''قيام دولة فلسطينية يصب في مصلحة إسرائيل''

يواصل الفلسطينيون سعيهم لإنشاء دولتهم رغم العقبات التي تواجههم. أنا اميلينج حاورت المؤرخ الإسرائيلي موشيه تسيمرمان حول مدى قدرة مثل هذه الدولة ـ في حالة قيامها ـ على البقاء في ضوء الكثير من الإشكاليات والعقبات.



هل ستكون الدولة الفلسطينية قادرة على البقاء؟

موشيه تسيمرمان: أي دولة قادرة على البقاء، إذا اعترفت بها الدول المجاورة. الدولة الفلسطينية ستكون قادرة على البقاء في حال قيامها. لكن المشكلة تتمثل في أن إسرائيل أقامت مستوطنات يهودية إسرائيلية على أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية. وجود هذه المستوطنات كجزء من كيان السيادة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية أمر غريب. ولكي تكون الدولة الفلسطينية قادرة على البقاء، لا بد من التراجع عن سياسة الاستيطان الإسرائيلية. وهذا يعني إما تفكيك المستوطنات، أو أن يتقبل المستوطنون ما ينبغي عليهم في الأساس تقبله؛ أي الخضوع لسيادة الدولة الفلسطينية. فإذا أصبحوا مواطنين تابعين للدولة الفلسطينية، فلن تكون هناك مشكلة.

ما هي المشاكل الاقتصادية الرئيسية في فلسطين؟

نتنياهو، الصورة دويتشه فيله
استمرار الحكومة الإسرائيلية في سياسة الاستيطان يعرقل تقدم العملية السلمية

​​تسيمرمان: البطالة في الأوساط الفلسطينية تعد مشكلة عميقة، لأنه لا توجد استثمارات وهذا بسبب الاحتلال الإسرائيلي. قد يكون ممكنا التغلب على هذه الصعوبات في حال تغير هذا الوضع.

ماذا عن موضوع اللاجئين؟

تسيمرمان: قضية اللاجئين لا تمثل مشكلة بالنسبة بقدرة الدولة الفلسطينية على البقاء. هناك أساس ديموغرافي، فهناك فلسطينيون يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، و يعيشون خارج حدود 1967. هؤلاء قادرون على بناء الدولة الفلسطينية والحفاظ على سيادتها. وجود اللاجئين يعني أنهم بحاجة إلى اتخاذ القرار حول المكان، الذي يريدون العيش فيه. هل يريدون الاستقرار في المكان الذي يعيشون فيه الآن؛ في لبنان أو كندا أو أستراليا. أم أنهم يريدون ـ بين قوسين ـ "العودة". لقد حاول الفلسطينيون والعرب إتباع سياسة لجوء تجعل من العودة هدفا رئيسيا، وهذا غير واقعي في حقيقة الأمر. فمثلا الفلسطينيون، الذين فروا أو طردوا من يافا، لن يجدوا منازلهم، إذا ما عادوا إلى يافا. وسيتعين على هؤلاء القبول بالأمر الواقع وبأن الأوضاع هنا قد تغيرت. وحينها يمكنهم أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون العودة إلى يافا أو إلى مناطق الدولة الفلسطينية" أم أنهم يريدون البقاء في البلدان التي يعيشون فيها حاليا وقد استقروا فيها؟ وهذا يظل قرارا يخصهم. من وجهة نظري ينبغي الاعتراف بحق العودة من حيث المبدأ، وبعدها يمكن التفاوض في كيفية حل هذه المشكلة بصورة واقعية.

هل هناك حل واقعي لمسألة اللاجئين؟

قطاع غزة الصورة د ب ا
قطاع غزة......بين مطرقة حماس وسندان الحصار

​​تسيمرمان: بالطبع. فإذا نظرنا إلى تاريخ أوروبا، فسنكتشف بأنه كان هناك الملايين من اللاجئين، وأنه تم إيجاد حل لمشكلة اللاجئين. هذه قضية تتعلق بالوعي، وبتقرير المصير وبالواقع الاقتصادي. فإذا كانت هناك إرادة صادقة، فسيكون هناك حل للمشكلة. حتى ولو قرر جميع الفلسطينيين، الذين يعيشون حاليا في الخارج، العودة إلى فلسطين، فمن الممكن إيجاد حل لهذه المشكلة. الأمر ليس سهلا، لكنه ممكنا. لا أعتقد أن الغالبية العظمى من ملايين الفلسطينيين، الذين يعيشون الآن في الخارج، سوف يختارون العودة إلى إسرائيل أو إلى الدولة العربية الفلسطينية. سوف يتقبل الكثير منهم حقيقة أنهم يعيشون في مكان آخر.

ما هي دوافع الحكومة الإسرائيلية لمنع قيام دولة فلسطينية؟

تسيمرمان: الحكومة الإسرائيلية والغالبية من السكان تفهم عودة الفلسطينيين بأنها تشكل تهديدا أو خطرا على الطابع اليهودي لدولة إسرائيل. في حال عودة ثلاثة أو أربعة ملايين فلسطيني إلى إسرائيل، فسيصبح هناك ما يقرب من خمسة ملايين فلسطيني في إسرائيل وستة ملايين إسرائيلي يهودي. وهذا يعني أن الأغلبية اليهودية قد اهتزت. السؤال الذي يظل مفتوحا هو ما إذا كان هذا هو الأمر ينظر له عموما كخطر. لكن قيام الدولة الفلسطينية يثير أيضا الخوف لدى الكثيرين. أعتقد بأن قيام الدولة الفلسطينية يصب في مصلحة إسرائيل، فاحتلال المناطق الفلسطينية المُقاومة والمثيرة للقلق ليس هو الأمر الذي ينبغي على السياسة الإسرائيلية أن ترحب به. لكن مع ذلك يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير خارجيته غير راغبين في قيام دولة فلسطينية. يوجد في إسرائيل جماعات يمينية قوية، أصبحت تشكل الأغلبية، ترى أن كل فلسطين جزءاً من دولة إسرائيل. ولهذا سوف ترفض هذه الجماعات قيام دولة فلسطينية. لكن هذا أيضا ما لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية الإفصاح علناً، لأنها تعهدت بقبول الحل القائم على أساس دولتين ـ وحتى نتنياهو تعهد بذلك. ولهذا السبب هناك فجوة بين الأقوال والأفعال.

 

أجرت المقابلة: أنا اميلينج
ترجمة: مي المهدي
مراجعة: عبده جميل المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011