"بعد جائزة نوبل أضحت كتاباتي ظاهرة سياسية"

مع اقتراب انطلاق فعاليات معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في أكتوبر/ تشرين الأول القادم، تسلّط الأنظار في هذا المعرض على تركيا بوصفها "ضيف الشرف" لهذا العام، الأمر الذي يجعل من أعمال أورهان باموك، الحائز على جائزة نوبل للآداب، مسرحا مهما لهذا الاهتمام. أورهان باموك تحدث إلى راينر تراوبه عن هوس الإسقاطات السياسية على أدبه ومضمون روايته الأخيرة.

الروائي التركي أورهان باموك، الصورة: د.ب.ا
"آجلا أم عاجلا ستصبح تركيا جزءا من البيت الأوروبي"

​​- قبل عامين علمت بأنك مرشح قوي لنيل جائزة نوبل للآداب، بعد التكريم وحتى اليوم ما الذي تغير في حياة أورهان باموك؟

أورهان باموك: حين سمعت في البداية عن إمكانية فوزي بجائزة نوبل للآداب، ردة فعلي الأولى كانت رفضي لما قاله لي وكيل أعمالي بأن هذا الأمر سيقلب حياتي رأساً على عقب، لقد كنت على حق في جانب أن الجائزة لم تغير من نهج حياتي، حيث حافظت على عاداتي في الكتابة وضوابطي الصارمة كالاستيقاظ باكراً والالتزام بجدول أعمالي اليومي. التغيير جاء على سير حياتي عموماً، فقد أصبحت أكثر شهرة وازداد قرائي، الأمر الذي جعل رواياتي وتصريحاتي تحت المجهر، كما بالغ النقاد في تفسير أعمالي الروائية وإرهاقها بالإسقاطات السياسية.

- قبل ثلاثة أعوام في فرانكفورت وأثناء تسلمك جائزة السلام الممنوحة من اتحاد الناشرين الألمان، قلت: تركيا تحلم بالانضمام إلى أوروبا، أوروبا التي لا تكتمل هويتها دون تركيا، هل ما زلت تحتفظ بهذه الرؤية بعد هذه السنوات؟

باموك: بالطبع، رغم أن المفاوضات بين أوروبا وتركيا في السنوات الأخيرة أخذت منحاً سلبيا، فمن جانب ربما يعود ذلك إلى التوجهات اليمينية المتطرقة للبعض والطبقة الحاكمة ومؤسسة الجيش التي تسد طريق تركيا نحو الاتحاد الأوروبي، كما لا يمكن من جانب آخر غض البصر عن مقاومة بعض الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا لفكرة العضوية الكاملة لتركيا في الاتحاد.

أعترف أن القضية تعقدت ولم تعد مشرقة، لكني على إيمان كبير بأن تركيا عاجلا أم آجلا ستصبح جزءاً لا يتجزأ من أوروبا، ومع أن تعثر المفاوضات يقلقني، لكنه لا يجعلني اذرف الدموع، لأن ذلك سيؤثر على جمالية كتاباتي.

- بعيداً عن جمالية كتبك، هناك موجة تهديد من قبل جماعات قومية أو دينية متطرفة تطال كتاباً كثيرين في تركيا ومنهم أنت، هل أثّر هذا على حياتك في تركيا؟

الروائي التركي أورهان باموك، الصورة: أ.ب
باموك تعرض لملاحقات قانونية عام 2005 بتهم الإساءة للأمة التركية

​​باموك: طبعاً لقد أثّر على حياتي، فقد أصبحت محاطاً بحراس شخصيين، والعيش معهم ليس أمراً جميلاً، كما أن القلق من إمكانية التعرض لأذى من قبل بعض الدوائر اليمينية، والحملات التحريضية التي تشن ضدي من قبل بعض الصحف أمر مزعج، إلاّ أن التزامي التدريس في جامعة كولومبيا فصلاًً من كل عام، وتوقيع كتبي في دور النشر المختلفة ومشاركتي في مؤتمرات أدبية وفكرية عديدة، جعلني أقضي في نيويورك أكثر من نصف وقتي، ولا أعلم أهو لسوء الحظ أو لحسن الحظ، من يدري!.

وعلى الرغم من أن الشهرة واضطراري السفر كثيراً قد أبعدني مدة سنتين عن تركيا، إلا أنني لا أتصور نفسي بعيداً عنها، ففي اسطنبول يعاملني الناس بلطف شديد، وهناك أحيا أجواء المدينة التي أحبها ولي فيها الكثير من الذكريات والقصص، اسطنبول تلهمني دائماً للكتابة عنها.

أعتقد أنك تحاول أن تخلق توازناً بين الحياة في اسطنبول والسفر، وبين كونك رجل سياسة وكونك أديباً؟

باموك: هذا صحيح فأنا لست في منفى، مع أن الجهات التي ترهبني تعتقد ذلك، أنا مواطن تركي إن قررت أن أغادر تركيا فبإرادتي المطلقة، وإن قررت البقاء فسأبقى 365 يوماً متواصلة دون سفر. صحيح أن الحياة في نيويورك والسفر أمر جميل، لكني أرفض تصوير نفسي وكأني تائه بلا وطن أو ضحية لتركيا أو للدول العظمى. هذا الإحساس بوطني تركيا يعود لأني نشأت في ثقافة بلد لم تضطهد أو تستعمر يوماً من أحد. أنا أعيش حياتي كروائي سعيد يملك منظوره الخاص للحياة.

كاتب مشهور مثلك هل يسعى لصناعة جسور بين الحضارات؟

باموك: بناء الجسور بين الحضارات أصبح أشبه بالصورة النمطية التي لاصقتني ككاتب تركي نظراً لموقع بلدي الجغرافي المتوسطي بين الشرق والغرب، إن الأجدر بالكاتب تفهم خصوصية الثقافة في البلدان قبل القفز نحو بناء الجسور. على الكاتب الإحساس بالحياة في وطنه عبر تلمس جوانبها المظلمة وتناقضاتها وظلالها، ضعفها وتعاستها، حيثياتها المستقبلية والمشاهد غير المنطقية، طموحها وسعيها نحو المستقبل.

مهمتي ككاتب أن ألقي الضوء على تلك التفاصيل قبل أن أكون جسراً أو شيئاً شبيهاً، وبالرغم من اتجاه كتاباتي أحيانا إلى الجوانب الفلسفية، وكتابتي مقالات أحكم فيها على الثقافات المختلفة وانتقد السياسة، لكني في النهاية إنسان أديب يكتب قصصاً وروايات عن الناس ومصائرهم.

- ستقدم للقرّاء في معرض فرانكفورت روايتك الجديدة والتي أعتبرها قصة حب مدهشة، ففي روايتك "متحف البراءة" قصة فريدة تجمع بين الحياة في اسطنبول والمتاحف، كما أعتقد أنها الرواية الوحيدة في التاريخ التي لها متحفها الخاص، كيف تصف لنا عملك الأخير ؟

اسطنبول، الصورة: د.ب.أ
تشكل اسطنبول جزءا كبيرا من ذاكرة الأديب باموك ووجدانه

​​باموك: "متحف البراءة" هي سجلات توثق قصة حب الشاب كمال، 30 عاماً من الطبقة العليا بابنة عمه رائعة الجمال من الدرجة الثانية فيسون، 18 عاماً في قالب درامي تدور أحداثه عام 1975 . وبالرغم من محاولات كمال الوصول إلى قلب فيسون إلا انه يعجز في النهاية، فيقرر تخليد ذكرى حبه بها عبر اقتناء كل ما لمسته يداها، حتى أصبحت لديه مجموعة كبيرة أنشأ على أساسها متحفاً خاصاً أسماه البراءة.

في الحقيقة فإن" متحف البراءة" هو في الواقع اسم متحف حقيقي أملكه شخصياً، وقد قررت إنشاءه في بيت وقعت فيه أحداث مماثلة قبل عشر سنوات، لحفظ كافة الأشياء الخاصة والقيمة لدي خلال عملية جمع استمرت 6 سنوات، لذلك "البراءة" هو اسم لرواية ومتحف حقيقي في الوقت نفسه. مع العلم أن توأمة المتحف بالرواية أمر غير صائب دائماً، فالمتحف ليس تصويراً فنياً للرواية والرواية ليست تفسيراً للمتحف، المتحف والرواية يرويان قصة حب ولكن كلٌ من زاوية مختلفة.
ً
ولكن بصدق من الصعب زيارة المتحف ولمس مقتنياته دون أن تتراءى لنا أحداث الرواية، فالمتحف بمثابة ذكريات حية، واسمح لي أن اقتبس جملة وردت في نهاية الرواية قالها كمال "على كل إنسان أن يعي بأنه عاش حياة سعيدة"، هل يملك أورهان باموك السعادة؟

باموك: أستطيع القول بالطبع أنا أملك السعادة، فأنا سعيد من كون كتبي تترجم إلى 58 لغة، وأنا أشعر بالغبطة من ملايين القراء الذين يتلهفون لقراءة رواياتي التي أكتبها بإحساس من أعماق قلبي، أذكر أنني في 25 من العمر بحثت عن السعادة عبر ترك الرسم والاتجاه نحو الكتابة، وبدخولي عالم الكتابة حققت السعادة التي تجاوزت كافة أحلامي وتوقعاتي. أنا حقاً كاتب سعيد.

راينر تراوبه
ترجمة: ربى عنبتاوي
دويتشه فيله 2008

قنطرة

أورهان باموك في كتاب "إسطنبول: ذكريات مدينة"
مدينة تحيا بأسرارها الخبيئة
كتاب "إسطنبول" لأورهان باموك يستحضر جزءا من تاريخ مدينة البوسفور؛ كتاب جدير بالقراءة يفسح الكاتب الحائز على جائزة نوبل المجال فيه للأمكنة والأشياء لتخبر عن نفسها.

اورهان باموك وجائزة السلام:
مواقف شجاعة وأدب رفيع
تسلم أورهان باموك، الذي يعد من أشهر كتاب الجيل الجديد في تركيا، جائزة السلام 2005 لاتحاد الناشرين الألمان في باولس كيرشه في فرانكفورت. وفي كلمة التكريم أشار الشاعر والمترجم زارتوريوس إلى أن أعمال الكاتب هضمت كل التيارات الأدبية الفائتة وتمزج على نحو رائع الأساليب الشرقية بالغربية. تقرير سمير جريس

محاكمة المثقفين في تركيا
تابوات حول قضايا الأقليات
لم يتوقف سيل الدعاوى الموجهة ضد بعض المثقفين الأتراك وتبريرها بدعوى تحريض الشعب والاستهانة بسمعة الانتماء القومي التركي. فبعد القضية الموجهة ضد الروائي باموك تعين على اثنين من المستشارين الحكوميين المثول أمام القضاء منذ الأسبوع الماضي بسبب تقرير نقدي أعداه حول قضية الأقليات. تقرير كتبه غونتر زويفارت.