هل العراق عامل محفّز لتقارب الولايات المتحدة مع سوريا؟

يرى أستاذ العلوم السياسية وعضو هيئة الباحثين في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة دمشق، مروان قبلان، أنه يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية وسوريا الاتفاق على إستراتيجية شاملة للتعاون حول تحقيق استقرار العراق، ويعتبر أن عودة السفير الأمريكي إلى سوريا يعني نهاية خمس سنوات من العلاقات الباردة بين البلدين.

صورة رمزية عن العلاقات الأمريكية السورية، الصورة أ ب
انفتاح أمريكي مشروط على سوريا، وتفاؤل بعودة الدفء إلى العلاقة بين واشنطن ودمشق.

​​ عيّنت إدارة الرئيس باراك أوباما، بعد خمس سنوات من العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وسوريا، سفيراً جديداً لها في دمشق، هو نائب السفير الأمريكي الحالي في العراق روبرت فورد. ويُظهِر هذا التعيين الأهمية المركزية للعراق في العلاقات الأمريكية السورية، فقد دقت الحرب الأمريكية على العراق إسفيناً عميقاً بين البلدين، ولكن يبدو أن المصالح المشتركة حول العراق أصبحت اليوم القوة المحرّكة الكامنة وراء هذا التقارب.

عندما قرّرت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش غزو العراق عام 2003، عارضت سوريا بشكل علني تلك الخطة. وشعرت سوريا أن الولايات المتحدة تستهدفها بذلك، بما أن المحافظين السياسيين في واشنطن كانوا يشجّعون تغيير النظام في دمشق، فقامت بدعم المقاومة للاحتلال الأمريكي. اتهمت الولايات المتحدة كذلك سوريا بالسماح للمقاتلين الأجانب بعبور الحدود إلى العراق وباستضافة كبار مسئولي النظام العراقي السابق.

إلا أن سوريا بدأت في صيف عام 2004 تعيد النظر في سياستها. فقد أدى العنف المتزايد في العراق والتأثير المتنامي للمجموعات المتطرفة مثل القاعدة بسوريا لأن تضع أهمية أكبر على المساعدة في استقرار الوضع في العراق بهدف الحد من تأثير الحرب.

في خريف عام 2005 عززت سوريا وجودها العسكري على الحدود العراقية وقامت بنشر 7000 جندي إضافي لوقف المتسللين الذين يحاولون الانضمام إلى التمرد ضد الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك وكمؤشر على حسن النية، سمحت سوريا للمرشحين للانتخابات العراقية بالقيام بحملاتهم الانتخابية بين حوالي 1,5 مليون لاجئ عراقي في سوريا، وهو خروج واضح عن السياسة السورية السابقة التي عارضت الغزو الأمريكي للعراق وكل ما نتج عنه، بما في ذلك الانتخابات.

اهتمام سوري بالحفاظ على وحدة العراق

وفي العام 2006 اعترفت سوريا بحكومة نوري المالكي في العراق وأعادت إنشاء العلاقات الدبلوماسية مع بغداد. وبدأ المراقبون وبشكل متزايد رؤية التوافق وأحياناً المصالح المتداخلة بين الولايات المتحدة وسوريا.

وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، الصورة بيكتشر اليانس
وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون تشترط على دمشق قطع علاقاتها مع طهران مقابل الانفتاح عليها

​​ ومنذ منتصف عام 2007 بدأت سوريا والولايات المتحدة، بغض النظر عن الخطاب العدائي، بحث مصالح مشتركة تتعلق بالعراق. في هذا المجال بالذات، يمكنهما زيادة تعاونهما ووقف تدهور العلاقات بينهما.

ومنذ ذلك الوقت بدأت سوريا تُظهر اهتماماً حقيقياً بإنشاء حكومة مركزية قوية في بغداد. كان ذلك بالنسبة لدمشق متطلباً رئيسياً لمنع تفتت العراق وظهور دويلات صغيرة على أسس طائفية على حدودها. ولهذا السبب، قامت سوريا بالضغط من أجل شمول الفصائل السنية الرئيسية في العملية السياسية في العراق. وكانت الفكرة أن وجود معادلة من السلطة والتشارك في الثروة هو أمر أساسي من أجل إدخال كافة الأطراف المعنية في عملية مصالحة وطنية.

دافعت سوريا كذلك عن مراجعة قانون اجتثاث البعث في العراق، وذلك للسماح لبعض أعضاء حزب البعث السابقين ومعظمهم من السُنّة من المشاركة مرة أخرى في الحكم، وهو متطلب مسبق لعملية مصالحة وطنية شمولية.

تشعر سوريا بالقلق من جرّاء نشاطات المجموعات المتطرفة في العراق وتخاف من أن يمتد العنف إلى أراضيها. فقد يتحوّل العراق، بالنسبة لسوريا، إلى أرضٍ خصبة للمتطرفين. لذا، لا تبذل سوريا أية جهود لإخفاء عدم رضاها عن السياسات التي تعمل على رعاية الطائفية والفدرالية، فتُعارض المحاولات التي تقوم بها فصائل شيعية رئيسية، مثل المجلس الأعلى للقوى الإسلامية في العراق، لإنشاء مقاطعة شيعية في جنوب العراق. قامت سوريا كذلك بالتنسيق مع تركيا للحفاظ على وحدة العراق وسيادة حدوده.

توافق سوري أمريكي حول سير الانتخابات البرلمانية العراقية

الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الإيراني أحمدي نجاد، الصورة أ ب
الرئيس السوري مع نظيره الإيراني، علاقات إستراتيجية وتنسيق مستمر لمواقف

​​ وبدا قبيل الانتخابات العامة الأخيرة في العراق أن سوريا والولايات المتحدة توافقان إلى حد ما على نفس السياسات في ما يتعلق العراق: التشجيع على شمول كافة الأحزاب السياسية في العملية الانتخابية والعمل على توفير مستوى معقول من الاستقرار والأمن ومنع العنف الطائفي أو التقسيم حسب خطوط عرقية. وتأمل سوريا كذلك برؤية انسحاب سلس للقوات الأمريكية حسب البرنامج المعدّ لذلك في الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية.

هناك بالطبع عدد من الخلافات بين الولايات المتحدة وسوريا، مثل الخلاف حول سرعة الانسحاب من العراق وارتباطات سوريا القوية بعناصر من النظام العراقي السابق. إلا أن هذه الخلافات يمكن التغلّب عليها، وخاصة بعد التطورات الإيجابية الناتجة عن الانتخابات العامة التي جرت في 7 آذار/مارس في العراق، بما فيها الأداء القوي للقوى الوطنية والعلمانية.

وبالطبع أيضاً، يتوجب على الدولتين الاتفاق على إستراتيجية شاملة للتعاون حول تحقيق استقرار العراق، وهي فرصة للسفير الأمريكي الجديد إلى سوريا لإنهاء خمس سنوات من العلاقات الباردة.

مروان قبلان ـ دمشق

حقوق النشر: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية 2010
www.commongroundnews.org

* الدكتور مروان قبلان كاتب وأكاديمي سوري، يعمل أستاذا في كلية العلوم السياسية في جامعة دمشق، وهو عضو هيئة الباحثين في مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة دمشق والمحرر التنفيذي للمجلة الفصلي: "L’Observateur de l’Orient وعضو هيئة تحرير مجلة دراسات إستراتيجية الصادرة عن جامعة دمشق.

مراجعة: عماد مبارك غانم / قنطرة 2010

قنطرة

الديمقراطية العراقية سبعة أعوام بعد سقوط نظام صدام حسين
تحديات عسيرة وآفاق مستقبلية غامضة

صور جابت العالم حينها وهي تظهر شباباً عراقيين يسقطون بمساعدة جنود أمريكان التمثال الضخم للطاغية في ساحة الفردوس وسط بغداد. لكن موجة الحماس بالتخلص من النظام الديكتاتوري سرعان ما تلاشت ليحل محلها شعور بخيبة الأمل والقلق مما يخبئه المستقبل. ناجح العبيدي في قراءة لسير التجربة الديمقراطية في العراق بعد سبعة أعوام من إسقاط نظام صدام حسين.

نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية
سباق محموم وصراع ضار على المناصب

أفرزت النتائج الأولية للانتخابات العراقية منافسة قوية بين قائمتي المالكي وعلاوي وسط اتهامات متبادلة بالتزوير ومطالبات بإعادة فرز الأصوات. والسؤال الحاسم من سيتولى منصب رئيس الوزراء والمناصب السيادية الهامة الأخرى. ناجح العبيدي يسلط الضوء على معالم خارطة التحالفات المحتملة للمشهد السياسي العراقي.

دراسة مؤسسة كارنيغي حول الديمقراطية في العالم العربي:
"سحر الديمقراطية رغم الحقبة البوشية"

أجرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي الأمريكية دراسة شملت سبع دول عربية حول رأي مواطني هذه الدول في نظام الحكم الديمقراطي وموقفهم من السياسات الأمريكية. راينر زوليش، رئيس قسم راديو دويتشه فيله العربي، في قراءة لنتائج الدراسة.