منظمات إنسانية بأجندات سياسية؟

يعتبر "تحالف أنقذوا دارفور"، الذي يتكون من 180 مجموعة حقوقية إسلامية ومسيحية ويهودية، أبرز تجمع للمنظمات الدولية التي تعمل على التحرك الدولي لوقف ما تسميه بــ"الإبادة الجماعية في دارفور". هذا التحالف يواجه انتقادات مختلفة بوصفه يحمل أجندة سياسية أكثر منها إغاثية. كلاوديا منده تعرفنا بهذا التحالف والجدل حوله.

جورج كلوني في مشاركته في هذا التحالف، الصورة: ا.ب
"ظل تحالف أنقذوا دارفور يسعى على مدى سنوات لحث حكومة الولايات المتحدة على التدخل العسكري في السودان للحيلولة دون وقوع أول إبادة جماعية في القرن الواحد والعشرين"

​​ لا توجد منطقة أزمات في إفريقيا تحظى باهتمام عالمي مثل دارفور. ففي غرب السودان على الحدود مع تشاد أدى تمرد مسلح ضد الحكومة المركزية في الخرطوم عام 2003 إلى قيام الحكومة العسكرية الإسلامية بحرب طاحنة عانى منها المدنيون بوجه خاص. وفي أمريكا تحولت منظمة "سيف دارفور" إلى حركة جماهيرية للدفاع بشدة عن دارفور، وعلى الرغم من ذلك يرمي النقاد هذه المنظمة بأن حركتها لا تقدم إلا القليل للسودان.

وقد دأبت الجانجويد، على وجه الخصوص، وهي ميليشيا راكبو الجِمال، بإرهاب المدنيين منذ 2003، حيث تقوم بالهجوم على سكان القرى وقتلهم، وتقوم في الوقت نفسه بتدمير آبار المياه وتخريب الأراضي الزراعية حتى تجعل زراعتها مرة أخرى صعبة. هذه الميليشيا تسلحها الحكومة الإسلامية في الخرطوم، وتقوم بتنفيذ أعمالها بناء على أوامر مباشرة من الخرطوم، كما يساندها الجيش النظامي دائما بقصف المتمردين بالقنابل. وضحايا الجانجويد هم على وجه الخصوص من تلك الجماعات العرقية التي يُجنّد منها المتمردون.

لكن هناك خلاف حول عدد الضحايا الذين لقوا حتفهم خلال المواجهات المسلحة، وذلك لأن الوضع في دارفور – مقارنة بالمستوى الإفريقي - يتعلق بمنطقة ذات مرافق متخلفة كان سكانها في أيام السِّلم يكافحون من أجل لقمة العيش. وقد بلغ عدد ضحايا العنف ذروته ما بين 2003 و2004، أما منذ 2005 فمعظم حالات الوفاة بسبب الملاريا وسوء التغذية والأمراض المعوية.

تحالف "أنقذوا دارفور"

شعار التحالف
يشارك في تحالف "أنقذوا دارفور" منظمات مسيحية ويهودية وبعض المنظمات الإسلامية، مثل المؤتمر الإسلامي الأمريكي والمنظمة الإسلامية في شمال أمريكا

​​

وفي عام 2005 كان تحالف"أنقذوا دارفور"، المؤسسة حديثا، تحمست للبدء في العمل، واندمج ما يزيد على 180 مجموعة لتكوين تحالف من أجل دارفور، منها منظمات مسيحية ويهودية وبعض المنظمات الإسلامية، مثل المؤتمر الإسلامي الأمريكي والمنظمة الإسلامية في شمال أمريكا، وهؤلاء جميعا لديهم ميزانية تبلغ نحو تسعة ملايين دولار. والقائمون على الأمر، البالغ عددهم 25 شخصا، يعملون في المقر بواشنطن، ونشاطهم يقتصر على التأثير السياسي، حيث ظل هذا التحالف يسعى على مدى سنوات لحث حكومة الولايات المتحدة على التدخل العسكري في السودان "للحيلولة دون وقوع أول إبادة جماعية في القرن الواحد والعشرين".

وقد دأب نجوم الهوليود، أمثال جورج كولوني وميا فارو على دعم منظمة "أنقذوا دارفور"، حيث قام الممثلان عدة مرات بزيارة دارفور ومعسكر اللاجئين على الحدود مع تشاد، وقد ساهمت زياراتهم في ذيوع صيت هذه المنظمة في الولايات المتحدة. وصامت ميا فارو 21 يوما عام 2009 من أجل دارفور عندما قامت حكومة البشير في الربيع بطرد 16 منظمة إغاثة من دارفور. وقد كان ذلك ردا من الحكومة بالمثل على إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر البشير. وعلى الرغم من أنه ليس هناك شك في أن هذا التحالف يعمل في وضوح تام إلا أن النقّاد يرمونه بأنه يتعامل مع الصراع بتحيز وأن لديه أحكام مسبقة تجاه المسلمين والعرب ولا يساهم في حل الصراع.

انتقادات

لاجئو دارفور، الصورة: ا.ب
"دأبت ميليشيات الجانجويد منذ 2003 على إرهاب المدنيين، حيث تقوم بالهجوم على سكان القرى وقتلهم، وتقوم في الوقت نفسه بتدمير آبار المياه وتخريب الأراضي الزراعية حتى تجعل زراعتها مرة أخرى صعبة"

​​ يعتبر محمود ممداني من جامعة كولومبيا بنيويورك من أشد النقّاد لمنظمة "أنقذوا دارفور"، حيث قال عنها هذا الأوغندي الأصل ومن كبار المفكرين الأفارقة في الولايات المتحدة أمام مجلة نيويورك تايمز: "إنني ضد أولئك الذين يبدلون الحقائق بالطمأنة المعنوية ويتصرفون تصرفا حميدا على الرغم من أنهم لا يدرون شيئا". وفي كتابه الجديد "المنقذون والناجون، دارفور والسياسة والحرب على الإرهاب" يرمي محمود ممداني تحالف "أنقذوا دارفور" بتطبيق نموذج الحرب في جنوب السودان بكل بساطة على الموقف في دارفور. ففي الحرب الأهلية الطويلة الأمد في جنوب أكبر دولة إفريقية مساحة تكمن خطوط الصراع بين الحكومة العربية الإسلامية في الشمال وحكومة مسيحية وثنية ذات طابع إفريقي زنجي في الجنوب.

لكن في دارفور لا يمكن تطبيق النموذج العربي ضد الأفارقة، حسبما يؤكد ممداني، ذلك لأن الجانجويد يتألفون من بدو عرب وغير عرب، وفي الوقت نفسه فالسكان جُلهم مسلمين تقريبا ولهذا فلا وجود للجانب الديني كأحد الأسباب. إن أسباب الصراع تكمن بالأحرى في الأزمة البعيدة الأثر التي وقعت للبدو ولم يتعافوا منها منذ حالة القحط والجدب الذي حلّت بمنطقة الساحل قبل أربعة عقود.

الضحايا العرب

عنصر من الجنجاويد، الصورة: ا.ب
"هذا التحالف صرف النظر مطلقا عن وجود عرب بين ضحايا هذا الصراع"

​​ كما تشك الصحفية البريطانية جولي فلنت والعالم ألكس دى وال من مجمع أبحاث العلوم الاجتماعية، وكلاهما ذو خبرة طويلة بالشئون السودانية، في جدوى منظمة "أنقذوا دارفور" لتكرار الموقف في غرب السودان. ففي كتابهما الجديد "دارفور: تاريخ جديد لحرب طويلة" – الذي سيظهر باللغة الألمانية 2010 – ينتقدان إسهام هذه المنظمة في تخويف العرب، ويذكر الكاتبان على وجه التحديد "أن هذا التحالف صرف النظر مطلقا عن وجود عرب بين ضحايا هذا الصراع"، ولم تظهر أُولى التقارير شيئا عن الضحايا العرب في وسائل الإعلام إلا عام 2006، لهذا لم يحظ الضحايا العرب برعاية منظمات الإغاثة، وأن ميليشيات دارفور التي تتفكك منذ 2003 إلى أجنحة ومجموعات فرعية صغيرة قاموا أيضا بانتهاك حقوق الإنسان وليسوا غير مذنبين في عدم التوصل إلى حل سياسي لدارفور. كما أن تهوين منظمة "سيف دارفور" للصراع أعطى الحكومة العسكرية في الخرطوم ذريعة لعرقل عمل منظمات الإغاثة في المنطقة.

وترى انيته فيبر من مؤسسة العلوم والسياسة في برلين أن هذا المأخذ مبالغ فيه. وعلى الرغم من أنها تشارك الرأي في نقد "تحالف أنقذوا دارفور" من حيث المبدأ، إلا أنها ترى أن إعاقة عمل منظمات الإغاثة أو طردها من غرب السودان لا يمكن أن يُُنسب إلى التحالف. وتؤكد هذه العالمة "أن الحكومة في الخرطوم أعاقت عمل منظمات الإغاثة بما فيه الكفاية، وهي بالتأكيد ليست بحاجة في أن تتخذ من "تحالف سيف دارفور" ذريعة لذلك.

أهمية الحل الداخلي للصراع

وعلى الرغم من ذلك تنتقد انيته فيبر وجهة نظر النشطاء في السودان، التي تقول "أن منظمة أنقذوا دارفور' تصورها واضح عن الصراع في دارفور وهو أن المجرم هو الضحية"، والموقف لا يسمح بإلقاء اللائمة على طرف واحد.

واليوم تعتبر دارفور أبعد ما يكون عن الحل السياسي، في حين أن السلام بين الشمال والجنوب عاد إلى التزعزع مرة أخرى، وبناء عليه فإن مستقبل السودان لا يزال مجهولا. من المؤكد أن المرء لا بد أن يتخلى عن الحلول البسيطة مثل التدخل العسكري من الخارج. وفي هذا الخصوص كتب ألكس دى وال في مدونته الالكترونية "من الأخطاء الفادحة لـ'تحالف أنقذوا دارفور' أنه يرى وجود الحل في التدخل العسكري من الخارج. ولكن إذا أراد المرء حلا لدارفور فيجب أن يأتي من داخل السودان وأن يكون مناسبا لتحديات الهيكل السياسي في السودان".

كلاوديا منده
ترجمة: عبد اللطيف شعيب

محمود ممداني: "المنقذون والناجون، دارفور والسياسة والحرب على الإرهاب"، نيويورك 2009

جولي فلنت وألكس دى وال: "دارفور: تاريخ جديد لحرب طويلة"، لندن ونيويورك 2009

قنطرة

خيارات السودان أمام مذكرة توقيف البشير:
العرب خارج نظام العدالة الدوليّة
يري الخبير الإعلامي والمحلل السياسي اللبناني لدى "مجموعة الأزمات الدوليّة" نديم حاصباني أنّ النخب العربية تضع أنفسها خارج نظام العدالة الدوليّة من خلال دفاعها عن الرئيس السوداني البشير، وتتصرّف وكأن العدالة تستهدفها بدلا من أن تُساعدها على إحقاق العدل لما فيه خير ومصلحة شعوبها.

أوجه الإنكار العربي لمأساة دارفور:
إنها معاييرنا المزدوجة!
لماذا تظل قضية دارفور خارج نطاق اهتمام السياسة والإعلام العربيين بالمقارنة مع قضايا نزاعات المشرق العربي؟ بقلم معتز الفجيري ورضوان زيادة.

جيرار برونيير:
دارفور أو الإبادة الجماعية "بمفهوم قابل للتأويل"
أحاسيس الغضب تنتاب جيرار برونيير. هذا ما يتضح من خلال قراءة كتابه حول الحرب الدائرة في دارفور. إنه يشكو هناك من عدم وجود اهتمام لدى المجموعة الدولية بالنظر لهذا النزاع على محمل الجدية. بقلم انيتي فيبر.