"تنامي المشاكل الثقافية بين أوروبا وجوارها يحتم اعتماد سياسة ثقافية أوروبية موحدة"

دعا خيراردو رويث ريكو، المدير التنفيذي لمؤسسة الثقافات الثلاث بإشبيليه، في حوار أجراه معه منصف السليمي في اشبيليه، إلى اعتماد سياسة ثقافية أوروبية موحدة قوامها حوار الثقافات لمواجهة القضايا الشائكة في العلاقات الأوروبية المتوسطية، والتي يتزايد تأثير دور الثقافة والدين في تشكيل واقعها ومستقبلها.

جانب من المؤتمر الذي نظمنه الوكالة الألمانية للتعاون التقني، الصورة: منصف السليمي
يقول ريكو: "أنا على قناعة تامة بأن الحوار بين الثقافات والأديان ليس مجرد شعار جذاب إعلاميا وسياسيا. إأنها وسيلة فعالة جدا أولا للتعارف وثانيا لفهم التنوع الثقافي الذي يميز المجتمعات المعاصرة"

​​ إلى أي حد يمكن الاعتماد على العامل الثقافي في معالجة بعض المشكلات بين أوروبا وجوارها في جنوب المتوسط، مثل قضية الهجرة التي تتعاطى معها المؤسسات الأوروبية بالخصوص من منظور أمني وسياسي؟

خيراردو رويث ريكو: أرى أنه من المناسب ألاّ تقتصر عملية توحيد السياسات الأوروبية على ميادين السياسة والاقتصاد والبيئة والأمن ونسبيا الميدان الاجتماعي، بل يتعين أيضا نهج سياسة موحدة في المجال الثقافي، ولاسيما أن تعدد الثقافات والأديان أصبح خاصية عامة من خصائص كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وفضلا عن ذلك فإن الاتحاد الأوروبي له حدود شاسعة مع بلدان الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، حيث تعيش شعوب لها ثقافات وأديان مختلفة، ولكن أيضا تشهد علاقات بلدانها مع الاتحاد الأوروبي تعاونا متناميا في الميادين التربوية والاجتماعية وتبادلا بشريا مكثفا تشكل الهجرة إحدى مظاهره.

ما هو ردكم على انتقادات بلدان الجنوب المتوسطي وقولهم إن الأوروبيين يتعاملون بانتقائية عندما يرحبون بهجرة رؤوس الأموال والبضائع والكفاءات من بلدان الجنوب ويضاعفون الحواجز الأمنية في وجه تنقل الأشخاص؟

ريكو: أعتقد أنها انتقادات منطقية تماما، وأنا مبدئيا مع الفكرة التي تنطلق منها تلك الملاحظات. ولا يمكننا أن نقبل بأن يكون لدينا ازدواجية معايير سياسية في تعاملنا مع الفئات الاجتماعية والاقتصادية التي ينتمي اليها الأشخاص الوافدون الى البلدان الغربية.

جانب من المؤتمر الذي نظمنه الوكالة الألمانية للتعاون التقني، الصورة: منصف السليمي
يرى المدير التنفيذي لمؤسسة الثقافات الثلاث بإشبيليه أن تدفق الهجرة غير الشرعية يساهم في رسم صورة سلبية للجالية المسلمة في أوروبا

​​ بعد عشر سنوات على تأسيس "مؤسسة الثقافات الثلاث" كيف تقيمون تجربتكم في مجال الحوار بين الثقافات؟

ريكو: بالفعل، أنا على قناعة تامة بأن الحوار بين الثقافات والأديان ليس مجرد شعار جذاب إعلاميا وسياسيا. إن تجربة السنوات العشر الأولى من عمر "مؤسسة الثقافات الثلاث" قد أثبتت أنها وسيلة فعالة جدا أولا للتعارف وثانيا لفهم التنوع الثقافي الذي يميز المجتمعات المعاصرة. وفضلا عن ذلك ، فقد مكنت تجربة مؤسستنا من مد جسور وشراكات مع مجتمعات ذات مستوى تنموي أقل ، على أوروبا بحكم الجوار أن تتعايش معها.

لكن ما مدى قدرة مؤسسات الحوار بين الثقافات على إثبات دورها في واقع مثقل بالأزمات السياسية مثل الصراع العربي الإسرائيلي؟

ريكو: صحيح أن المؤسسات العاملة في ميدان الحوار بين الثقافات ليست في موقع يسمح لها بإعطاء أجوبة في الحال لمواجهة أوضاع أزمات أو نزاعات قائمة بين دول تتشارك في كثير من الأحيان عناصر ثقافية.

ولكن لا أحد يشكك في أن مؤسسات حوار الثقافات يمكنها أن تلعب دورا ، وهي تقوم به في غالب الأحيان ، من أجل إحداث توازن في علاقات أطراف النزاعات. إن معالجة هذه المشكلات يعود بالأساس إلى مسؤولية السلطات السياسية ، بحكم أن طبيعة المشكلات القائمة سياسية وليس ثقافية، وبالتالي فهي تتطلب حلولا سياسية. ولكن كمؤسسة ثقافية ، يمكننا المساهمة في تقارب أساسي وضروري من شأنه أن يجعل التوصل إلى توافقات ضرورية ممكنا.

وكيف ترى مستقبل الحوار بين الثقافات في منطقة البحر الأبيض المتوسط بعد قيام "الاتحاد من أجل المتوسط"؟

ريكو: منذ انطلاق مسار برشلونة، والآن بعد تأسيس الاتحاد من أجل المتوسط ، أصبح حوار الثقافات واقعا ينمو ويتطور بشكل متواصل، ويجتاز أحيانا لحظات إيجابية أكثر من أخرى، بحسب الظروف السياسية العالمية والإقليمية التي تجتازها منطقة البحر الأبيض المتوسط. ولاشك أن الصراع الشرق أوسطي يشكل عامل تباعد وإنتاج مشاكل تعيق حوار الثقافات بين البلدان المتوسطية. ولكنني متفائل، لأن التجربة نفسها تؤكد أنه مع الزمن يمكن أن نتجاوز هذه العقبات والأوضاع الصعبة، وفتح منافذ جديدة يمكنها أن تساهم في تقوية علاقات التعاون والسلام والتفاعل الثقافي.

تبدو متفائلا بمستقبل الشرق الأوسط رغم ما تشهده المنطقة من تنامي التيارات المتشددة في الساحتين السياسيتين العربية والإسرائيلية؟

ريكو: إن التفاؤل لا ينبغي أن يكون ضرورة متعارضا مع جرعة من الواقعية، وقد أثبتت التجربة التاريخية أن النزعات المتطرفة هي ظاهرة عابرة وسرعان ما تشهد أفولا، تاركة المجال لتيارات الاعتدال والحوار، لأنها هي الأكثر دواما.

هل تعتقد أن بإمكان الدول الأوروبية بلورة تصور مشترك لدور الإسلام في أوروبا؟

ريكو: أعتقد أن أوروبا لها رؤية عامة وموحدة للعالم الإسلامي، ولا يبدو لي أن هنالك اختلافات ثقافية كبيرة مع هذه البلدان التي تشكل مكونا أساسيا من الأسرة الدولية. لكن ذلك لا ينفي حساسية التعامل مع ثقافات وديانات مختلفة كما لا يعني أن التعرف عليها يتم دائما بشكل منسجم وملائم. في مجتمعاتنا القائمة على التعدد الثقافي والأيديولوجي، لا تزال هنالك أوساط اجتماعية لا تقبل بشكل طبيعي التنوع الثقافي الذي يعتبر خاصية لمجتمعنا الأوروبي. ولذلك تعمل هيئات مثل "مؤسسة الثقافات الثلاث" على تقليص حجم هذه النظرة السلبية قدر الإمكان.

وكيف تطرح مسألة دور الإسلام في إسبانيا؟

ريكو: في إسبانيا هنالك نظرة إيجابية للعالم الإسلامي. ولكن علينا أن نعترف أن النظرة للجاليات المسلمة ليس حولها توافق داخل المجتمع الاسباني، وهي أحيانا تتأثر بحالات ظرفية. فعندما يشهد تدفق الهجرة غير الشرعية طابعا غير متحكم فيه، أو في ظروف الأزمات الاقتصادية، مثل الأزمة التي نعاني منها حاليا، تفرز تذبذبات سلبية تساهم في تعقيد عملية الاندماج والتفاهم مع فئات من معتنقي ديانة تشكل أقلية داخل المجتمع سواء في إسبانيا أو أوروبا بشكل عام. ولكنني أعتقد أنه يمكننا أن نعتبر أن الحصيلة في مجملها إيجابية وبشكل مطرد.

الاتحاد من أجل المتوسط- تراجع في الطموحات وشكوك في تحقيق التوقعات

​​ تقترح بعض الدول الأوروبية ، مثل ألمانيا ، فكرة اعتماد سياسة أوروبية موحدة في المجال الثقافي، ما هو رأيك في ذلك؟

ريكو: لدي اليقين بأن أوروبا إذا تمكنت من اعتماد اتفاقيات معقدة وصعبة في الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، يمكنها أيضا أن تتوفر على وسائل مشتركة في ميدان الثقافة، ولاسيما في مجال الحوار بين الثقافات. وهذا يشكل مسارا لا رجعة عنه ، فضلا عن أن واقع مجتمعاتنا الذي يشهد نموا للتعاون والتبادل في منطقة البحر الأبيض المتوسط ، يدعونا لمضاعفة الجهود في اتجاه بلورة سياسة أوروبية موحدة في ميدان الثقافة.

لِمَ تحظى قضايا التعليم والتربية باهتمام خاص في أجندة التعاون بين مؤسستكم والمؤسسة الألمانية للتعاون التقني والفنيGTZ في منطقة كالمغرب العربي؟

ريكو: يندرج التعاون بين مؤسسة الثقافات الثلاث والمؤسسة الألمانية للتعاون التقني والفني في مجال أفق تشجيع قيم التسامح والحوار بين الثقافات، وهو بعد يكتسي أهمية متزايدة مثلا في برامج تعاوننا المشترك في منطقة المغرب العربي التي تعد فضلا عن عنصر الجوار، شريكا أساسيا للاتحاد الأوروبي.

فقد احتضنت مؤسستنا مؤخرا في مقرها بإشبيليه ندوة نظمتها المؤسسة الألمانية للتعاون التقني والفني وتمحورت حول موضوع " حوار الثقافات والتسامح والتربية على القيم" ، الذي يعتبر من ركائز إستراتيجية "مؤسسة الثقافات الثلاث" ، فالنسبة لنا تعد التربية على قيم التسامح قاعدة أساسية في حوار الثقافات، ولذلك نحن ندعم كل المبادرات التي تصب في هذا الاتجاه.
ونعتقد أن نظم التربية لها وظيفة أساسية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، إذ يمكنها المساهمة بفعالية كبيرة في بناء مجتمعات يسودها التسامح بين مختلف المكونات الثقافية والدينية التي تعيش داخلها.

لكن إدماج البعد الديني في مسألة إصلاح نظم التعليم في بلدان المغرب العربي مثلا، يثير جدلا كبيرا ومخاوف من توظيفه، فما هي الحدود التي يمكن رسمها لموقع التربية الدينية في نظم التعليم؟

ريكو: أعتقد أن إدماج الدين في نظم التعليم عملية تتطلب مراعاة أهمية عنصر الدين في كل مجتمع بحسب ظروفه، ولذلك لا يمكن أن نخضع المجتمعات لنموذج محدد للتربية الدينية، وإنما يمكن الحديث عن نماذج ثقافية متعددة.

ففي مجتمعات أوروبا الغربية، يتم تدريس مادة الدين ضمن برامج التعليم، بينما نلاحظ في المجتمعات الإسلامية وجود اتجاه لحضور الدين بشكل أكبر. وفي هذا السياق أعتقد أنه يتعين على نظام التعليم تقديم أجوبة إيجابية على متطلبات تطور المجتمع.

أجرى الحوار: منصف السليمي- إشبيلية
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

حوار مع أندريه أزولاي:
"حوار الثقافات محرك التعاون بين ضفتي المتوسط"
يري أندريه أزولاي، رئيس مؤسسة "أنا ليند " الأوروبية المتوسطية لحوار الثقافات، أن قمة باريس التأسيسية لـ"الإتحاد من أجل المتوسط" وضعت في صدارة أجندة الاتحاد الاهتمام بالحوار بين الثقافات باعتباره محركا أساسيا لعلاقات شعوب ضفتي المتوسط. منصف السليمي حاور مستشار ملك المغرب حول الآمال المعقودة على الشراكة الأوروبية المتوسطية وماهية الشراكة الحقيقة بين أوروبا والعالم العربي.

حوار مع فولكر بيرتيس:
فرص تعاون جديدة لأوروبا والعالم العربي
ما هي الأهمية السياسية التي يتمتَّع بها الاتحاد من أجل المتوسط الذي تم تأسيسه في باريس بين الاتحاد الأوروبي وثمانية عشر بلدًا تقع على البحر المتوسط من أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأوسط؟ خولة صالح حاورت فولكر بيرتيس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط ومدير المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية في برلين للوقوف على أجوبة لتلك التساؤلات.

حوار مع الأمير حسن بن طلال:
حوار الثقافات بدلا من "حوار القباحات"
شدد الأمير الحسن بن طلال على ضرورة بناء هيكلية للمواطنة العالمية بدلا من عولمة المادة الاستهلاكية السائدة. ناصر جبارة وبسام رزق حاورا الأمير حسن في برلين بعد حصوله على جائزة المفكر اليهودي أبراهام غايغر المرموقة تكريما لجهوده في دعم الحوار بين الثقافات والأديان.