الأنا والآخر....أسرى الأحكام التبسيطية والصور النمطية

ما تزال الصور النمطية والأحكام المسبقة تحكم منظومة العلاقات الفكرية والقيمية بين العالمين الإسلامي والغربي. مثل هذه الصور التي لا تستند إلى رؤية تفريقية جعلت من مفردات الخطاب على جانبي ضفتي المتوسط مليئة بأخطاء اتخذت من التهميش والإلغاء للآخر منطلقات لها. أستاذ الفلسفة، حسن حنفي، يقدم رؤية نقدية لإشكالية العلاقة بين الغرب والإسلام.

حسن حنفي
حسن حنفي: هل من الممكن أن تنجح شراكة متكافئة بين ضفتي البحر المتوسط؟

​​ تعتبر الضفاف الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط مهد الحضارات القديمة. ويعود توتر العلاقات بين هذه المناطق في كثير من الأحيان إلى سوء فهم الآخر، فالناس على الضفة الشمالية للمتوسط يطنون أن الضفة الجنوبية هي منبع للإرهاب والعنف وسفك الدماء ومنبت لجذور الحادي عشر من سبتمبر / أيلول وهجمات لندن ومدريد الإرهابية.

فالمفهوم السائد لدى الكثيرين أن ثقافة العنف هي من ثمار الإسلام بخلاف المسيحية، ديانة المحبة والسلام. هذا المفهوم الذي يعتبر العنف من ثمار الإسلام هو مفهوم خاطئ اعتمد أساسا على استنتاج خاطئ بدوره يختزل الكل في جزء منه، ذلك لأن الإسلام بَنى منارات تاريخية أيضا مثل غرناطة واشبيلية وقرطبة على الجانب الشمالي للبحر المتوسط.

علاوة على ذلك توصف الضفة الجنوبية للمتوسط بصفة عامة بأنها منطقة متخلفة، أو على أحسن الأحوال في طور النموّ، ليس فقط فيما يخص الاقتصاد والسياسة الاجتماعية والثقافة، بل أيضا فيما يتعلق في حقوق المرأة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وهذا يُعد من الاستنتاج الخاطئ أيضا، حيث كانت فاس والقيروان والقاهرة على الجانب الجنوبي في العصور الوسطى منارات للعلوم والثقافة، وتعلّم الشمالي من الجنوبي.

متاهات رفض الآخر

وفضلا عن ذلك يعتقد المرء في الشمال أن الناس على الضفة الجنوبية للمتوسط يرفضون الآخر، أي أنهم يرفضون غير المسلمين الذين يعيشون بينهم، كما يرفضون أيضا الغربيين على الجانب الآخر. وفوق ذلك فإنهم يديرون حوارا داخليا (منولوج) وبذلك يضحّون بالحوار مع الآخر، وقد كوّنوا ثقافة تعتمد على الإقصاء بدلا من الاندماج، وهذا هو السبب في التوترات المستمرة بين الديانات والأعراق، مع العلم أن الإسلام يعتبر دين السلام ويقدّر تنوع الخلق والبشر، ويعتبر الآخر جزءا منه.

أضف إلى ذلك أن الجانب الجنوبي يمثل خطرا على الشمالي بسبب الهجرة الشرعية وغير الشرعية للأيدي العاملة. ويرى المرء أن الحجاب وملابس الرجال المسلمين والمساجد تشكل خطرا على الهوية الأوروبية، ففي كل مدينة أوروبية توجد مناطق خاصة يعيش فيها المسلمون يتبعون فيها عاداتهم وأعرافهم الخاصة، بيد أن هذا الأمر يسري على كل الأقليات الدينية والعرقية في أوروبا.

وللجنوبيين أحكامهم المسبقة....

ابن سينا
شكلت مؤلفات ابن سينا المتعددة ولاسيما في الطب مرتكزا للدراسات الطبية في أوروبا

​​ ولكن الناس على الضفة الجنوبية للمتوسط ينظرون إلى الضفة الشمالية الأخرى نظرة خاطئة بعض الشيء، حيث يعتبرونها ضفة استعمارية وامبريالية، فبدءا من الإمبراطورية اليونانية والرومانية ومرورا بالحروب الصليبية في العصور الوسطى ووصولا إلى فترة الاستعمار الحديث توسع الجانب الشمالي في حدوده على حساب الجنوبي، حيث إن الثقافة الغربية تقوم أساسا على القوة بدلا من العدالة وعلى السيطرة بدلا من التحرر.

وهذا الأمر يتعلق إذن على الأقل بحضارة ذات معايير مزدوجة: حيث تسود في داخل هذه الحضارة القيم الإيجابية مثل الثقافة والتحرر والمساواة والعدالة والتقدم والعلم، بينما تصدّر إلى خارجها قيما سلبية مثل السيطرة والتباين والظلم والتخلف والجهل. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من الممكن أن تتحول هذه المركزية الأوروبية إلى رؤية عالمية جديدة؟

ويرى المرء في الجنوب أن الجانب الشمالي يستغل الثروات والمواد الخام والأيدي العاملة ويسيطر على الأسواق في الجانب الجنوبي. وهذا ما تفسره المشاريع المتعددة الجنسيات والعولمة والنظام أحادي القطب. يذكر أن هناك عديدا من الكتابات حول "نهب العالم الثالث". لقد أخذ الغرب من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية أكثر مما أعطاها.

نحو شراكة متكافئة؟

الحروب الصليبية
الحروب الصليبية في العصور الوسطى ما تزال مادة دسمة للأحكام المسبقة في عصرنا الحاضر

​​ وفي ضوء هذه المعطيات والوقائع: هل من الممكن أن تنجح شراكة متكافئة بين ضفتي المتوسط؟ يرى المرء في الضفة الجنوبية للمتوسط أن الجانب الشمالي- أوروبا- تسوده قيم مادية ومنظومة قيمية نسبية تعتمد بالأحرى على ديناميكية التغير بدلا من الاستمرار، انطلاقا من أن النظرة المثالية حلّت محل الاعتقادات القديمة. إن "المسلمة العليا" التي صاغها الفيلسوف عمانوئيل كانط لا ترتبط بمواقف أخلاقي معين نابع من المواقف الحياتية، بل تسري في كل زمان ومكان. فالإجهاض والمثلية الجنسية وثقافة العري والأنانية والمصالح الشخصية تُعد من السلوكيات الاجتماعية المعتادة البعيدة عن الأخلاق. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من الممكن أن توجد منظمة أخلاقية عالمية؟

إن رؤية العالم على الضفة الشمالية للمتوسط هي رؤية عقلانية وعلمانية وبعض الأحيان إلحادية باسم النزعة الإنسانية، وبالتالي فهي تميل إلى تبني أنماط فكرية تشكيكية وعدمية ولاأدرية. لكن ما بعد الحداثة والفلسفة التفكيكية فهما من أعراض أزمة الغرب التي وصفها ماكس شيلر بـ"انهيار القيم" ووصفها هنري برغسون بـ"آلة خلق الآلهة" ووصفها أيضا اوسفالد شبنغلر بـ"أُفول الغرب". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من الممكن أن ينتقل الدور القيادي الثقافي من الغرب إلى الشرق؟

حسن حنفي
ترجمه: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع/ مجلة تبادل الثقافات/قنطرة 2009

وُلد حسن حنفي في القاهرة عام 1935، وبعد حصوله على ليسانس الفلسفة عام 1956 درس عشرة أعوام في جامعة السربون في باريس. ويعمل منذ 1966 أستاذا للفلسفة بجامعة القاهرة، ومنذ 1983 يشغل منصب نائب رئيس الجمعية الفلسفية العربية. ومن منشوراته "الأقليات الدينية والقانون" عن دار النشر (Academic Press, Fribourg 1998)، والكتاب مترجم إلى الألمانية والفرنسية.

قنطرة

حوار مع أندريه أزولاي:
"حوار الثقافات محرك التعاون بين ضفتي المتوسط"
يري أندريه أزولاي، رئيس مؤسسة "أنا ليند " الأوروبية المتوسطية لحوار الثقافات، أن قمة باريس التأسيسية لـ"الإتحاد من أجل المتوسط" وضعت في صدارة أجندة الاتحاد الاهتمام بالحوار بين الثقافات باعتباره محركا أساسيا لعلاقات شعوب ضفتي المتوسط. منصف السليمي حاور مستشار ملك المغرب حول الآمال المعقودة على الشراكة الأوروبية المتوسطية وماهية الشراكة الحقيقة بين أوروبا والعالم العربي.

محمد أركون:
ناقد معاصر للعقل الإسلامي
إصدار جديد للباحثة الألمانية أرزولا غونتر يتناول المنظومة الفكرية وسيرة حياة المفكر الجزائري المقيم في فرنسا محمد أركون. مراجعة برهان شاوي

حوار مع محمد مجتهد شبستاري:
"الإسلام دين وليس برنامجاً سياسياً"
يعد محمد مجتهد شبستاري واحدا من أهم علماء الدين الشيعة وفلاسفتهم المعاصرين. في الجزء الأول من الحوار الصحفي المسهب، الذي أجرته معه فاطمة صغير تحدث الفيلسوف والفقيه الإيراني المرموق عن العلاقة المعقدة بين الدولة والدين ودور القضايا الدينية في عصر العولمة.