''مجاهدو خلق''.....عناوين في ازدواجية معايير السياسة الخارجية الأمريكية

سخرية التاريخ تأتي مُرَّةً أحيانًا، ومضحكة أحيانًا أخرى، لكنها هذه المَرَّة تفضح الولايات المتحدة الأمريكية. إنه الخطاب الختامي لمغامرة سياسية بدأت باجتياح الجيش الأمريكي للعراق قبل نحو عشر سنوات، كما يكتب الاعلامي المختص في القضايا الايرانية شتيفان بوخن في هذه المقالة التحليلية.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Buchen



صرَّحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون أنَّ مجموعة "مجاهدي خلق" المعارِضة شطبت من لائحة المنظمات الإرهابية. ويبدو جليًا أنها تُعِد بذلك لاستقبال 3200 مقاتلٍ من هذه المجموعة في الولايات المتحدة الأمريكية، كانوا سابقًا ضيوفًا في العراق على الديكتاتور صدام حسين وحلفاءً له.

هؤلاء كانوا حتى وقتٍ قصيرٍ خلا يوصفون بالـ "إرهابيين" بالمصطلحات السياسية الأمريكية، ولهم اليوم أنْ يجدوا في الولايات المتحدة الأمريكية موطنًا جديدًا يأويهم ليعيشوا هناك سعداء إلى آخر أيام حياتهم. بغير هذا لا يمكن فهم تصريح هيلاري كلينتون. ويأتي الخطاب الختامي في موعده الدقيق بمناسبة الذكرى العاشرة للاجتياح الذي تمَّ باسم محاربة الإرهاب وليؤكد على الفشل الذريع الذي لم تنتهي فصوله تمامًا بانسحاب معظم القوات العسكرية الأمريكية من العراق في العام الماضي.

وكان من المفترض أنْ تصبح القيادة العراقية الجديدة حليفًا للولايات المتحدة الأمريكية ورأس رمح الديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط. ولكن على أبعد حد بعدما غدا نوري المالكي رئيس الوزراء في بغداد أمسى واضحًا أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قد شقـَّت بصواريخها الطريق في بلاد الرافدين أمام سلطة ونفوذ الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

إذًا يقع العراق اليوم في منطقة نفوذ جارته الشرقية الكبيرة، ألدّ أعداء الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لا بل وفي العالم كله. وتمكن قراءة ذلك على أفضل وجه عند معاينة مصير "مجاهدي خلق". هذه الجماعة السياسية الإيرانية التي تسمي نفسها بالفارسية "مجاهدي خلق" ناضلت سابقًا من أجل إسقاط الشاه باسم عقيدةٍ تمزج بسذاجةٍ بين الأفكار الماركسية والإسلامية. بعد سقوط الشاه وقع صراعٌ دامٍ بينها وبين الخميني خرجت منه خاسرة، فلجأ مقاتلوها إلى العراق وحاربوا عام 1980 في الحرب العراقية الإيرانية إلى جانب صدام ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

نصرٌ بعيد المنال

الصورة ا ف ب
رأس رمح محاربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية: حارب "مجاهدو خلق" في ثمانينيات القرن الماضي إلى جانب صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية تحت قيادة مريم ومسعود رجوي. وبعد الإجتياح الأمريكي للعراق في عام 2003 ألقوا السلاح، ومنذ ذلك الحين والحكومة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة تلاحقهم بشكلٍ صارم.

​​وكما هو معلوم لم يتحقق النصر فاستقر "مجاهدو خلق" في العراق. وقد منحهم صدام حسين معسكرًا في شمال بغداد أسموه "أشرف"، وكانوا مازالوا موجودين فيه عندما دخلت القوات الأمريكية في عام 2003. أما أملهم في أنْ يلعبوا دورهم التاريخي المرتجى في حربٍ أخرى ضد إيران فباء بالفشل. لا بل على العكس من ذلك، فقد تعرض المقاتلون الإيرانيون لحصارٍ زاد شدةً في ظل حكم المالكي، وفي عام 2009 ولدى اندلاع أحداث عنفٍ أخذت شكل المذبحة قتلت قوات الجيش العراقي عشرات مقاتلي "مجاهدي خلق". والرسالة كانت واضحة: "لا نريدكم هنا بعد الآن!"

أما اليوم فقد أمست المجموعة تحت رعاية الأمم المتحدة. وقد غادر "مجاهدو خلق" معسكر أشرف بشكلٍ كاملٍ تقريبًا، حيث نُقلوا إلى معسكر الحرية التابع لقوات الجيش الأمريكي بالقرب من مطار بغداد. سجَّلهم العاملون في الأمم المتحدة بصفة لاجئين يحتاجون العون. وتشير كل الدلائل بعد تصريح هيلاري كلينتون إلى أنهم سيستقلون الطائرات قريبًا متجهين إلى لوس أنجلوس وأتلانتا ونيويورك. ولن تـُقدم الجمهورية الإسلامية الإيرانية للولايات المتحدة الأمريكية "خدمة" استقبال المقاتلين المعارضين على أراضيها سالمين ودون عقاب.

سياسة خارجية مزدوجة

ا ف ب
جماعة سياسية متسلطة وغامضة: وضعت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1997 "مجاهدي خلق" على لائحة المنظمات الإرهابية، وقد كانت مريم رجوي تقودها من منفاها الفرنسي آنذاك. حيث حمَّلت الإدارة الأمريكية هذه المجموعة مسئولية القيام بسلسلة من الهجمات بين عامي 1970 و 2001 وقع فيها قتلى من الجيش الأمريكي والمدنيين إلى جانب الإيرانيين.

​​هذه النتيجة المتوقعة يرافقها نقاش في الولايات المتحدة الأمريكية يُلقي ضوءًا ساطعًا على السياسة الخارجية المزدوجة، لا بل المصابة بالانفصام. إنَّ طي ملف "مجاهدي خلق" المؤلم يُبين العار الذي لحق بالسياسة الأمريكية الكارثية في العراق خلال عشرات السنين من جهة، ومن أدرك ذلك في واشنطن يلوذ خجلاً بالصمت ويتمنى أنْ يمر كلُّ شيءٍ الآن بلا ضجيج وبلا إثارة للانتباه. لكن ترك هذه التركة من سياسة بوش ببساطة في العراق أمرٌ غير واردٍ، إذ يترصد خطر وقوع مجزرة جديدة بحق "مجاهدي الشعب"، ما سينعكس سلبًا على الولايات المتحدة الأمريكية.

وهناك من جهة أخرى مدراء وكالة الاستخبارات الأمريكية "سي آي إيه" ومكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" السابقون وأعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي ورجال الشرطة أولي النفوذ الذين لطالما اعتبروا أنَّ إلصاق دمغة إرهابي على "مجاهدي الشعب" تضليلٌ ومنغصٌ، لأنهم رأوا في هذه المجموعة المعارضة حليفًا مهمًا وذا قيمة في محاربة حكم رجال الدين الإيرانيين.

وعلى جدول أعمال هؤلاء لا يلعب ماضي "مجاهدي خلق" الإرهابي أي دورٍ، كما لا اعتبار لحقيقة أنَّ هذه المجموعة بمقاتليها وقيادتها السياسية في باريس هي جماعة سياسية غامضة ومتحجرة على صعيد علاقاتها الداخلية. وهي تطمح لبناء "نظام حكم علماني مسالم ديمقراطي" في إيران بحسب اعتقاد دانا روراباخر عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري في كاليفورنيا.

لم تـُشكل الرطانة الخطابية لأصحاب المصالح المدافعين عن الحرية في كافة أنحاء العالم هؤلاء أية عقبات في يوم من الأيام. وبالنسبة لدانا روراباخر ليس "مجاهدي الشعب" بإرهابيين إذن، إنما هم حلفاءٌ في محاربة الإرهاب، مثلهم مثل المجموعة الكردية الإيرانية الصغيرة حزب الحياة الحرة الكردستاني "بيجاك" و"جند الله" البلوشي والأزريين الانفصاليين، ومثلهم مثل القذافي والأسد بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

تدريب عسكري لخدمة الولايات المتحدة الأمريكية

ا ب
خطاب مشكوك فيه: بحسب اعتقاد دانا روراباخر، يسعى "مجاهدو الشعب" لبناء "نظام حكم علماني ديمقراطي" بشكلٍ مسالم في إيران.

​​وبحسب استطلاعات مجلة "ذي نيويوركر" دَرَّبت وحداتٌ أمريكيةٌ خاصةٌ مقاتلين مختارين من "مجاهدي خلق" على أساليب حرب العصابات منذ عام 2005 في صحراء ولاية نيفادا الأمريكية سرًا. ومن المحتمل أنْ يكون مقاتلو النخبة هؤلاء قد أُرسلوا إلى إيران للقيام بعمليات تخريبٍ هناك. أما واقع وجود هذه المجموعة رسميًا على قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة الأمريكية فلم يعِق هذا التعاون السري.

لكنَّ دفاع فاعلين مشهورين في الولايات المتحدة الأمريكية عن "مجاهدي الشعب" لا يرتكز على نضالهم المتفاني من أجل الديمقراطية والحرية في الشرق الأوسط، فقد تلقى المؤيدون مكافآت وصلت قيمتها عشرات آلاف الدولارات لقاء الخطابات العلنية لصالح هذه المجموعة الإيرانية الموجودة خارج إيران، لا بل وأنَّ حاكم ولاية بنسلفانيا إدوارد جي. رينديل قبض 150 ألف دولار.

الدبلوماسي الألماني مارتين كوبلِر رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق من السعداء بهذه الحماسة، إذ يأمل الآن بطي الملف بسرعة. وقد تشاكى مؤخرًا من أنَّ الاشتغال على ملف "مجاهدي خلق" قد التهم كثيرًا من موارد بعثة الأمم المتحدة في العراق، ولتسريع عملية إجلائهم اقترح استقبال ألمانيا أيضًا لجزءٍ صغيرٍ من المقاتلين الإيرانيين البالغ عددهم 3200 مقاتل. وقال مارتين كوبلِر إنَّ 294 منهم لديهم روابط عائلية أو روابط أخرى في ألمانيا.

وبالعودة إلى سخرية التاريخ يمكننا القول إن هذه النسبة تعادل تقريبًا نسبة ذنب ألمانيا في حرب العراق. حقًا لم يكن الذنب كبيرًا لكنه لم يكن أيضًا بلا أهمية، ففي نهاية المطاف ساعدت وكالة الاستخبارات الألمانية الولايات المتحدة الأمريكية بشكلٍ كبير على إيجاد التبرير الذي كان ضروريًا لاجتياح عام 2003.

"موتٌ يدبُّ على عجلات"

كانت الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن دليلٍ على أنَّ صدام حسين يملك أسلحة دمارٍ شاملٍ، هذه الأدلة قدمتها وكالة الاستخبارات الألمانية عبر نقل تقارير مزعومةٍ عن حيازة صدام حسين أسلحة دمارٍ شامل بيولوجية، كان قد قدَّمها عميلها رافد علوان وهو مهندس كيمياء فر من العراق إلى ألمانيا. استخدمت حكومة بوش هذه التقارير الألمانية لتبرير الحرب. ويبقى في الذاكرة خطاب وزير الخارجية الأمريكية كولن باول أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في الخامس من شباط/فبراير 2003 قـُبيل اجتياح العراق بأسابيع قليلة. عرض باول يومذاك صور شاحنات يمكن استخدامها مختبرات لإنتاج الجمرة الخبيثة.

هذه التقارير عن "الموت الذي يدب على عجلات" دخلت التاريخ الحديث كواحدة من أكاذيب أجهزة المخابرات التي كان لها أشدّ التبعات، بالرغم من ذلك ساعدت وكالة الاستخبارات الألمانية رافد علوان على نيل حق اللجوء والبقاء في ألمانيا، لا بل وبالحصول على الجنسية الألمانية باسمٍ جديدٍ. وإذا كان الأمر يتعلق بعلاقة الصداقة الألمانية الأمريكية، لن تـقصِّر ألمانيا في قضية "مجاهدي الشعب" الإيرانيين الـ 294 بالتأكيد.

 

شتيفان بوخن
ترجمة: يوسف حجازي
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012

يعمل شتيفان بوخن صحفيًا تلفزيونيًا ضمن المجلة السياسية "بانوراما" وهو كاتب سيناريو الفيلم الوثائقي "كذب أجهزة الدولة – وكالة الاستخبارات الألمانية وحرب العراق"