الحوار بدل العنف من أجل ردم الفجوات

المؤتمر الذي عقده عمرو خالد في الدانمارك لتفعيل جهود التعايش السلمي مع الغرب أطلق موجة من الجدالات بين علماء الدين المسلمين. جيهان شاهين أجرت مع عمرو خالد الحوار التالي حول نتائج المؤتمر في كوبنهاغن.

عمرو خالد، الصورة: إخلاص عباس
"نحن انتهزنا الفرصة للتعريف بديننا وتعزيز فكرة التعايش السلمي"

​​

يجلس الداعية الإسلامي السوبرستارعمرو خالد ذو الثمانية والثلاثين عاماً متكئاً على كرسيه المريح ويواجه الانتقادات الموجهة اليه بسبب مؤتمر الأديان الذي عقده في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن بعنوان "إعرف النبي" بابتسامة واثقة.

يقول بعض النقاد إن هذا المؤتمر قد ينتقص من حقوق المسلمين وينهي الاحتجاجات الشعبية والمقاطعة، كما قد يجهض جهوداً أخرى قد تكون أكثرجدوى.

عمرو خالد: لولا الاحتجاجات لما كانت هناك فرصة لتفعيل الحوار الذي بدوره لم يضع لها حداً. نحن لم نذهب الى الدانمارك لنتفاوض باسم المسلمين أو باسم العالم الإسلامي. نحن انتهزنا الفرصة للتعريف بديننا وتعزيز فكرة التعايش السلمي. مهمتنا هي نشر المعلومات وليست بأي حال من الأحوال وسيلة لوضع حد للمقاطعة أو الاحتجاجات.

تبنى المؤتمر نبرة جد متوازنة ومتصلبة مبيناً أن الاحتجاجات الشعبية والمقاطعة أساليب شرعية ولن تتوقف حتى يلمس المسلمون احتراماً تجاه دينهم.

تمت استضافة المؤتمر بمبادرة شعبية من قبل مجلس الشبيبة الدانماركي غير الحكومي الذي يشمل جامعات ونوادي تضم ثماني مائة ألف شاب وشابة دانماركيين، بالاضافة الى المعهد الدانماركي للحوار الدولي. وقام رجال أعمال عرب بتمويله ومن ضمن ذلك محطة التلفزيون الفضائية اي آر تي (الموالية للعرب).

إلى أي مدى تعتقد أنك نجحت في مهمتك؟

خالد: كان هذا المؤتمر بمثابة خطوة أولى سوف تليها خطوة عملية، كما ذُكر، لتكمل مهاماً أخرى. نحن لا نصنع المعجزات ولكني أستطيع القول بكل ثقة إننا تمكنا من تقديم صورة ايجابية عن الإسلام جعلتنا نكسب "الآخرين" الى جانبنا.

إنني أشهد الآن على لطف الشعب الدانماركي وحبه للسلام واحترامه للمسلمين وخجله مما حصل.

تمكنا من استخدام تقنيات حديثة للتواصل مع ثماني مائة شاب على الأقل عبر الانترنت وجعلناهم يشاركون في المؤتمر وحواراته، بينما غطت حوالي ستين محطة فضائية هذا الحدث وأجرت معي مقابلات صحافية.

اضافة الى ذلك كان المؤتمر أول الأخبار في محطة التلفزيون الدانماركية الأولى. كما أجرت الصحافة العالمية معي حوالي خمس وثلاثين الى أربعين مقابلة، من ضمنها صحيفة الــ "نيويورك تايمز" و"فايننشال تايمز" و "بي بي سي".

ولكن هل كان رد فعل الحكومة الدانماركية ايجابياً أو هل اتخذت أي خطوات؟

خالد: هذا سابق لأوانه لأن الحكومات عادة ما تكون بطيئة ولكننا أرسلنا للحكومة الدانماركية قائمة بالتوصيات التي اتفق عليها الشبان أنفسهم في ختام المؤتمر.

ما هي الخطوة القادمة؟

خالد: كان المؤتمر بمثابة خطوة أولى فقط على طريق ردم الفجوات وهناك جهود أخرى تالية. فقد بدأ فعلاً برنامج تبادل شبابي مع الدانمارك وسوف يقام حفل موسيقي اسلاميً قريباً جداً في قلب جامعة كوبنهاغن، سيقدمه المغني البريطاني المسلم سامي يوسف.

ماذا عن الاعتذار الرسمي من طرف الحكومة الدانماركية والذي طالب به المشاركون في المؤتمر؟

خالد: من غير المحتمل أن تعتذر الحكومة الدانماركية. وأعتقد أن الحكومة الدانماركية ترى أن تقديم الاعتذار عن عمل خدش شعور خمس سكان البسيطة غير مجد. برأيي يتعين على الحكومة الدانماركية أن تفكر بطرق أخرى لتضميد هذه الجروح العميقة من خلال اظهار الإحترام الجاد والعاطفة تجاه الاسلام والمسلمين.

قال العلامة المصري الشيخ يوسف القرضاوي المقيم في قطر والذي يرأس المجلس الأوروبي للفتوى والبحوث إن أزمة الرسوم الكاريكاتورية هي فرصة لا تُفوّت لصحوة واتحاد المسلمين ولذلك فإنه يعتبر أي مبادرة للحوار الآن بمثابة "إثباط من عزيمة المسلمين في صحوتهم". ما رأيك بهذا؟

خالد: هناك مدرستان فكريتان: الأولى تواجه الاعتداءات والثانية تفضل التركيز على بناء المستقبل. كلاهما جديرتان بالاحترام، ولكنه من حقي التركيز على بناء المستقبل. علينا أن نسأل أنفسنا عما نريد: التعايش السلمي أم الصراع؟ ما الذي يصب أكثر في مصلحة المسلمين؟ هل ستكون لدينا نهضة بوجود صراع دائم لا يتوقف؟

التعايش السلمي لا يعني أننا لا نواجه الاعتداءات. ولكن الخطر يكمن في ارتباط صحوة المسلمين بالأزمات. في أيام النبي محمد كان عدد الذين دخلوا الدين الإسلامي في أوقات السلم يفوق بكثير عددهم أيام الحرب والصراع. هذا دليل على أن الإسلام يزدهر بالسلم.

ما يعيق فعلياً صحوة الأمة الاسلامية هو الانتقاص الشديد من الحريات في العالم العربي. كانت الاحتجاجات والمقاطعات كلها أساليب شرعية للتعبير عن الغضب ولكن الاحتجاجات يجب أن تتواصل فقط من أجل صحوة العالم الاسلامي.

بالاضافة الى ذلك فانه يبدو من غير المنطقي أن تتحول الأزمة الدانماركية – التي شملت إذلال خمس سكان العالم – الى مسألة جانبية وأن تتقلص لتصبح مجرد صراع بين مدرستين فكريتين، كما نتمنى على الصحافة ألا تستغل ذلك.

يتفق الكثير على أن الغياب الفعلي للقيادة فتح الباب على مصراعيه لبعض المتطرفين ليحولوا أزمة الرسوم الكاريكاتورية الى هجمات عنيفة شوهت على الأرجح صورة المسلمين. لماذا لم تتحرك بالوقت المناسب؟

خالد: حسناً، سألني أحد الصحافيين للتو لماذا تسرعت بالبدء بهذا الحوار. تكلمت على الهواء مباشرة بعد بدء الاحتجاجات وقلت "نعم" للاحتجاج ولكن بطريقة ايجابية تتماشى مع تعاليم الدين الاسلامي وتُرضي رسولنا. كان ذلك قبل أول هجوم على السفارات الدانماركية.

هب الشعب بدافع غريزي دفاعاً عن رسوله بدون تلقي أي توجيهات من أحد. من وجهة نظري، كانت الاحتجاجات عاملاً أساسياً لتفعيل الحوار الذي ما كان ليرى النور لولاها. يجب أن تبقى الاحتجاجات قائمة لمدة أسبوعين أو ثلاثة لقرع جرس الانذار لينبه الى أن الخطر كان يهددهم.

بدون هذا الانذار ما كان أحد على استعداد للاستماع الينا. ولو تحركنا باتجاه الحوار في ذلك الوقت لكنا غامرنا على حقوق الشعب في الاحتجاج وأجهضنا جميع الجهود.

ولكن لماذا لم تفعلوا شيئاً عند نشر الرسوم لأول مرة في سبتمبر/أيلول؟

خالد: لم تستوعب الأمة برمتها ما حصل الا عندما تفاقم اللغط الحاصل حول الرسوم الكاريكاتورية ليضحي أزمة. أنا شخصيا لم أقبلها. كل ما فعلته انني قدمت صورة حقيقية عن حياة النبي محمد في برنامجي الرمضاني "على خطى الحبيب".

لطالما عانى عالمنا الإسلامي من تراكم الضعف والظلم والاضطهاد والذل وهذا كله تفجر في أزمة الدانمارك. هناك مآس في العراق وفلسطين والناس تعاني من غياب حقيقي للحرية والعدل والحقوق. العالم العربي مسؤول عن احتجاز الحريات، بينما الغرب مسؤول عن غياب العدل.

لماذا لم تتعاون مع جهود المنظمات الاسلامية الغربية أو مع الجالية المسلمة في الدانمارك؟

خالد: لأنني ببساطة لست عضواً بأي من هذه المنظمات. ثمة علماء دين آخرون مشتركون في المبادرة من بينهم ممثلون عن بيت الفتوى المصري والسوري، ومؤسسة طابا في الامارات، فضلا عن علماء دين مسلمين معروفين مثل الدكتور سعيد البوطي والدكتورة عبلة الكحلاوي.

أنا غير ملزم بتنظيم الحدث مع الجالية المسلمة في الدانمارك لأني لم أذهب كمفاوض باسمهم أو بإسم غيرهم. ما حصل هو انني تلقيت عدة مكالمات هاتفية من جهات إسلامية مختلفة في الدانمارك تطلب منى مشاركتها جهودها واستثناء الآخرين. أنا لا آخذ موقفاً لصالح أحد أو أتنقل بين مختلف الاتجاهات الاسلامية المحترمة في الدانمارك، لأني أعتقد كداعية أنني أنتمي الى جميع المسلمين.


أجرت الحوار جيهان شاهين
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2006
صدرت المقابلة في صحيفة أهرام ويكلي

قنطرة
ردود الفعل الكاريكاتوريّة على الرّسوم الكاريكاتورية
من يسيء حقّا إلى الإسلام الذي يعتنقه منذ خمسة عشر قرنا آلاف الملايين من البشر: الرّسّام الدانماركي الذي رسم الكاريكاتور، أم ردود الفعل التي تطالب بإعادة بوليس الفكر ومحاكم التّفتيش؟

إحداث نهضة بعيدا عن السياسة
شارك أشهر داعية إسلامي في العالم العربي عمرو خالد في المؤتمر السنوي السابع والعشرين الذي أقامه التجمع الإسلامي في ألمانيا بعنوان "خيار المسلمين بين الإندماج في المجتمع الألماني أو البقاء على هوامشه". ولا تنحصر نجومية عمرو خالد على العالم العربى فحسب، بل لديه جمهور في ألمانيا أيضا.

إسلام يتحدث بلغة العصر
موجة جديدة من الدعاة أخذت تسحب البساط رويداً رويداً من تحت اقدام نظرائهم الأكبر سناً والمعترف بهم رسمياً. هؤلاء الدعاة يتحدثون بلغة العصر ويطرحون مواضيع تهم الشباب. نشوى عبد التواب تدرس العواقب المحتملة لهذا التطور على المدى البعيد.