير بنماذج مختلفة في الأشهر التي تلت الاقتراح: مثل صيغة جديدة لتعاون إقليمي على غرار ما يسمى حوار (5+5) المتمثل بفرنسا وأسبانيا والبرتغال وإيطاليا ومالطة على الجانب الأول والمغرب وتونس والجزائر وموريتانيا وليبيا على الجانب الثاني، أو صيغة اتحاد لمنطقة البحر الأبيض المتوسط يشبه الاتحاد الأوروبي، أو دمجٍ فعّال لتركيا في الاتحاد المتوسطي، بديلاً لها عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أو اتحاد لمجمل الدول المحاذية لحوض البحر الأبيض المتوسط يتضمن ليبيا أيضًا، لكن مع استبعاد دول شمال أوروبا من أعضاء الاتحاد الأوروبي، أو صيغة اتحاد لجميع الدول التسع والثلاثين في الشراكة الأورو-متوسطية، أي كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إضافةً إلى اثني عشر دولةً في جنوب وشرق حوض البحر الأبيض المتوسط.

مخطط جديد لحوض البحر الأبيض المتوسط

لا زال المخطط في مرحلة التكوين، لكن مشاركة الدول الشمالية في الاتحاد الأوروبي ومشاركة لجنة الاتحاد الأوروبي تعتبر مؤكدة. ويعود الفضل للمبادرة الفرنسية، بغض النظر عن بدايتها غير الدبلوماسية، على الأقل في إعادة تركيز أنظار الدبلوماسية الأوروبية على منطقة البحر الأبيض المتوسط على نحوٍ أقوى، بينما كان الجدل قد تمحور حتى الآن على صيغة أوروبية داخلية.

إن نشوء فكرة مخطط قائم على أسسٍ سليمة وطويلة الأمد ليست منوطة بالتأكيد بالمشاركة الفعّالة للدول الجنوبية والشرقية لحوض البحر الأبيض المتوسط في مرحلة الإعداد وحسب، بل بمشاركة نشطاء المجتمع المدني على كلا طرفي البحر الأبيض المتوسط أيضًا، وإلا سيكون قدر المشروع مشابهًا للشراكة الأورو-متوسطية (EMP) التي أطلقت في عام 1995، والتي تسمى أيضًا بمسيرة برشلونة، وهي عبارة عن تعاونٍ بين الدول، تعاون لم يتم تبنيه من قبل المجتمعات. ومع أن الشراكة الأورو-متوسطية قد تم تخطيطها بدقة، إلا أنها فقدت الكثير من الدعم السياسي والدبلوماسي في السنوات الأخيرة بسبب ضحالة النتائج الملموسة.

ردود فعل متحفظة

قابلت الدول الجنوبية والشرقية لحوض البحر الأبيض المتوسط فكرة المشروع بتحفظ حتى الآن، كما أن تركيا ترقب الفكرة بارتياب لأسباب مفهومة، أما إسرائيل فترى في الفكرة خطرًا على علاقاتها الثنائية الوثيقة مع الاتحاد الأوروبي. ومع أن نظرة الدول المغاربية قد اتسمت بالإيجابية جراء زيارات الرئيس ساركوزي الرسمية لها، إلا أنها أشارت أيضًا إلى البنى القائمة عبر الشراكة الأورو-متوسطية.

خريطة لمناطق حوض المتوسط، الصورة: ناسا / إيريك غابا
هل سيكون مصير الاتحاد المتوسطي مصير مبادرات ومشاريع أخرى كمسار برشلونة على سبيل المثال؟

​​

شعر الكثيرون بالتقليل من شأن علاقات الجوار بسبب تغيير تسمية هؤلاء من "شركاء" إلى "جيران". كما ينظر المراقبون ونشطاء المجتمع المدني إلى المشروع بعين الريبة. بيد أن شخص الرئيس ساركوزي لا يحظى في المغرب فقط بنوعٍ من القبول بسبب ديناميته، بل وفي المشرق أيضًا، حيث تمكَّن من كسب تأييد الحكومة المصرية للمشروع بعد أن كانت مرتابة بُعيد إعلان الاقتراح. ويُفترض أن يتم تأسيس اتحاد البحر المتوسط رسميًا إبان ترؤس فرنسا للرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إلا أنَّ الأهداف الملموسة والآليات لا زالت غير واضحة حتى اليوم.

"اتحاد المشاريع"

ويجري الحديث عن تحقيق كثيرٍ من المشاريع في مجالات الاقتصاد والمياه والطاقة والبيئة والهجرة على وجه الخصوص، الأمر الذي يدعو المراقبين الساخرين للحديث عن „Union des projets“ "اتحاد المشاريع". وقد أعلنت كل من إيطاليا وأسبانيا تأييدها للاتحاد في شهر كانون الأول/ديسمبر 2007، إلا أن انجيلا ميركل أشارت إلى إمكانية تسبب المشروع بانقسامات من شأنها أن تهدد التعاون الأوروبي الداخلي، وأصرّت ميركل على مشاركة كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

ويرى الكثيرون في المشروع استراتيجية مبيتة للرئيس ساركوزي تهدف إلى منع انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص، كما أن المشروع يُشكِّل تعبيرًا عن رغبة فرنسية جديدة للسيطرة على منطقة البحر الأبيض المتوسط بوصفها منطقة نفوذ قديمة تريد فرنسا دخولها من جديد.

وإذا نظرنا بعيون السياسة الخارجية الأوروبية المشتركة سنرى أنَّ الحملة الفرنسية تضع آليات السياسة الخارجية المشتركة للاتحاد الأوروبي موضع التساؤل. والجدير بالذكر أن فرنسا كانت من أكبر مناصري الشراكة الأورو-متوسطية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، بينما لم تنضم ألمانيا مع عدد من الدول الأوروبية الشمالية إلى مسيرة برشلونة في حينه إلا بعد تردد. أما اليوم فقد أضحت ألمانيا وفنلندة بالذات تُدافعان عن البنى الأورو-متوسطية التي أقيمت بعد جهدٍ جهيد.

قوارب الموت إلى جنة أوروبا؟ الصورة: أ.ب
الهجرة غير الشرعية من أهم التحديات التي تواجه الاتحاد المتوسطي

​​

يراد لاتحاد دول البحر الأبيض المتوسط أن يكون متممًا لأعمال الشراكة الأورو-متوسطية (EMP) ولسياسة الجوار الأوروبية (ENP). بيد أن المستقبل لا يعد بالكثير، لاسيما بعد تجربة الشراكة الأورو-متوسطية وسياسة الجوار الأوروبية الخائبة، حيث لم تتما بعضهما بعضا كما كان مفترضًا منذ 2004.

لكننا نرى عكس ذلك، إذ ترتسم صورة لتعدد الخطط والأدوات غير المتماسكة، وبذلك صورة لغياب الوضوح عن كل هدف من الأهداف، وعن الآليات وعن الشركاء المعنيين، أكان ذلك في أوروبا أم في الجنوب أم في أوساط الرأي العام الأوسع على جانبي البحر الأبيض المتوسط.

رؤى جديدة لمنطقة البحر الأبيض المتوسط

بعد التوافق بين برلين وباريس وافق المجلس الأوروبي مبدئيًا في آذار/مارس 2008 على قيام اتحاد لمنطقة البحر الأبيض المتوسط. وينتظر من الاسم الجديد: "مسيرة برشلونة: اتحاد لمنطقة البحر الأبيض المتوسط" أن يرمز لرفع مستوى مسيرة برشلونة التي من شأنها أن تصبح اتحادًا.

"مسيرة برشلونة: اتحاد لمنطقة البحر الأبيض المتوسط" تشمل كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط ومن المتوقع أن تكون رئاسته بالتناوب وأن تكون له أمانة عامة صغيرة على غرار مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى (G8). هذا وقد دُعيَت اللجنة الأوروبية لتحضير المقترحات اللازمة لذلك لكي تُطرح في المؤتمر التأسيسي في باريس في تموز/يوليو 2008. صحيح أن المطلوب من بروكسل أن تموِّل اتحاد دول البحر الأبيض المتوسط، إلا أنها لم تنخرط بشكلٍ فعّالٍ في تشكيل المشروع حتى الآن. إنَّ مواقف الانتظار التي مارستها اللجنة بداية وإعطاءها الموافقة فيما بعد تتعارض مع طموحات الاتحاد الأوروبي بممارسة سياسة خارجية أوروبية مستقلة وفعّالة.

كان من شأن المؤسسات في بروكسل أنْ تتخذ هنا مواقف أصلب، إذ إنَّ التحديات تغيّرت في منطقة البحر الأبيض المتوسط قد منذ عام 1995. أما إذا كانت خطط اتحاد دول البحر الأبيض المتوسط الغامضة حتى الآن قادرة على الرد على التحديات، فهذا ما لا بد وأن يتضح فيما بعد. لكن ما سيتغيّر بالفعل في التعاون الأورو-متوسطي أهم من الفوارق الدقيقة في معاني المصطلحات، بمعنى هل سيتم تعميق هذا التعاون، أم سيراوح مكانه، أم أنه سيحظى بالفعل بدفعة جديدة.

إيزابيل شيفر
ترجمة يوسف حجازي
قنطرة 2008

إيزابيل شيفر، باحثة متخصصة في العلاقات بين الأتحاد الاوروبي ودول شمال إفريقيا في جامعة برلين الحرة.
قنطرة

اتحاد دول حوض البحر المتوسط:
الحلم الجديد بالدور الريادي القديم
اتفقت المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي على أن يحل "الاتحاد المتوسطي" محل التعاون القائم مع دول حوض البحر المتوسط المجاورة للاتحاد الأوروبي. رودولف شيمللي الخبير في شؤون الشرق الأوسط يوضح دلالات هذا الاتفاق في حوار مع عبد الرحمن عثمان.

الاتحاد الأوروبي ودول حوض البحر الأبيض المتوسط:
الانعزالية بديلا عن مبدأ التجارة الحرة
وضعت "الشراكة الأورو-المتوسطية" التي أسست في العام 1995 بالإضافة إلى تكريس السلام والاستقرار في المنطقة تأسيس منطقة إقليمية للتجارة الحرة حتى العام 2010 هدفا لها. لكن الأطراف المعنية ما زالت بعيدة عن تحقيق هذه الأهداف. برنار شميد يتطرق في هذه المقالة إلى الخلفيات.

الذكرى العاشرة لعملية برشلونة الأورومتوسطية:
رصيد ذو حدين
مشروع طموح بدأه الاتحاد الأوربي 1995 في برشلونة بغية تحقيق شراكة سياسية واقتصادية وثقافية حقيقية مع الدول الواقعة جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط. هل هناك نتائج ملموسة لهذا المشروع بعد مرور عقد على البدء به؟ تحليل إيزابيل شيفر.