مؤتمر الانقسامات....مهرجان المقاطعات

يرى أندرياس تسوماخ الخبير لدى الأمم المتحدة في مقالته التحليلية الأتية أن عقد مؤتمر دولي لحل الصراع الشرق أوسطي قد يكون أجدى وأنفع من مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية "ديربان 2" الذي تستضيفه جنيف.

يرى أندرياس تسوماخ الخبير لدى الأمم المتحدة في مقالته التحليلية الآتية أن عقد مؤتمر دولي لحل الصراع الشرق أوسطي قد يكون أجدى وأنفع من مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية "ديربان 2" الذي تستضيفه جنيف.

من الممكن أن يخيِّم صراع الشرق الأوسط على مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية الذي بدأت أعماله في جنيف ويهدده بالفشل النهائي، شأنه في ذلك شأن معظم مؤتمرات الأمم المتحدة التي عُقدت في الماضي. فبعض الدول أعلنت عزمها عن مقاطعة المؤتمر والبعض الآخر هدد بذلك. بهذا تُصبح إمكانية إجراء مناقشات بنّاءة حول العنصرية في جنيف منعدمة. وقد يكون من الأفضل عدم انعقاد المؤتمر الآن، وعوضا عنه يتم الدعوة إلى مؤتمر حول حلّ الدولتين لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

على الدول الـ192، الأعضاء في الأمم المتحدة، تقييم مدى تحقق الأهداف التي أقرها المؤتمر العالمي لمناهضة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وكل ما يتعلق بذلك من أشكال التعصب، الذي عُقد في ديربان في جنوب أفريقيا في العام 2001 قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر / أيلول بيومين.

نبذ الأيديولوجية

إن الدول التي نادت في مؤتمر 2001 بتنفيذ أجندة مكافحة العنصرية، مثل إيران وليبيا وكوبا وزيمبابوي، محكومة منذ سنين حُكما ديكتاتوريا، كما أنها معروفة بانتهاكها لحقوق الإنسان. وعليه فقد ساد التخوّف آنذاك من احتمال أن تتخلل بعض المواقف العنصرية والمعادية للسامية البيان الختامي لمؤتمر ديربان. وحتى إذا لم يحدث ذلك فقد كان الصراع محتدما حول ذلك قبل بدء المؤتمر لدرجة أن الولايات المتحدة وإسرائيل قرروا الانسحاب من المؤتمر. وعلى الرغم من ذلك فقد حقق المؤتمر نتائجه المرْجُوّة بشأن حقوق الإنسان.

في بيانه الختامي قام المؤتمر بنبذ الأيدلوجية العنصرية بكل أشكالها، سواء كانت تتعلق بفوارق بيولوجية أو ثقافية أو دينية بين البشر. وأدان البيان على وجه الخصوص التمييز العنصري والرق والعبودية والاستعمار. كما أضيفت حقوق الشعوب الأصلية إلى أجندة برنامج الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، منها حقوق الشعوب الإفريقية والغجر وأوضاع اللاجئين والمهاجرين. وقد تضمن البيان الختامي للمؤتمر قائمة طويلة من الوصايا التي ينبغي على الدول الأعضاء الـ192 محاولة تنفيذها. بيد أن تنفيذها سار بخطوات متثاقلة. علاوة على ذلك نشأت بعد الحادي عشر من سبتمبر / أيلول 2001 أعمال وتصرفات نمطية عنصرية، تتخذ من "الحرب على الإرهاب" والصراعات المتزايدة بين الدول الإسلامية والدول المسيحية الغربية ذريعة لها.

ملف حقوق الإنسان؟

ومع ذلك فلن تكون هناك فرصة كبيرة في مؤتمر جنيف لمناقشة هذه الموضوعات بصورة بنّاءة تهدف إلى حلّ المشاكل وتحقيق تقدّم بشأن حماية حقوق الإنسان. ويرجع ذلك إلى وجود كثير من المشاركين الذين سيعملون على استغلال المؤتمر لفرض الصراع الشرق أوسطي على جدول المناقشة. هذا النقد موجه في المقام الأول إلى الدول العربية والإسلامية بزعامة ليبيا وإيران وباكستان الذين سيوجهون الإدانة لإسرائيل بسبب سياستها الاستيطانية وحربها الأخيرة على غزة. أضف إلى ذلك أن حكومات هذه الدول ترفض أي نقد يُوجه للإسلام، كما يرفضون أيضا كل تصوّر لا يتفق مع هواهم في الشكل أو في اللغة أو في النبرة، ويعتبرونه نوعا من العنصرية" حتى يبرروا للعالم ممارساتهم الاضطهادية وقمعهم لحرية رأي المعارضة الداخلية.

مقاطعة المؤتمر بحجة نقد إسرائيل

إن الحملة التي تقوم بها ألمانيا وبعض الدول الأخرى لمقاطعة هذا المؤتمر لا تتعلق في الحقيقة بجوهر المؤتمر ولكن يُقصد بها الحيلولة دون أي نقد يُوجه إلى سياسة الحكومة الإسرائيلية وتبرير هذه السياسة. ولهذا الغرض استَعمَلت في حملتها للمقاطعة شعار الأمم المتحدة في وسائلها الإعلامية وصفحاتها على الانترنت بصورة غير شرعية.

هناك أسباب أخرى - غير تلك الفقرات التي تنتقد إسرائيل - دفعت الحكومات للتهديد في مسودة البيان الختامي للمؤتمر. فعلى سبيل المثال تتحسّب حكومة برلسكوني من مواجهة نقد لاذع بسبب تصرفاتها العنصرية تجاه اللاجئين الأفارقة والغجر. كما أن الولايات المتحدة وكندا تتوقعان التشنيع بهم – كما حدث في مؤتمر ديربان عام 2001 – بسبب تعاملهما مع السكان الأصليين الهنود الحمر. من اللافت للنظر عدم قيام إحدى الدول المنتقدة لمؤتمر جنيف بتقديم خطة دولية لمكافحة العنصرية، كما تعهدوا على أنفسهم في ديربان.

لغة المعايير المزدوجة

إن نقد التصرفات العنصرية وانتهاكات حقوق الإنسان لا تتسم اليوم بالمصداقية إلا إذا صدرت عن منظمات غير حكومية، مثل هيومن رايتس وتش أو منظمة العفو الدولية أو منظمات أخرى. وقد أضرّت حكومات الغرب التي تقودها الولايات المتحدة بمصداقيتها لدي "بقية" العالم بسبب سياستها تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على وجه الخصوص. إن "المعايير المزدوجة" التي يتبناها الغرب سهّلت على الحكومات المستبدة في العالم العربي والإسلامي نفي تهمة انتهاكات حقوق الإنسان عن أنفسهم، وأيضا نفي تهمة استغلال الصراع الشرق أوسطي كأداة للحفاظ على سلطتهم.

وفي ظل هذه الظروف لن تكون هناك إمكانية لمساومات أخرى حول تسوية لصياغة البيان الختامي لمؤتمر جنيف تقوم عليها محادثات بنّاءة. هذا ما بيّنه واقع العديد من مؤتمرات الأمم المتحدة في الماضي، التي غلب عليها أيضا صراع الشرق الأوسط وأُفسدت وتمت مقاطعتها تماما. وينطبق ذلك أيضا على المباحثات التي تمت أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي أُسس قبل ثلاث سنوات.

إلغاء مؤتمر المراجعة "ديربان 2" الحل الأمثل؟

وفي ضوء هذه المعطيات من الأفضل الآن إلغاء مؤتمر المراجعة "ديربان 2"، على أن يكون له بديل. هذا البديل ينبغي أن يكون دعوة إلى مؤتمر تابع للأمم المتحدة يؤدي إلى تسوية عادلة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني بقيام الدولتين بناء على حدود عام 1967، ومن الضروري في هذا عدم المساس بالمسودّة الأساسية لهذا المؤتمر، وهي "مبادرة جنيف" التي أقرها الفلسطينيون والإسرائيليون برعاية سويسرا في ديسمبر / كانون الأول عام 2003.

ومن خلال مثل هذا المؤتمر الشرق أوسطي يمكن – إذا أرادت حكومة أوباما - إحداث التغيرات اللازمة في الدول العربية وإسرائيل وكذلك أيضا في المنظمات الفلسطينية حماس وفتح. وبمثل هذا المؤتمر فقط يمكن الضغط على أولئك الذين يرفضون حق إسرائيل في الوجود، سواء كانوا من حماس أو آخرين، ويمكن الضغط أيضا على الأحزاب ورجال السياسة في إسرائيل الذين يرفضون إقامة دولة فلسطينية. وبهذا فقط قد تحدث تحركات جديدة على مستوى المباحثات التي أصبحت مثل الطقوس وعلى مستوى الجبهات العالمية العنيدة داخل الأمم المتحدة وخارجها. ومن دون المبادرة لعقد مثل هذا المؤتمر الشرق أوسطي سوف تزداد الحروب الدبلوماسية العديمة الجدوى، كما هو الوضع حاليا في مؤتمر جنيف لمناهضة العنصرية.

أندرياس تسوماخ
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

أندرياس تسوماخ، مواليد 1954، مراسل صحيفة "تاتس" لدى الأمم المتحدة ويقيم في جنيف، حاصل على دبلوم الاقتصاد القومي والصحافة والخدمة الاجتماعية. آخر كتاب نُشر له: "الحرب القادمة" عن دار نشر Kiepenheuer & Witsch

قنطرة

مؤتمر الأمم المتَّحدة لمكافحة العنصرية "دوربان 2" في جنيف:
التضامن الأعمى بدلاً من الحوار
بات مؤتمر الأمم المتَّحدة لمكافحة العنصرية مهدّدًا بالفشل؛ إذ تحاول دول غربية وإسلامية على حدّ سواء ومن خلال العبارات المختارة حرمان دول أخرى من حقِّها في ممارسة النقد. كما حقَّقت قوّة اللغة أيضًا في جنيف نصرًا تلو الآخر وفق تعليق كيرستن كنيبّ.

مناقشة
انتقاد إسرائيل ومعاداة الساميّة
هل يمكننا أن نفسر الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل وممارساتها في المناطق الفلسطينية بظاهرة العداء للسامية؟ هذا هو موضوع السجال التالي بين الفيلسوف البريطاني بريان كلوغ والمؤرخ الإسرائيلي روبرت فيستريش.

الاتِّحاد الأوروبي وأزمة غزة:
سياسة الكيل بمكيالين
نادرًا ما فشلت السياسة الأوروبية بشكل واضح مثلما هي الحال في محاولة إنهاء الحرب التي تدور في قطاع غزة. وبدلاً من أن يتحدث الأوروبيون بصوت واحد وبموقف متوازن، انتهج الاتِّحاد الأوروبي سياسة غير متوازنة لا تأخذ مصالح كل الأطراف بعين الاعتبار كما يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ميشائيل لودرز.