''صفقة شاليط ليست تاريخية وتهدف إلى إضعاف أبو مازن''

يرى الكاتب والمحلل السياسي المعروف أشرف العجرمي الذي شغل منصب وزير الأسرى في سنوات سابقة أن صفقة تبادل الأسرى من شأنها أن تمهد لمفاوضات بين حماس وإسرائيل. كما يرى أنها تندرج في إطار رغبة كل طرف في تعزيز شعبيته الداخلية وكذلك رغبة إسرائيل في إضعاف أبو مازن ومعاقبته على التوجه للأمم المتحدة. مهند حامد التقى في مدينة رام الله العجرمي وأجرى معه هذا الحوار.

 

كيف تنظر إلى صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل التي بموجبها أفرجت حماس عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط وإسرائيل أفرجت عن 1027 أسيرا فلسطينيا؟

أشرف العجرمي: الصفقة ليست تاريخية وهي ليست أول صفقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فأبرز صفقة تبادل أسرى فلسطينية إسرائيلية هي التي أبرمها أحمد جبريل في عام 1985، التي تم بموجبها تحرير 1150 معتقلا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية. الصفقة الحالية جيده بحكم أنها ساهمت في الإفراج عن 1027أسيرا فلسطينيا.

هناك من يشكك في التوقيت الزمني لصفقة التبادل. كيف ترى ذلك؟

الصورة مهند حامد

​​العجرمي: لا شك أن توقيت الإعلان عن الصفقة محسوب بدقة وهو توقيت سياسي سواء من الطرف الفلسطيني المتمثل في حماس أم من طرف الحكومة الإسرائيلية، على اعتبار أن الشروط التي تمت بها الصفقة كان بالإمكان أن تنجز في وقت سابق وقبل سنوات. لم يحدث أي تغير دراماتيكي في مطالب حماس أو في مستوى المرونة والتنازلات الإسرائيلية، وبالتالي كان من الممكن أن تنجر الصفقة سابقا ولكن التوقيت الآن مهم بنسبه لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي يعيش ظروفا صعبه على مستوى الداخلي بسبب الاحتجاجات الشعبية الاجتماعية في إسرائيل والعزلة الدولية الخانقة التي تعاني منها حكومته بسبب رفض المجتمع الدولي سياسية الاستيطان وموقف العالم من الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

هذه أسباب وجيهة تدفع نتنايهو إلى البحث عن تحقيق إنجاز داخلي مقبول لدى غالبية الشعب الإسرائيلي وبالتالي يحقق إنجازا يرفع رصيده الشعبي. وبالنسبة لحكومة حماس فإن خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة والتحركات الدولية التي حصلت في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، جعلت القيادة الفلسطينية في مركز الأحداث والأضواء. وعلى النقيض من ذلك شعرت حماس أنها مهمشة نسبيا، باعتبارها ليست شريكا في اتخاذ قرار الذهاب إلى الأمم المتحدة، بل انتقدت هذا التوجه بوصفه خطوة منفردة من القيادة الفلسطينية. وبالتالي فإن إتمام الصفقة يعني العودة إلى الشارع والأضواء وللتركيز الإعلامي والشعبي. وهي مصلحة أكيدة لحماس. غير أن هذا ليس العامل الوحيد، إذ هناك رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في ترتيب الأوضاع في المنطقة، والدور المصري وأوضاع إقليمية ودولية ساعدت في إتمام الصفقة في هذا التوقيت بالذات.

ما هي المكاسب التي حققتها حماس وحكومة نتنياهو من وراء إتمام صفقة تبادل الأسرى عمليا؟

الصورة مهند حامد
في استقبال أحد الأسرى المحررين

​​العجرمي: استطاعت حماس العودة كصانع حدث وأن تسجل لنفسها إنجازا وهذا إنجاز لا بأس به لأن الإفراج عن الأسرى مسألة مهمة ويستقبل بترحاب وشعبية عالية في الشارع الفلسطيني. حماس استطاعت أن تخلق التأييد الشعبي للخطوة التي قامت بها وهي خطوة بدرجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للشارع الفلسطيني وبالتالي عادت حماس لتقول أنها لاعب رئيس في المنطقة لا يمكن الاستغناء عنها.

ومن جانب آخر المكونات غير المعلنة من الصفقة مرتبطة بوضع حماس في قطاع غزه من الحصار المفروض عليها ومن خلال الصفقة تستطيع أن تغير في طبيعة الظروف في قطاع غزه، وفي وطبيعة علاقتها مع مصر ودول المنطقة. هذه القضايا السياسية ستنعكس إيجابا على حركة حماس.

وبالنسبه لإسرائيل نتنايهو يسجل إنجازا لنفسه بإعادة الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط. ومن خلال إبراز هذه القضية وإبرازها في الإعلام يستطيع أن ينحي جانبا المشكلات التي تعاني منها الحكومة الإسرائيلية على مستوى الداخلي والدولي، وبالتالي خلق نوع من الحراك داخل المجتمع الإسرائيلي باتجاهات أخرى غير الاتجاهات السلبية التي كانت ملاصقه لحكومته.

هناك من يرى أن الهدف من وراء إنجاز صفقة تبادل الأسرى هو إضعاف الرئيس الفلسطيني محمود عباس وتقوية شوكة حماس، هل تتفق مع هذا الطرح؟

الصورة مهند حامد
في لحظة استقبال الأسرى المحررين....

​​العجرمي: ذهاب الرئيس الفلسطيني أبو مازن المعروف بعقلانيته واعتداله إلى الأمم المتحدة وتحديه لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية خلق نوعا من الرغبة لدى هذه الأطراف لمعاقبة أبو مازن ولإضعافه والعمل ضده في المستقبل وإخضاعه. ولا شك أن النتائج السياسية المطلوبة من وراء الصفقة وخصوصا الأطراف المشاركة بها حماس وإسرائيل هو تعزيز وضع حماس على حساب الرئيس أبو مازن.

إسرائيل تريد الإبقاء على الواقع الفلسطيني المنقسم على ذاته خصوصا لوجود حماس كذريعة حتى تقاوم نشأة الدولة الفلسطينية المستقلة وبالتالي تكمن مصلحة إسرائيل في إضعاف القيادة الفلسطينية التي تقود حربا ضروسا في الحلبة الدولية ضد إسرائيل للمطالبة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. عبر تقوية حماس تستطيع إسرائيل أن لقول للعالم: لا مجال للاعتراف بالدولة الفلسطينية بينما الفلسطينيون منقسمون على أنفسهم في كيانين مختلفين. كما أن إسرائيل تريد من الصفقة خلق ندين في الساحة الفلسطينية ليسهل عليها الادعاء بأن إقامة الدولة الفلسطينية في هذا الوقت فكره غير واقعية.

هل تتوقع أن تمهد الصفقة لمفاوضات بين حماس وإسرائيل؟

الصورة مهند حامد
إحدى الاسيرات المحررات تتنفس الحرية بعد سنوات طويلة في السجون الإسرائيلية

​​العجرمي: بدون شك هذه الصفقة تقول إن إسرائيل ليس لديها من حيث المبدأ أي مشكله في التفاوض مع حماس. فهي تفتح خطوطا باتجاه التفاوض. وباعتقادي سنشهد تعاونا بين حماس وإسرائيل بشكل أكبر، إذ طالما كانت هناك حوارات بين إسرائيل وحماس، منها حوارات مباشره وغير مباشرة . ولكن في ضوء الاتفاق والتفاهم سوف يعزز تواصل الحوار وتعميقه في اتجاهات أخرى قد تكون سياسية.

لماذا تم استبعاد قيادات الفصائل الفلسطينية في السجون الإسرائيلية من الصفقة؟

المحلل السياسي وزير الأسرى الفلسطيني السابق أشرف العجرمي
"ذهاب الرئيس الفلسطيني أبو مازن إلى الأمم المتحدة وتحديه لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية خلق نوعا من الرغبة لدى هذه الأطراف لمعاقبة أبو مازن"

​​العجرمي: التنازل عن القيادات الفلسطينية وعن القيادات العسكرية لحماس داخل السجون الإسرائيلية التي لم تشملهم الصفقة يأتي في إطار  الرغبة في إنجاز الصفقة في هذا التوقيت وعامل الزمن هو المهم. وعندما كانت حماس رغبتها إنجاز الصفقة الآن كان لا بد من التنازل، ولو أنها غير معنية بهذا التوقيت لكانت قد رفضت هذا التنازل حتى تحصل على شروط أفضل، خصوصا أن الإفراج عن قيادات فلسطينية مثل مروان البرغوثي والقيادي الفلسطيني أحمد سعدات حصل على موافقة إسرائيليه سابقة، وحتى أن حماس أبلغت هؤلاء القائدين وذويهم بأنه سوف يتم الإفراج عنهما وهما مدرجان في القائمة المنوي الإفراج عنها. إذن هو عامل الوقت والمتغيرات الإقليمية الذي ضغط على حماس من أجل القبول بأقل مما كانت تطالب به ومما كانت تعتبره الحد الأدنى للموافقة على الصفقة .

ما مدى تأثير صفقة تبادل الأسرى على المصالحة الفلسطينية؟

العجرمي: لا أعرف كيف ستؤثر على المصالحة الفلسطينية، ولكن المصالحة الفلسطينية مرتبطة باعتبارات سياسية من كلا الطرفين بشكل أساسي ولو كان هناك رغبه جادة من حماس ومن الرئيس أبو مازن سيتم إنجاز المصالحة.  ولكن هل الأطراف المعنية مستعدة وجاهزة للمصالحة الآن؟  أعتقد ربما أن صفقة الأسرى قد تخلق حوافز إضافية لدى الطرفين للبدء في تفعيل اتفاق المصالحة وتنفيذه وهذا ما نتمناه .

 

أجرى الحوار: مهند حامد- رام الله
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2011