" اللوبي الإسرائيلي في واشنطن يضر أحيانا بإسرائيل"

تمارس جماعات الضغط في أمريكا عملها بشكل علني وتسعى بوضوح إلى استمالة الساسة لمصالحهم. وجماعة الضغط الإسرائيلية ليست استثناء، لكن باحثين أمريكيين خلُصا مؤخرا إلى أن سياسة الجماعة لا تصب دائما في مصلحة إسرائيل أو أمريكا.

تمارس جماعات الضغط في أمريكا عملها بشكل علني وتسعى بوضوح إلى استمالة الساسة لمصالحهم. وجماعة الضغط الإسرائيلية ليست استثناء، غير أن باحثين أمريكيين خلُصا مؤخرا إلى أن سياسة الجماعة لا تصب دائما في مصلحة إسرائيل أو أمريكا.

​​ أثارت نتائج الدراسة التي نشرها الأستاذان الأمريكيان، جون ميرشهايمر من جامعة شيكاغو وستيفين ولت من جامعة هارفارد، حول قوّة اللوبي الإسرائيلي ومناصريه داخل الولايات المتّحدة وعن استراتيجياته للتأثير على مراكز صنع القرار جدلا في الأوساط الأمريكية والإسرائيلية.

وفي معرض تعليقه على طبيعة نشاطات "مجموعات الضغط"، يرى مدير الشؤون الدولية في لجنة اليهود الأمريكيين، أندرو بيكر، أن الأمر ينسجم مع روح الدستور الأمريكي، حيث تحاول "مجموعات المصالح" المختلفة في واشنطن التأثير على أعضاء الكونغرس من أجل استمالتهم لمصالحها، وأن الأمر ذاته ينسحب على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. وأضاف بيكر أن "الأمر هنا لا يتعلق بأمور تدار في الخفاء وإنما بطريقة معلنة ومشروعة".

اللوبي عنوان للضغط

يرى الباحثان ميرشهايمر وولت أن اللوبي الإسرائيلي في واشنطن عمل على توجيه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وفقا للمصالح الإسرائيلية عمليات "مجموعات الضغط" لا تتعلق فقط بالشؤون الداخلية الأمريكية ومصالح الشركات الكبرى، بل يتعدى ذلك إلى مستوى الدول، ليصل الأمر في بعض الأحيان إلى دفع أموال طائلة من أجل أن يتم تمثيل مصالحها في واشنطن. ولكن بالنسبة لإسرائيل فإن الدولة لا تقوم بمثل هذا الأمر بل "هناك أمريكيون يستشعرون مدى ضرورة دعم إسرائيل وأهمية التحالف بين البلدين، ما يدفعهم للعمل على تمثيل مصالح إسرائيل في المؤسسات الأمريكية المختلفة"، وفق بيكر. لذا فهو يعتبر أن مصطلح "لوبي إسرائيلي في أمريكا" هو صحيح وفق فهمه لآليات عمل مثل هذه المجموعات الضاغطة.

وتعد اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة المعروفة باسم "إيباك" من أشهر جماعات الضغط اليهودية في واشنطن. وتضم في عضويتها نحو 100.000 شخص من مختلف الولايات الأمريكية وترى أن مهمتها تكمن في "تعزيز أمن إسرائيل والذي يتجلى أيضا في الإبقاء على دعم واشنطن المستمر لإسرائيل". وفي هذا السياق تنشط هذه المنظمة سنويا في إطلاق مبادرات وأفكار سياسية تصب في خانة تعزيز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.

تأثير إلى مدى بعيد..

خريطة تبين حدود الصراع الشرق أوسطي، الصورة: دويتشه فيله
"اللوبي الإسرائيلي في واشنطن عطّل التوصل إلى معاهدة سلام شاملة في الشرق الأوسط"

​​
وقد أشارت دراسة ميرشهايمر وولت إلى أن "إيباك" جزء من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. واعتبر الباحثان في دراستهما أن عمل "مجموعات الضغط والمصالح" هو أمر مشروع في واشنطن. ولذا فأعضاء اللوبي الإسرائيلي والذين من بينهم الكثير من غير اليهود يطالَبون بأن يبدو كل دعم ممكن للسياسيين الأمريكيين الذين يتبنون سياسيات موالية لإسرائيل.

وأوضح البروفيسور ميرشهايمر من جامعة شيكاغو أن حدود تأثير اللوبي الإسرائيلي ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك "إذ عمل على توجيه بوصلة الرأي العام الأمريكي لصالح العلاقات الأمريكية مع إسرائيل". وحسب رأي الباحثين المرموقين فإن الساسة الأمريكيين الذين يتبنون خطا متشددا تجاه سياسات إسرائيل لن يكون لهم شأن كبير في الحياة السياسة الأمريكية.

أين مصالح الولايات الأمريكية؟

غير أن السياسات التي كان اللوبي الإسرائيلي يطمح إليها لم تكن دائما تصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، ما جعل بعض الأصوات تقول إن إسرائيل وحدها من ينتفع من هذه السياسات وأن أمريكا بذلك أضحت عرضة لأخطار الإرهاب وأهواله. ولكن من جهة أخرى يؤكد الباحثان أن المحافظين الجدد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد دفعوا بقوة نحو شن حرب على العراق. وفي هذا السياق خلص ميرشهايمر وولت إلى استنتاج مفاده أنه: "من الجهل القول إن اللوبي الإسرائيلي هو القوة المؤثرة الوحيدة التي جعلت الولايات المتحدة تخوض الحرب في العراق. اللوبي كان عنصرا ضروريا لبداية الحرب، وإن لم يكن العنصر الأساس في اتخاذ قرار الحرب".

ولكن من ناحية أخرى يرى ميرشهايمر وولت أن سياسة اللوبي الإسرائيلي في بعض الأحيان لم تصب في خانة إسرائيل، خاصة عندما يتعلق الأمر بعملية السلام في الشرق الأوسط. ولعل آثار هذا الأمر تتجلى في حقيقة موقف واشنطن من سياسة الاستيطان الإسرائيلية وعدم تبنيها موقفا حازما يوقف التوسع الاستيطاني، الأمر الذي عطل التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وفي هذا السياق يقول الباحثان "لا يوجد أي رئيس أمريكي حتى الرئيس جورج بوش يستطيع أن يمارس ضغوطا على إسرائيل من أجل وقف سياسة الاستيطان الإسرائيلية". فمثل هذه المواقف الأمريكية في معظمها هي نتاج ثمار اللوبي الإسرائيلي وإذا لم تتغير مثل هذه القناعات فلن يكون هناك توصل إلى معاهدة سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

"إسرائيل تتحدث عن نفسها بنفسها"

وعلى الرغم من أن "إيباك" لم تتبن رأيا واضحا إزاء الجدل حول اللوبي الإسرائيلي ومدى تأثيره في رسم السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، إلا أن مدير الشؤون الدولية في لجنة اليهود الأمريكيين، أكد أن هناك دوافع ورغبات سياسية تحرك هذا اللوبي. وأضاف قائلا : "نحن لا نسعى إلى توظيف شخص لخدمتنا أو العمل على رشوته، نحن نسعى بكل بساطة إلى إظهار الحقيقة كما هي وإسرائيل بنجاحاتها تستطيع أيضا أن تتحدث عن نفسها بنفسها".

هذا الجدل حول تأثير اللوبي الإسرائيلي على عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية دفع ببعض اليهود الأمريكيين الليبراليين إلى المطالبة بأن تكون هناك بدائل لــ"إيباك". وفي هذا السياق تأسس في واشنطن لوبي يهدف إلى تشجيع الإدارة الأمريكية نحو مزيد من الخطوات لتشجيع عملية السلام في الشرق الأوسط وتتويجها بمعاهدة سلام تنهي هذا الصراع. ومن بين هؤلاء الناشطين في هذا اللوبي، آلان سلمون، وهو من الحزب الديموقراطي ويبدي دعمه لباراك أوباما، حيث أوضح في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" بأنه لطالما في السنوات الأخيرة أن سمعت أصوات المحافظين الجدد واليهود المتشددين ولكن "ما لم تسمع حتى هذه اللحظة هي الأصوات والمواقف السياسية الوسط لأبناء الجالية اليهودية في أمريكا وهذا ما نسعى إليه في هذا اللوبي الجديد".

كريستينا بيرغمان
ترجمة: هشام العدم
دويتشه فيله 2008

قنطرة

مناقشة:
انتقاد إسرائيل ومعاداة الساميّة
هل يمكننا أن نفسر الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل وممارساتها في المناطق الفلسطينية بظاهرة العداء للسامية؟ هذا هو موضوع السجال التالي بين الفيلسوف البريطاني بريان كلوغ والمؤرخ الإسرائيلي روبرت فيستريش

حوار
هل الإسلام معاد للساميّة؟
يناقش في الآونة الأخيرة في عدد من الدول الأوربية ظاهرة ازدياد العداء ضد السامية ودوما يتم التطرق إلى دور الشباب ذي الأصل الإسلامي ومدى ارتباط انتمائه الديني بموقفه المعادي من اليهود في بلد إقامته. حوار مع شتيفان فيلد المختص في العلوم الإسلامية.

سيطرة "حماس" على غزة:
سيناريوهات المستقبل
أدت سيطرة منظمة "حماس" على جميع المؤسسات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في غزة الى خطوط انقسام سياسية جديدة عبر المنطقة كلها. والسؤال الآن هو "ما العمل؟". يوسي ألفر يقدم في هذه المقالة قراءة لإحتمالات المستقبل.