أول انتخابات ديمقراطية في تونس مهد الربيع العربي ...مئات القوائم وعشرات الأحزاب

تفيد الإحصائيات الصادرة عن "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" أن نحو 1600 قائمة انتخابيّة ترشّحت لانتخابات المجلس التّأسيسي، بينها نحو 700 قائمة لشخصيات أو تحالفات مستقلّة والبقية قائمات لأحزاب أو تحالفات بين أحزاب. منير سويسي في عرض للخارطة الانتخابية قبل أول انتخابات ديمقراطية في تونس ما بعد ديكتاتورية بن على.



رغم الارتفاع الكبير في عدد الأحزاب السياسية في تونس (111 حزبا منتصف سبتمبر) فإن المستقلين يمثلون نسبة أكثر من 40 بالمائة من القائمات المترشحة لانتخابات المجلس التأسيسي. ويتنافس أكثر من 10 آلاف مرشح بين ممثلي أحزاب سياسية ومستقلين في انتخابات "المجلس الوطني التأسيسي" المقرر إجراؤها يوم 23 أكتوبر 2011.

هذا المجلس الذي سيضم 218 مقعدا، بينها 19 مقعدا خصصت للتونسيين العاملين بالخارج، سيتولى تسيير شؤون البلاد مؤقتا وصياغة دستور جديد تقام على أساسه انتخابات رئاسية وتشريعية. وستجري الانتخابات من خلال 33 دائرة انتخابية: 27 داخل تونس و6 خارجها (باريس ومرسيليا الفرنسيتان، وإيطاليا وألمانيا وكندا وأبو ظبي في دولة الأمارات العربية المتحدة).

أحزاب وقوائم خارج السياق

وفي ظل هذا الكم الهائل في عدد الأحزاب السياسية فإن العشرات منها لم تقدم تماما قوائمها الانتخابية فيما عجزت أحزاب أخرى عن الحضور في كل الدوائر الانتخابية أو أنها تأخرت في تقديم قوائمها في الآجال القانونية المحددة. وتعود أسباب ذلك إلى عدم توفر هذه الأحزاب على الإمكانيات المادية اللازمة أو لقلة عدد أنصارها أو جرّاء ما يعصف بها من انشقاقات نتيجة خلافات أو صراعات على زعامة الأحزاب.

ابتسامة وتفاؤل ن وطابور طويل من الناخبين في انتظار الإدلاء بأصواتهم
تميزت انتخابات يوم الأحد 23 أكتوبر في تونس بإقبال كثيف للناخبين على مكاتب اقتراع لانتخاب ممثليهم في المجلس التأسيسي الذي سيتولى صياغة دستور جديد للبلاد. مكاتب الاقتراع اغلقت ونسبة المشاركة حوالي 70 في المائة.

​​
يذكر هنا أنه يكن في تونس في عهد الرّئيس المخلوع زين العابدين بن علي سوى 9 أحزاب "مشروعة" هي حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي" الحاكم آنذاك (تم حلّه في مارس 2011) و8 أحزاب "معارضة" منها 5 موالية للنظام.

من ناحية أخرى رفضت "الهيئة العليا المستقلة للانتخابات" قبول ترشح 300 قائمة (من أصل 1600) إلى انتخابات المجلس التأسيسي بسبب مخالفتها للقانون الانتخابي. وذكرت الهيئة أن القوائم المرفوضة تضمنت أسماء "مناشدين" (أي أشخاص "ناشدوا" الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الترشح إلى الانتخابات الرئاسية التي كان مقّررا إجراؤها سنة 2014) أو مسؤولين سابقين في حزب التجمع الدستوري الحاكم في عهد بن علي. ومن بين الأسباب الأخرى التي استبعدت من أجلها القوائم عدم احترامها لمبدأ التناصف بين الرجل والمرأة في ترتيب أسماء المرشحين ضمن القائمة الانتخابية الواحدة (رجل ثم امرأة وهكذا).

تحالفات انتخابية

واختارت أحزاب ومنظمات ومستقلون خوض انتخابات المجلس التأسيسي ضمن تحالفات انتخابية. فـ"حركة التجديد" اليسارية ومعها أحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية مثل "الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات" شكلت "القطب الديمقراطي الحداثي" الذي يقول إنه يدافع عن قيم الديمقراطية والحداثة. فيما كوّنت مجموعة شخصيات ليبرالية وعلمانية وإسلاميون معتدلون تحالفا مستقلا أطلقوا عليه اسم "الائتلاف الديمقراطي المستقل" ووضعوا له شعار "طريق السلامة". ويضمّ هذا الائتلاف، الذي يتزعمه الشيخ عبد الفتاح مورو القيادي السابق في حركة النهضة الإسلامية الذي انشق مؤخرا عن الحركة لأسباب غير معلومة، شخصيات معروفة في الساحة التونسية مثل الكاتب الصحفي صلاح الجورشي والناشط الحقوقي زهير مخلوف.

راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة الإسلامية يلوح بعلامة النصر إثر إدلائه بصوته
راشد الغنوشي زعيم حزب حركة النهضة الإسلامية يلوح بعلامة النصر إثر إدلائه بصوته

​​

حضور لافت للمستقلّين

وكما سيقت الإشارة تمثل القوائم الانتخابية المستقلة أكثر من 40 بالمائة من جملة القوائم التي ترشحت لانتخابات المجلس التأسيسي. هذا الحضور اللافت للمستقلين فاجأ كثير من المتابعين للشأن السياسي التونسي " بعد ساد الاعتقاد أن الأحزاب السياسية الـ111 في البلاد ستسيطر على المشهد السياسي التونسي وتقلص من فرص المستقلين.
سفيان بسيّس صاحب مؤسسة اقتصادية، وأحد أعضاء "الائتلاف الديمقراطي المستقل" قال لدويتشه فيله إنه اختار الترشّح لانتخابات المجلس التأسيسي ضمن القوائم المستقلّة لأنه يفضّل النشاط السياسي "بعيدا عن أي ارتباطات حزبيّة ضيقة".
وسجل المستقلون حضورا قويا في القوائم الانتخابية للتونسيين المقيمين في المهجر. فمن أصل 152 قائمة ترشحت في ست دوائر هي باريس ومرسيليا (فرنسا) وإيطاليا وألمانيا وكندا وأبو ظبي (الإمارات) يوجد 88 قائمة مستقلة مقابل 58 قائمة حزبية.

"الثقة في الأحزاب مازالت مهزوزة"

الأستاذ الجامعي التونسي علية العلاني الباحث في التاريخ السياسي والحركات الإسلامية المغاربية، يعتبر أن الحضور اللافت للمستقلين "يؤكد أن ثقة الشعب في المشهد الحزبي مازالت مهتزة نظرا لغياب البرامج وطغيان مسألة الزعاماتية وسيطرة الحسابات الحزبية الضيقة". وتابع العلاني في تصريحات صحفية:"هنالك رغبة من الرأي العام في معرفة حجم الأحزاب والمستقلين. فإذا ما أحرز المستقلون مرتبة متقدمة فان في ذلك إشارة إلى أن الجمهور التونسي أصبح يحبذ نشاط المجتمع المدني من جمعيات ومنظمات على حساب نشاط الأحزاب". ويستدرك العلاني قائلا:"لكن هذا لا يؤدي إلى غياب عمل الأحزاب بل سيقلص من فاعليته (عمل الأحزاب) المطلقة التي كانت له في السابق. فالرأي العام التونسي أصبح يخشى من صورة هيمنة الحزب الواحد سواء كان ليبراليا أو يساريا أو إسلاميا".

ابتسامة عريضة بعد أداء الواجب الانتخابي  ألفة، استاذة جامعية، تظهر إصبعها وعليه حبر الاقتراع.
ابتسامة عريضة بعد أداء الواجب الانتخابي ألفة، استاذة جامعية، تظهر إصبعها وعليه حبر الاقتراع.

​​


حسين الدبابي الصحفي بإذاعة موزاييك الخاصة، لم يستبعد في حديث مع دويتشه، فيله أن تتغير الخارطة السياسية في تونس في حال شكّل المستقلون "كتلة موحّدة ومؤثّرة" داخل المجلس التأسيسي القادم. لكن المدون والصحفي سفيان الشورابي قلّل من وجاهة هذا الطرح واستبعد في حديث مع دويتشه فيله أن يكون للمستقلين دور مؤثر في هذه الانتخابات باعتبارهم لا يملكون ما للأحزاب وخاصة "الكبيرة" من إمكانيات مالية وتعبوية وأنصار.

ورغم الحضور اللافت للمستقلين في الانتخابات، فإن جل استطلاعات الرأي التي أجريت حول العملية الانتخابية المرتقبة لم تطرّق إليهم. وأظهرت عمليات سبر الآراء أن حوالي 20 بالمائة من المستطلعة آراؤهم سيصوتون لحركة النهضة الإسلامية فيما لا يدري 60 بالمائة لمن سيصوّتون.

 

منير سويسي ـ تونس
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله  2011