مسلمو أمريكا....صور من الانفتاح والنجاح

منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، يعاني المسلمون في الولايات المتحدة من صورة سلبية تروجها معظم وسائل الإعلام. كثير من المسلمين المندمجين في المجتمع قرروا مواجهة هذا التمييز بالانفتاح والعمل الاجتماعي وخدمة المحتاجين. كريستينا برغمان وهذا التقرير.

الكاتبة ، الكاتب: Christina Bergmann



"لدينا علاقات ممتازة مع مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف.بي.آي) ووزارتي المالية والخارجية ومختلف السلطات التنفيذية في الولايات المتحدة"، هذا ما يمكن قراءته على الموقع الالكتروني لمركز آدامز، وكلمة "آدامز" هي اختصار لاسم المركز وهو "كل المجتمع الإسلامي في منطقة دالاس". ويعتبر مركز آدامز الملتقى الديني لأكثر من خمسة آلاف أسرة مسلمة، ليصبح بذلك واحد من أكبر الجاليات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، حسبما يؤكد مسؤولو المركز.

ويوضح المتحدث الرسمي باسم الجالية، رضوان ياكا، لماذا يشددون في موقعهم الالكتروني على ضرورة المساواة بين النساء والرجال وعلى اهتمامهم بالحوار والتعاون مع الجمعيات المنتمية لأديان مختلفة، وكذلك على قيمة العمل الخيري بالنسبة لهم، قائلاً إنهم يريدون بذلك توصيل صورتهم الصحيحة للمجتمع. وهناك سبب وجيه لهذه المبادرة، فالمجتمع المسلم الذي يعيش في غرب العاصمة الأمريكية واشنطن يعاني من الكراهية من قبل الكثيرين منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001. في ذات المساء بعد وقوع الهجمات الإرهابية، تم اقتحام المسجد وتم إحراق علامات البناء الخاصة بمبنى كان من المخطط إنشاؤه آنذاك. وإن كانت المجتمعات الدينية الأخرى في المنطقة قد أعلنت تضامنها على الفور، حسبما يؤكد ياكا، مشيراً إلى أنهم قاموا بحراسة المباني التابعة للمسجد وأبدوا استعدادهم لحماية النساء في طريقهن في حال شعورهن بعدم الأمان.

التخريب والعنف ضد المسلمين

رضوان جاكا/ الصورة دويشته فيله
"المجتمع المسلم الذي يعيش في غرب العاصمة الأمريكية واشنطن يعاني من الكراهية من قبل الكثيرين منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001"

​​ووفقاً لروبرت مارو، أحد أعضاء مجلس إدارة مركز آدامز، تعتبر الدوافع وراء المناقشات العامة مثل تلك المناقشة الخاصة بمشروع بناء مركز إسلامي بالقرب من موقع برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك دوافع سياسية بالدرجة الأولى، مشيراً إلى أنها وسيلة لجذب الأصوات الانتخابية. ويضيف مارو في هذا السياق أن حادث حرق القرآن من قبل قس في ولاية فلوريدا يعتبر حملة دعائية، مشدداً على أن وسائل الإعلام ليست بريئة من إثارة الرأي العام.

ومع ذلك يعرب مارو عن تفاؤله وثقته في أن المسلمين الأمريكيين سيندمجون في المجتمع الأمريكي إن آجلاً أو عاجلاً، مثلما حدث من قبل مع الكاثوليك والإيطاليين والأيرلنديين في القرن الماضي. وفي هذا السياق يذكر مارو المناقشة التي تمت عندما تم اختيار جون كيندي كأول رئيس أمريكي كاثوليكي وتساءل الناس آنذاك إن كان ولاء كيندي الأول سيمنحه لبابا الفاتيكان أم للولايات المتحدة الأمريكية.

لكن الأمر سيتطلب بعض الوقت قبل أن يصبح كونك مسلماً أو كاثوليكياً في الولايات المتحدة الأمريكية لا يلعب دوراً. فسميرة حسين، فلسطينية الأصل التي تعيش في منطقة غايثرسبيرغ في ولاية ميريلاند شمال العاصمة الأمريكية، مرت بتجارب سيئة، وهي لذلك ترفض أن يتم تصويرها أمام سيارتها. وبدأت معاناتها مع حرب الخليج الأولى، كما تروي قائلة: "في بداية الأمر قاموا بتخريب سيارتنا، وخرق الإطارات كما قاموا بتخريب أبواب منزلنا وبتمزيق النباتات"، كذلك كان أبناؤها يتعرضون لمضايقات في طريقهم إلى المدرسة". وزادت المضايقات التي تتعرض لها عائلة سميرة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 ، وفجأة بدأت الأخصائية الاجتماعية تتعرض للاضطهاد في موقع العمل.

العمل الاجتماعي طريق لاندماج المسلمين

سميرة حسين، فلسطينية الأصل تعيش في منطقة غايثرسبيرغ في ولاية ميريلاند شمال العاصمة الأمريكية
"في بداية الأمر قاموا بتخريب سيارتنا، وخرق الإطارات كما قاموا بتخريب أبواب منزلنا وبتمزيق النباتات"

​​وكان رد فعل سميرة حسين هو زيادة مشاركتها في العمل الاجتماعي، في رابطة الآباء والأمهات في المدارس والمجتمع، حيث بدأت بتعريفهم بثقافتها ودينها ولماذا ترتدي الحجاب. فسميرة حسين تعتبر أن أفضل سلاح لمقاومة الاضطهاد هو تعريف الأطفال وتعليمهم، فعندما يفهم الأطفال دينها وثقافتها، ستتغير نظرتهم لها، وبالتالي سيؤثرون أيضاً على آبائهم. وهي ترى أن عملها قد أوتي ثماره، حيث تم تكريمها في عام 2002 ومنحها جائزة من إدارة الحي لعملها ضد التعصب، ونقش اسمها تحت تمثال برونزي في قاعة في مبنى الحي.

ويوافقها الرأي طفيل أحمد الذي يطالب بأن ينخرط المسلمون أكثر في العمل الاجتماعي ليمكنهم تحقيق الاندماج. ويضيف أن سمعة الهنود الباكستانيين في الولايات المتحدة أنهم يعيشون في منازل كبيرة واسعة ولا يكترثون بالفقراء. أحمد ولد في الهند وعاش في باكستان حتى هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1973. ولأنه أكبر أعضاء الجالية سناً، فقد قرر بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 أن يصبح أكثر نشاطاً، فبدأ بتنظيم جلسات لمناقشة الأوضاع ثم اندمج في العمل الاجتماعي.

ومنذ عام 2001، يقوم المسلمون في مونتغومري كاونتي بجمع المواد الغذائية. وحتى أحمد نفسه لا يحرج من الوقوف أمام السوبرماركت لجمع التبرعات. ويتم بهذا الشكل تجميع كميات ضخمة من المواد الغذائية، كما قاموا من قبل بذبح الأبقار وتوزيع اللحوم على المحتاجين. ويقول أحمد مفكراً: "الأقليات هنا في المنطقة قد صاروا أغلبية، لكن الأعمال الخيرية عادة ما يقوم به البيض"، ويعمل أحمد على تغيير هذا الوضع.

مونتغومري أكثر وعياً من ولايات أخرى

مركز أدم
"إذا ذهبت إلى تكساس أو غرب فيرجينيا، هناك لا يعرف الناس أين تقع سوريا أو الأردن، ولا يعرفون من المسؤول عن 11 سبتمبر".

​​لكن التمييز ضد المسلمين في مونتغومري ليس جلياً، حسب وليد حافظ. المهاجر السوري الذي عاش عشرين عاماً في ألمانيا، يعمل منذ عشرة أعوام في الولايات المتحدة الأمريكية. وهو عضو في المؤسسة الإسلامي في مقاطعة مونتغومري، وهي منظمة خيرية إسلامية، يشارك حوالي 400 عضو في أعمالها. "في هذه المنطقة هناك وعي ومعرفة أكثر"، حسبما يؤكد حافظ ويضيف: "إذا ذهبت إلى تكساس أو غرب فيرجينيا، هناك لا يعرف الناس أين تقع سوريا أو الأردن، ولا يعرفون من المسؤول عن 11 سبتمبر".
أما رئيس المؤسسة الخيرية غولد قاسم الذي جاء في عام 1985 من الصومال إلى مونتغومري، ولم يكن يبلغ من العمر بعد 10 سنوات، فقد خدم في الجيش الأمريكي، وهو يرفض أن يسأل إذا ما إذ كان يرى نفسه كأمريكي أم كمسلم في المقام الأول، ويعلق قائلاً :"هذا السؤال لا يمكن طرحه من الأصل على مواطن مسيحي، فهو سؤال مغرض". ويضيف: "أنا كلاهما معاً". جيل قاسم لا يجد مشكلة في أن يقول أنا أمريكي مسلم أو أنا مسلم أمريكي، ويعتبر "الترتيب لا معنى له".

كريستينا برغمان
ترجمة: سمر كرم
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011