''لا تفاوض دون رحيل القذافي''

أكد محمود جبريل الناطق باسم الشؤون الخارجية في المجلس الوطني الانتقالي الليبي أن المعارك رغم بطئها تتجه إلى محاصرة القذافي بشكل شبه تام في طرابلس، مشددا في الوقت ذاته على عدم وجود دعم عسكري بمعنى الكلمة للثوارعلى الأرض. ياسر أبو معيلق في حوار مع المتحدث الليبي محمود جبريل.



في ظل الدعم المالي والسياسي والعسكري من قبل المجتمع الدولي وحلف شمال الأطلسي (ناتو) للثوار الليبيين، لا يزال هؤلاء يراوحون مكانهم دون إحراز تقدم يذكر. ما هو سبب ذلك؟


محمود جبريل: أولاً دعني أوضح بأن الدعم العسكري هو من خلال الضربات الجوية فقط. لا يوجد دعم عسكري بمعنى الكلمة للثوارعلى الأرض، أقصد أنه لا توجد أسلحة يتم إعطاءها للثوار، ولا توجد حتى إمكانية تسهيل قيام الثوار بشراء هذه الأسلحة، نتيجة للإجراءات والقرارات الدولية بخصوص ليبيا.

أما بخصوص عدم وجود تقدم للثوار فأعتقد أن هذا غير دقيق بشكل كبير. هناك تقدم على ثلاث جبهات، فالثوار الذين كانوا محاصرين في منطقة الجبل الغربي حرروا هذه المنطقة بالكامل تقريباً ونزلوا منها باتجاه طرابلس، ووصلوا إلى مدينة بئر الغنم منذ حوالي أربعة أو خمسة أيام. والآن هم يبعدون عن طرابلس حوالي 70 كيلومترا. وهنالك أيضا تقدم على جبهة مصراتة في اتجاه الغرب والشرق. المدينة كانت شبه محاصرة وكانت قوات القذافي توجد في وسط المدينة منذ حوالي شهر مضى. أما اليوم فالمدينة محررة بشكل كامل والثوار يسيطرون على منطقة تبعد 40 كيلومتراً غرب المدينة باتجاه العاصمة طرابلس بحوالي 160 كيلومترا. كما يسيطر الثوار على مساحة تبعد 60 شرقا إلى مدينة تورغة. وكانت هناك عملية نوعية أمس وتمكن الثوار من السيطرة على مدينة الزاوية بشكل كامل، وقاموا بمحاولات للسيطرة على مدينتي صبراتة والصرمان، لكنهم انسحبوا بسبب نقص العتاد ونقص الذخيرة.


وإذا توفرت الذخيرة وتوفر العتاد للثوار، فإنهم سيكونون قادرين على السيطرة على مساحات كبيرة في غرب ليبيا والتوجه إلى مدينة طرابلس. هذا يتوقف فقط على مسألة العتاد والذخيرة، فالمعنويات مرتفعة، وفي المقابل جنود القذافي معنوياتهم منهارة وهم غير راغبين في القتال حقيقة. فكل يوم ينشقون وينضموا للثوار، وليس لدى أغلبيتهم أي رغبة في القتال إلى جانب القذاف، باستثناء أقلية لها مصالح ومستفيدة من الفساد المستشري في البلاد.

هل حاول المجلس إذاً طلب عتاد وذخيرة من المجتمع الدولي أو قوات حلف شمال الأطلسي؟

الصورة د ب ا
محمود جبريل، يقوم بدور "وزير الخارجية" في المجلس الوطني الانتقالي الليبي(مع ساركوزي في باريس في مارس الماضي)

​​جبريل: المجلس لم يتقدم بأي طلب، لأنه يدرك أنه لا توجد أي إمكانية أو فرصة في أن يقوم الناتو بشكل رسمي بالسماح للمجلس باستيراد أو بالحصول على العتاد والذخيرة نتيجة لقراري مجلس الأمن رقم 1970 و1973، الذين يحظران توريد وجلب الأسلحة إلى ليبيا. ونحن نحاول بطرق شتى الحصول على أسلحة، لكن محاولاتنا إلى الآن ليست ناجحة بشكل كامل. هناك بعض المحاولات الفردية، وبعض الأشخاص استطاعوا توريد أسلحة خفيفة ليس أكثر. كل ما جاءنا من الخارج هي أسلحة خفيفة كالبنادق والرشاشات والمسدسات. وفي المقابل يوجد لدى القذافي كل الأسلحة المطلوبة سواء كانت دبابات أو راجمات صواريخ، وهذا هو الفرق الحقيقي في المعادلة على الأرض.


ميدانياً توجد شكاوى من قبل مقاتلي الثوار حول الضربات الجوية لطيران حلف الأطلسي، إذ أن بعضها يصيب المواقع التي يسيطرون عليها أحياناً. هل هناك فعلاً خلل في التنسيق بين قوات الناتو والثوار، وما هو مستوى التنسيق بين الطرفين أساساً؟

جبريل: هناك تنسيق على مستوى عال جداً بين الثوار وبين قوات الناتو. هناك غرفة عمليات مشتركة، وهناك معلومات يقوم الثوار بإرسالها بشكل فوري ودقيق إلى قوات الناتو. وهناك تواصل وتنسيق بين مقر الناتو في بروكسل والمكتب الرئيسي للثوار هنا في بنغازي. لكن هناك أخطاء تحصل، إلا أن عددها محدود جداً، ولم تتكرر بشكل كبير. حصلت إلى الآن ثلاثة أخطاء، وكانت بشكل كبير من جانب الثوار بكل أسف. على سبيل المثال كانت هناك قوة من قوات القذافي تحاول دخول مصراتة من جهة الغرب من خلال المنطقة الصناعية، فأتت قوات الناتو وضربت هذه القوات، التي كانت تقصف مدينة مصراتة بصواريخ "غراد"، وقبل أن تنهي قوات الناتو مهمتها، دخل بعض الثوار المنطقة من أجل محاولة الحصول على أسلحة وذخائر من هذه المجموعة المسلحة التابعة للقذافي، ولم يتريثوا حتى تكتمل مهمة طيران الناتو، فقام الطيران بقصف هؤلاء الثوار ظناً منهم أنهم إلى جانب قوات القذافي. وهذه الأخطاء محدودة جداً إلى الآن، ويرجع جزء كبير منها إلى أخطاء يرتكبها الثوار في الميدان، وليس إلى قيادة الثوار التي تنسق مع الناتو بشكل كبير في غرفة العمليات.

هناك أنباء تتحدث عن تمكن الثوار من قطع الطريق الرئيسي الرابط بين طرابلس وتونس. وهذا الطريق له أهمية كبيرة بالنسبة لنظام القذافي، لأن كثيراً من مسؤولي النظام يستخدمون هذا الطريق من أجل شراء ما يحتاجونه أو السفر إلى الخارج أو حتى للفرار. هل يشكل قطع هذا الطريق تحولاً في المعركة باتجاه طرابلس؟

الصورة د ب ا
يؤكد جبريل أن هناك تنسيقاً على أعلى المستويات بين حلف الأطلسي وقيادة الثوار

​​جبريل: بشكل عام القذافي يخسر التحكم بمناطق كثيرة في ليبيا. كل يوم نشاهد انتفاضات وسيطرة للثوار على مدن جديدة في ليبيا، فمنذ ثلاثة أيام كانت هناك انتفاضة في مدينة سبها، وهي أكبر مدن جنوب ليبيا، وسيطر للثوار على مدينة أوباري (جنوب)، والثوار الآن يسيطرون على مدينة غدامس، وتقوم كتائب القذافي بقصف هذه المدينة، وهي مدينة مسجلة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي بسبب احتوائها على مواقع أثرية، ومن خلالكم أود أن توجه إلى العالم وإلى اليونسكو بدعوة لحماية هذا الإرث التاريخي. الثوار يسيطرون كل يوم على مناطق جديدة، والقذافي يخسر كل يوم سيطرته على الوضع، وهو محاصر الآن في طرابلس.
المسألة باتت مسألة أيام أو أسابيع، وإذا ما حصل الثوارعلى العتاد والذخيرة اللازمة، فهم قادرون على إنهاء هذه المهمة خلال ساعات وليس خلال أيام ... بمجرد محاصرة القذافي بشكل كامل في طرابلس، فسيعني ذلك انتهاؤه سياسياً وعسكرياً، وما عليه سوى الاستسلام والتوصل إلى حل سياسي سريع، أو يلقى المصير الذي لقيه غباغبو في ساحل العاج.

شهدت الأيام الأخيرة تحولاً كبيراً في الموقف الدولي لصالح المجلس الوطني الانتقالي، خصوصاً بعد اجتماع مجموعة الاتصال الثالث الذي عقد في أبو ظبي، إذ تلاه اعتراف عدد من الدول الغربية بالمجلس الانتقالي محاوراً شرعياً وممثلاً عن الشعب الليبي. كل هذه تعتبر مؤشرات إيجابية بالنسبة للمجلس، لكن هل ترون أن هذه الخطوات بوادر رمزية، أم أن هناك خطوات عملية جاءت بموازاتها؟

الصورة د ب ا

​​جبريل: هذه المواقف ليست رمزية فقط، وحتى لو كانت رمزية فهي مهمة جداً، فالاعترافات الدولية تعني في المقابل سحب الشرعية بشكل كامل من نظام القذافي، وهذه المواقف ربما تتطور في مرحلة لاحقة إلى الاعتراف بالمجلس كنظام أساسي في ليبيا. كما يعقب هذه الاعترافات علاقات تواصل على مستوى سياسي واقتصادي وإنساني. وقد اتفقت الدول المشاركة في مؤتمر مجموعة الاتصال في أبو ظبي على إمداد المجلس بالموارد المالية اللازمة لمواجهة المرحلة المقبلة.


وقد اتفقوا في السابق على آلية، لكن كانت هناك بعض صعوبات قانونية والإجرائية تم التغلب عليها في مؤتمر أبو ظبي، ومن المتوقع أن تبدأ الدول في إيداع الأموال في هذا الصندوق للاستفادة منها في توفير الحاجات الأساسية للشعب الليبي، وللحفاظ على مستوى معيشي معين في المناطق المحررة والمناطق التي تعاني من القصف أو الحصار، وأيضاً للتهيئة لمرحلة ما بعد سقوط نظام القذافي. مدينة طرابلس بها ثلث سكان ليبيا، ومدينة سرت ومدن جنوب ليبيا تحتاج إلى مساعدات إنسانية عاجلة عقب سقوط نظام القذافي (هناك)، وهذا كله يحتاج إلى أموال. ولله الحمد فهناك الكثير من التعهدات قدمها كثير من الدول، ونحن بانتظار أن تترجم هذه التعهدات إلى واقع وأن يتم توفير السيولة اللازمة للمجلس لمواجهة المرحلة القادمة.

الحكومة الألمانية أعربت عن استعدادها للمشاركة في قوة حفظ سلام في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، لكنها لا تزال تعارض المشاركة في العمليات العسكرية لحلف الأطلسي هناك. كيف يقيّم المجلس الانتقالي موقف برلين السياسي إزاء الأزمة الليبية؟

الصورة د ب ا
تتواصل المعارك في ليبيا ومعها ترتفع أعداد الضحايا من المدنيين وتتفاقم أوضاعهم يوما بعد يوم

​​


جبريل: أريد أن أنوه أولاً إلى أن الموقف الألماني كان موقفاً داعماً للشعب الليبي منذ البداية، وهناك خطأ لدى البعض في الشارع أو حتى لدى المجتمع الدولي في حقيقة الموقف الألماني. ألمانيا صوتت مع قرار مجلس الأمن رقم 1970، وامتنعت عن التصويت على القرار رقم 1973، ولم تصوت ضده، ونحن نحترم ذلك ونعتبره دعم لقضيتنا. وألمانيا والمسؤولين الألمان أكدوا منذ البداية وكانوا من بين أول المسؤولين الدوليين الذين أكدوا على ضرورة رحيل العقيد القذافي، وحذروا العالم من أي مجازر أو مآسي قد ترتكب من قبل العقيد القذافي نظراً لتاريخه ولسلوكه وللبيانات التي صدرت عنه


وألمانيا هي من الدول القريبة جغرافياً من ليبيا، ونتمنى أن يكون لها دور فاعل في مرحلة ما بعد القذافي، ونحن نقدر أيضاً ما قالته ألمانيا بأن أي شيء سيكون بعد رحيل القذافي، وهذا موقف المجلس الوطني أيضاً، ألا وهو أنه أي تفاوض يجب أن يقوم على مبدأ ضرورة رحيل معمر القذافي، ومن ثم يتم التفاوض على تشكيل الحكومة الانتقالية المقبلة، وتشكيل الجمعية العامة التي سينبثق عنها لجنة تأسيسية ولجنة لإعداد الدستور ولجنة لمتابعة كل الإجراءات اللازمة لبناء دولة ديمقراطية وحرة في ليبيا.

يبدو أن هناك تبايناً في المواقف الدولية المتعلقة في التعامل مع القذافي في حال تنحيه أو سقوط النظام. فمن جهة أعلن المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية لويس مورينو أوكامبو عن أمله في أن يتم القبض على العقيد القذافي حياً من أجل محاسبته على الجرائم التي ارتكبها، ومن جهة أخرى هناك عروض من قبل عدد من الدول الغربية وتركيا لمنح القذافي مخرجاً آمناً في مقابل تنحيه عن الحكم بشكل سلمي. ما هو موقفكم من هذا التباين في مواقف الأطراف الدولية؟

جبريل: المجلس الوطني الانتقالي على اتصال مع الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، وهناك زيارات متكررة قام بها المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة، عبد الإله الخطيب (إلى ليبيا) لمحاولة إيجاد حل سياسي لهذه الأزمة، من أجل وقف حمام الدم وتجنيب البلاد المزيد من الكوارث والويلات والخسائر في الأرواح والأموال.
المجلس الوطني الانتقالي والشعب الليبي بالتأكيد يرغب في أن يتم القبض على معمر القذافي ومحاكمته محاكمة عادلة على كل ما اقترفه، ولكننا نتفهم أن هذا سيكون نتيجته المزيد من إزهاق الأرواح وضياع الأموال وقدرات وخيرات الشعب الليبي.
وفي الحقيقة هناك خياران أمام العقيد القذافي: إما اللجوء إلى حل سياسي بأسرع وقت ممكن، وهذا سيخرجه من الأزمة بأقل خسائر ممكنة، أو أن يصر على موقفه، وما هي إلا مسألة وقت حتى يتم القبض عليه وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته.

ما هو تصور المجلس الوطني الانتقالي لمستقبل ليبيا بعد رحيل القذافي؟


جبريل: نحن نتطلع، كما أكد المجلس الانتقالي في الرؤية لمستقبل ليبيا التي قدمها في مؤتمر لندن، إلى بناء دولة ديمقراطية وحرة وتحترم حقوق الإنسان وتشارك بشكل إيجابي وبنَّاء في العلاقات الدولية وتبني علاقاتها مع دول الجوار وكافة دول العالم على أساس المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل ... دولة طبيعية جداً بمعنى الكلمة، تساهم في الأمن والاستقرارالدوليين وتحافظ على مصالح الدول في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. هذا توجه حتى لدى رجل الشارع البسيط في ليبيا، الذي ربما لا يعي هذه المصطلحات، وهو يقولها بكل صراحة وحرية. ربما تكون هناك بعض التيارات الأخرى من يساريين أو إسلاميين أو غير ذلك، لكنهم لا يمثلون الرأي السائد في ليبيا، ونحن على ثقة من أن ليبيا ستكون نموذجا في المنطقة للديمقراطية والحريات لسبب واحد، وهو ما عانته خلال كل الأعوام الماضية.

أجرى الحوار: ياسر أبو معيلق
مراجعة: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011