مسرحية انتخابية تونسية على الطريقة السوفيتية

أعيد انتخاب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لولاية رئاسية خامسة حيث أظهرت النتائج النهائية، التي أعلنتها وزارة الداخلية التونسية حصوله على نسبة 89.62 بالمائة من إجمالي أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما يثير الكثير من الأسئلة حول واقع ومستقبل الديمقراطية في هذا البلد. الروائي والصحفي الجزائري حميد سكيف في تعليق نقدي على المشهد السياسي التونسي الراهن.

الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، الصورة أ ب
يمسك الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بمقاليد السلطة في تونس منذ اثنين وعشرين عاما.

​​يمسك الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بمقاليد السلطة في تونس منذ اثنين وعشرين عاما، وفي سن الثالثة والسبعين، "يظفر" مرة أخرى بولاية خامسة، ولاية لن تكون الأخيرة كما يؤكد المعلقون السياسيون، ولم لا ولاية سادسة وسابعة وثامنة؟ يزايد آخرون، وإلى ما لا نهاية يطالب البعض، أو مدى الحياة، دون انقطاع بسبب الشيخوخة كما وقع مع الحبيب بورقيبة، مؤسس الجمهورية الوحيدة في العالم، التي اعتلى السلطة فيها رئيسان طيلة اثنين وخمسين عاما حتى الآن.

ولكن بعيدا عن هذه التفاصيل التي لا قيمة لها، فإن المفاجأة الكبيرة لهذا الاقتراع الأخير، الذي عرفته تونس يتمثل في النتيجة التي أسفر عنها والتي لم يكن بالإمكان تصورها من قبل، تلك النتيجة التي حققها الرئيس في مواجهة "أرانب السباق" التي تم تجنيدها لتسلية الجمهور.

إن الأمر أشبه بزلزال، بصدمة لم نقس حتى الآن مداها وعواقبها. "ثورة تنبئ بربيع ديمقراطي" يقول في ذكاء أعضاء قدامى في نظام زين العابدين بن علي. كيف نفهم أو نتقبل أن يقنع الرئيس بنتيجة تسعة وثمانين فاصلة اثنين وستين في المائة من أصوات الناخبين وهو الذي حصل على نتائج سوفيتية من قبل: تسعة وتسعين فاصلة سبعة وعشرين سنة 1989 وتسعة وتسعين فاصلة واحد وتسعين سنة 1994 وتسعة وتسعين فاصلة أربعة ،وأربعين سنة 1999 وأربعة وتسعين فاصلة تسعة وأربعين سنة 2000 ، ليجد نفسه فجأة في سقوط حر مع النتيجة غير المتصورة تسعة وثمانين في المائة. لكن إذا حدث ذلك فلأنه يريده، كما يقول العارفون بشؤون الحكم، وهو رأي له ما يسنده،. فحاكم قصر قرطاج الشهم منح "لمنافسيه" بعضا من بطاقات الاقتراع حتى لا يفرط في إهانتهم.

هزلية المشهد السياسي التونسي

رقابة الإنترنت، الصورة دويتشه فيله
يفرض النظام التونسي رقابة صارمة على شبكة الإنترنت

​​وبسبب تواضعه تنازل عن اللجوء إلى القضاء لاسترجاع هذه الأصوات، التي تعود إليه في الأصل. فهو يعرف أن الشعب يقضي تحت الدبابات من أجله، بل ليس الشعب وحده، فمثقفون مشهورون مثل مزري حداد، فيلسوف الخدمة الألمعي، مستعدون لأن يقطعوا جسدهم إلى أربع بل وإلى ثمان. إنهم يعلنون أن زين العابدين بن علي شخصية عبقرية. لقد أنقذ تونس من كل الأخطار التي كانت تتهددها وصنع منها واحة مسالمة يضرب بها المثل في الغرب. ففي هذا البلد لا نعذب السجناء، بل نداعبهم فقط. بل لا يوجد هناك سجناء رأي على غرار الدول المجاورة، لأنه لا وجود أصلا لرأي. كما لا نصادر كتبا كما نفعل في الجزائر.

كما لن تخطر لأحد فكرة أن يكتب كتابا عن الرئيس ولا حتى رسم كاريكاتير عن ابن عمه كما حدث في المغرب. ومن يملك هذه الشجاعة فهو أحمق ويتوجب سجنه بسرعة في ملجأ.. طبعا هناك بعض الصحفيين النزقين الأجانب، الذين يحشرون أنفهم في القضايا التي لا تهمهم، لكنهم لا يمثلون شيئا في نهاية المطاف. إذ يتم طردهم بسرعة وتنظم حملات نشطة ضدهم، أما الصحفيين المحليين فيتم قمعهم بطريقة محلية يملك النظام كل توابلها.

توفيق بن بريك، صحفي، دفع مؤخرا ثمن ديمقراطية بن علي. لقد ثم إلقاء القبض عليه لأنه اصطدم بسيارته مع سيارة امرأة، اتهمته بعدها بضربها وشتمها، ليودع السجن مجددا. وبذلك يدفع الصحفي ثمن مقالاته عن الحملة الانتخابية الرئاسية الرائعة التي سبقت الانتخابات.، شأنه في ذلك شأن زميله سليم بوخدير، مؤسس جمعية الحرية والعدالة أو هذا الشاب، زهير مخلوف، الذي سجن بسبب ريبورتاج عن المنطقة الصناعية في نابل أنجزه لصحيفة إلكترونية.

نظام بن علي: نظام بوليسي ولغز سياسي

الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، الصورة أ ب
أعيد انتخاب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي لولاية رئاسية خامسة بعد حصوله على نسبة 89.62 بالمائة من إجمالي أصوات الناخبين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

​​نعرف أن إضرابات عمال المناجم في صيف 2008، في منطقة المناجم بقفصة والقمع العنيف الذي أعقبها، قد عرف طريقه إلى الرأي العام العالمي بفضل الانترنت وصور الفيديو، ولهذا يخاف النظام من الانترنت التي يراقبها بشدة. وهو يسجن بشكل ممنهج أولئك الذين يريدون استعماله للدفاع عن الحريات وتسويد صورة الملصقات الإشهارية لبلد تعد السياحة من أكبر مصادره المالية. في حين يعود قسم آخر من المداخيل إلى المساعدات المادية التي يتوصل بها النظام من الدول الغربية والعربية و المنظمات الدولية. وقد وضع النظام، وعبر الجمعيات التونسية أيضا، إستراتيجية حقيقية للسيطرة على هذه الأموال الممنوحة إلى هذا التلميذ النجيب، الذي حصل على نقاط جيدة، أما ما تبقى فإن الغرب يغلق أعينه أمامه.

أحد مراكز الاقتراع في تونس، الصورة أ ب
"استنادا إلى آراء كبار علماء السياسة، فلا أحد يفهم حتى الآن، وطبعا ما عدا الاستراتيجيين الغربيين، سياسة بن علي. إنها سياسة براغماتية، تقوم على فلسفة أمنية أشبه بنظام بوليسي"

​​لكن واستنادا إلى آراء كبار علماء السياسة، فلا أحد يفهم حتى الآن، وطبعا ما عدا الاستراتيجيين الغربيين، سياسة بن علي. إنها سياسة براغماتية، تقوم على فلسفة أمنية أشبه بنظام بوليسي، تهدف إلى الدخول في هدوء بتونس إلى الألفية الثالثة عن طريق حقن البلد بحقنات متجانسة من الديمقراطية. وهو ما يفسر تراجع النتيجة التي حصل عليها الرئيس في الانتخابات، وهي نتيجة ستتراجع من ولاية إلى أخرى بشكل يسمح للناخبين أن يتذوقوا باستمرار الديمقراطية المسئولة ولبن علي وأسرته، منقذوا تونس المعاصرة، أن يكملوا فرض سيطرتهم على الاقتصاد في وقت يظل فيه الشباب بدون عمل وترتفع فيه نسبة البطالة لتصل وفق أرقام رسمية أربعة عشر في المائة.

ولا نحتاج لمعرفة كبيرة حتى ندرك أن هذا الرقم يحتاج إلى تصحيح، لكن كلمة شرف، الرئيس المنتخب مرة أخرى سيعمد إلى تصحيحه، سيضربه بعصا على رأسه لكي يعود به إلى مستوى أكثر تواضعا. لقد استعمل الطريقة نفسها، وبنجاح كبير، ضد معارضة ضعيفة الإرادة. ومع ذلك فإن بن علي يفي بوعوده، ولأجل دعمه في مهمته النبيلة لا يحلم الشباب التونسيون، وعلى غرار أشقائهم الجزائريين أو المغاربة إلا بشيء واحد: عبور البحر الأبيض المتوسط حتى لا يحولوا دون أن يرشح الرئيس نفسه في الانتخابات الرئاسية ما رغب في ذلك!

حميد سكيف
ترجمة: رشيد بوطيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

حميد سكيف روائي وإعلامي جزائري معروف.

قنطرة

حوار مع الباحثة آمال قرامي حول حقوق المرأة في تونس:
عودة إلى الأصولية - أم سير نحو إسلام معاصر؟

كان ينظر إلى تونس على أنها من أكثر البلدان العربية والإسلامية التي قطعت شوطا متقدما فيما يتعلق بحقوق المرأة ومثالا في الانفتاح، إضافة إلى نشاط الحركة النسوية في هذا البلد. بيد أن أفكار المحافظين الجدد والإسلامويين أخذت تجد طريقها إلى المجتمع التونسي، لاسيما عند الفتيات. بيآت شتاوفَر تحدَّث حول ذلك إلى الباحثة التونسية، الدكتورة آمال قرامي.

السلطة الشمولية أمام تحدي استقلال القضاء:
تونس ومصر نموذجا

اعتصم القضاة في مصر بنادي القضاة بالقاهرة كآخر شكل من أشكال الاحتجاج، كما يعتصم المحامون بدار المحاماة بتونس بعد أن تجاوزت السلطة كل الحدود في عدم إقامة أي اعتبار لشأنهم. لقد تنامى دور السلطة القضائية في البلدين بعد انحسار الأمل في قيام سلطة تشريعية حقيقية، حسب رأي المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان المختار اليحياوي.

حملة ضد الصحفية وناشطة حقوق الإنسان سهام بن سدرين:
أساليب نظام زين العابدين بن علي

تواجه الصحفية وناشطة حقوق الإنسان سهام بن سدرين حاليا حملة شعواء من طرف أجهزة السلطة التونسية، في ظل اللامبالاة العربيبة. تعليق حميد سكيف.