ضرورة مساندة استراتيجية المصالحة الأفغانية الشاملة

تؤكد الباحثة شكرية ديلاوار أن العنف المستمر والانخراط العسكري طويل الأمد في أفغانستان لن يؤدي إلا إلى المزيد من الدمار للمجتمع الأفغاني. كما ترى أن دعم الجهود الأفغانية لتسوية الخلافات الداخلية وتقوية مؤسسات الدولة الأفغانية من شأنه أن يمهد الطريق نحو استقرار هذا البلد على المدى البعيد.

تؤكد الباحثة شكرية ديلاوار أن العنف المستمر والانخراط العسكري طويل الأمد في أفغانستان لن يؤدي إلا إلى المزيد من الدمار للمجتمع الأفغاني. كما ترى أن دعم الجهود الأفغانية لتسوية الخلافات الداخلية وتقوية مؤسسات الدولة الأفغانية من شأنه أن يمهد الطريق نحو استقرار هذا البلد على المدى البعيد.

​​

وافق 1600 من القادة الأفغان في حزيران/يونيو وفي الاجتماع الأخير للويا جيرغا (الاجتماع الكبير للقادة القبليين)، على برنامج لإعادة التكامل الاجتماعي لمتمردي الطالبان من الرتب الدنيا والمستعدين لشجب العنف وتقبل الدستور الأفغاني والعودة إلى بيوتهم، وذلك من خلال حوافز محتملة، مثل فرص العمل والتدريب الحرفي أو المشاريع التطويرية لمجتمعاتهم.

ويشكّل اجتماع "اللويا جيرغا" هذا خطوة مهمة إلى الأمام نحو بناء الإجماع والمصالحة الوطنية بين الأفغان. وقد جرى تصميم البرنامج لاجتذاب متمردي الطالبان الذين ليس لهم انتماء أيديولوجي لطالبان، والذين انضموا إلى حركة التمرد سعياً للحصول على تعويض مادي، إلا أن إعادة استيعاب جنود الطالبان هؤلاء لا يشكّل سوى بُعد واحد لعملية مصالحة أوسع.

ورغم أن الولايات المتحدة تدعم وتموّل إعادة استيعاب جنود الطالبان، إلا أنها ما زالت ترفض الموافقة على التفاوض مع قياداتهم، الأمر الذي يخلق من حيث الجوهر حاجزاً رئيسياً أمام جهود المصالحة الأفغانية. وتستمر هذه الإستراتيجية رغم حقيقة أن غالبية حلفاء الناتو وكبار المسؤولين الأفغان والأمريكيين اعترفوا علناً أنه لا يمكن الفوز بهذه الحرب بالأساليب العسكرية وحدها. وإذا أُريد لأفغانستان أن تتقدم باتجاه السلام الدائم، يتوجب تغيير إستراتيجية الولايات المتحدة الشاملة.

سياسة الشروط المسبقة

جنود امريكيون في أفغانستان، الصورة ا.ب

​​

وتستمر قيادة الولايات المتحدة وطالبان بوضع شروط مسبقة متضاربة على حكومة كابول تقف حائلاً أمام عملية المصالحة الوطنية وتمنعها من التقدم. تريد الولايات المتحدة على سبيل المثال أن تتوقف الطالبات عن القتال وأن تقبل بالدستور الأفغاني. وتريد حركة طالبان في هذه الأثناء خروج جميع القوى الأجنبية كشرط مسبق للانضمام إلى العملية السياسية. إضافة إلى ذلك فإن قيادة الطالبان العليا منفتحة للحوار مع الولايات المتحدة، ولكن فقط بشرط أن لا تكون هناك شروط مسبقة أخرى لعقد المحادثات.

وحتى يتسنى كسر هذا الجمود وبناء الثقة بين الجانبين وتيسير المصالحة، دفعت حكومة كارزاي الأمم المتحدة في الشهور الأخيرة لإزالة أسماء قادة معينين من طالبان من قائمة الإرهابيين لديها. وتدور إشاعات بأن كابول وإسلام أباد تقومان بإغراء كبار القادة من طالبان للانضمام إلى العملية السلمية في أفغانستان. إلا أن قرار الجنرال الأمريكي ديفيد بتريوس الأخير بوضع شبكة حقاني على القائمة السوداء كمنظمة إرهابية قد يعمل على إفشال هذه المبادرات. وتعتبر شبكة حقاني هذه مجموعة متمردة في أفغانستان وباكستان متحالفة عن كثب مع الطالبان.

الإستراتيجية الأمريكية

وقد أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن هدف بلده في أفغانستان هو "إفشال وتفكيك ودحر القاعدة" وفي الوقت نفسه وقف "قوة اندفاع" الطالبان. وتسعى سياسة مجابهة التمرد التي تتبعها الولايات المتحدة إلى إضعاف تمرّد الطالبان قبل الموافقة على الحوار الرسمي بين إدارة الرئيس كارزاي وزعماء التمرد. وتحتاج إستراتيجية تحقيق هذه الأهداف إلى إعادة التقييم.

جندي أمريكي يحرس أحد مقاتلي طالبان، الصورة أ.ب
"قرار الجنرال الأمريكي ديفيد بتريوس الأخير بوضع شبكة حقاني على القائمة السوداء كمنظمة إرهابية قد يعمل على إفشال مبادرات المصالحة الأفغانية"

​​أولاً، لا يوجد سوى 50 إلى 100 من ناشطي القاعدة في أفغانستان، حسب المسؤولين الأفغان والأمريكيين، الأمر الذي يعني أن وجود قوة عسكرية هائلة لتتعامل مع هذا العدد من الناشطين أمر غير متكافئ بالمرة. ثانياً، يكمن الأسلوب الوحيد لوقف "قوة اندفاع" طالبان في مساعدة عملية مصالحة أفغانية المحور، الأمر الذي يدعم بقوة فكرة التفاوض مع كبار الضباط والقياديين في الطالبان.

كانت هناك، في نهاية المطاف تسع سنوات من محاربة التمرد دون الانخراط في حوار جاد لإعادة هذه العناصر إلى الحظيرة السياسية. ولم يزد ذلك الطالبان إلا قوة. بذلك يرتكز الاستقرار في أفغانستان على إعادة تقييم عدم فاعلية توجه القوة القاسية وتحول لا مناص منه نحو الاستخدام النشط للقوة الناعمة لتحقيق الأهداف السياسية طويلة الأمد. إن أفضل السبل لمساعدة حكومة كابول على إعادة الاستقرار إلى الدولة هو مساندة إستراتيجية المصالحة الكاملة، والتي تنطوي على مد يد المصالحة نحو كبار قادة الطالبان.

ثالثاً، يحتاج جميع اللاعبين الرئيسيين، بمن فيهم حكومات أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة وحلفاء الناتو، ضمن آخرين، للتأكيد على التطور الاجتماعي الاقتصادي وإعادة الإعمار وبناء المؤسسات والتعليم وحقوق الإنسان في أفغانستان.

وأخيراً فإن استغلال الخلافات العرقية لأجل المصالح السياسية من قبل اللاعبين الإقليميين والمشاركين من الداخل هو أمر يجب احتوائه من قبل الولايات المتحدة. يتوجب على قادة الأكثرية والأقليات الأفغانية أن يعملوا معاً لتحقيق السلام في أمّتهم الممزقة.

لن يؤدي العنف المستمر والانخراط العسكري طويل الأمد إلا إلى المزيد من الدمار للمجتمع الأفغاني. سوف يمهد دعم الجهود الأفغانية لتسوية الخلافات الداخلية وتقوية مؤسسات الدولة الأفغانية، الطريق نحو الاستقرار على المدى البعيد. لا يستطيع لا الأفغان ولا المجتمع المحلي السماح لأفغانستان أن تصبح ملاذاً آمناً للإرهابيين.

شكرية ديلاوار
حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2010

شكرية ديلاوار: محللة مستقلة تقيم في العاصمة الأمريكية .

قنطرة

حوار مع وزير الخارجية التركية الأسبق حكمت تشيتين حول أفغانستان:
"الغرب لا يفهم طبيعة المجتمع الأفغاني"
أين تكمن المشكلات الكبرى في عملية إعادة إعمار أفغانستان وما الأخطاء التي ارتكبتها الدول الغربية في تعاملها مع الصراع الأفغاني؟ وما سر متانة العلاقات بين تركيا وأفغانستان؟ وزير الخارجية التركية الأسبق والذي عمل أيضا ممثلا سابقا لحلف شمال الأطلسي "ناتو" في أفغانستان، حكمت تشيتين، يتحدث عن هذه القضايا وغيرها في حوار مع عائشة كارابات.

حوار مع وزير الخارجية الأفغاني رانجين دادفار سبانتا:
"لن ندع حركة طالبان والإرهابيين يخيفوننا"
يتحدث وزير الخارجية الأفغاني، رانجين دادفار سبانتا، في هذا الحوار الخاص مع لؤي المدهون عن عدة قضايا تتعلق بحاضر أفغانستان ومستقبلها، لاسيما الانتخابات الرئاسية المقبلة والاستراتيجية الأمريكية الجديدة في البلاد ومعضلة التعامل مع حركة طالبان، بالإضافة إلى المجتمع المدني في أفغانستان.

المصوِّرة الإعلامية أورسولا مايسنر:
"أفغانستان - ورد وخشخاش وثلاثون عامًا من الحرب"
قوم المصوِّرة الإعلامية الألمانية أورسولا مايسنر منذ منتصف الثمانينيات بجولات عبر أفغانستان، حيث رافقت المجاهدين متنكِّرة بزيِّ رجل طيلة أسابيع عبر المناطق الجبلية. وهذه المصوِّرة الألمانية خبيرة بهذا البلد وتجتاز بصورها المظهر الخارجي للحرب الدائرة فيه. بترا تابيلينغ أجرت معها الحوار التالي.