قدسية المصالح الوطنية العليا وتصويب المسارات

حالة الخطاب السياسي المتأزم في الساحة الكويتية لا تبشر بكثير من الخير، لاسيما في ضوء دور مجلس الأمة الذي يقوم بما لا ينتظر منه: عرقلة الإصلاحات السياسية وتعطيل مشروعات الدولة الأساسية وتأجيج الصراعات وتعزيز القبلية والطائفية. الكاتب الكويتي، أحمد شهاب في قراءة للحالة السياسية الكويتية.

الانتخابات البرلمانية الكويتية الأخيرة، الصورة: أ.ب
مجلس الأمة الكويتي أداة للإصلاح أم للتعطيل؟

​​حالة التململ السياسي التي تسود البلد من أداء نواب مجلس الأمة، أخذت بالتحول من شعور يُداخل بعض المواطنين إلى مطالبات صريحة تدعو إلى تعطيل عمل البرلمان، والعزوف عن أحد أهم منجزات الديمقراطية في العالم المعاصر. من المؤكد أن جميع المهتمين بتطوير الشأن السياسي المحلي، والحريصين على تنامي الديمقراطية في البلد، يرفضون أي عبث يستهدف تقييد البرلمان، كما يستنكفون العودة خطوات إلى الوراء بالممارسة الديمقراطية، أو المراهنة على مستقبل الحرية في البلد، لكن ثمة من يدفع نحو الحل بقوة وشراسة، ويبدو أن ثمة قناعة لدى العديد من الأطراف، الرافضين والمؤيدين، أن الحل غير الدستوري، هو خطوة لا بد من أن نصل إليها، على الرغم من المساعي الحثيثة لتجنبها.

الدافعون إلى الحل غير الدستوري، يبررون موقفهم في ما آلت إليه الصراعات الدائرة بين أعضاء المجلس بصورة خاصة، وبينهم والحكومة بصورة عامة، بالحجم الذي حول تلك الصراعات إلى عائق يُعطل التقدم التنموي للبلاد، فخلال السنوات الأخيرة، تأكد المتابعون لأداء النواب أن بعض أعضاء المجلس تحولوا من داعم للتنمية إلى مُعطل يُثقل كاهل الدولة بنزاعات مُفتعلة، ودونما مبررات تذكر، عدا الرغبة في كسب الشارع الانتخابي باستعراض القوة.

مجلس الأمة معطل للإصلاحات؟

ويخلص هؤلاء إلى أن مجلس الأمة وقف كحجر عثرة أمام تحقيق كثير من الإصلاحات السياسية في السنوات الأخيرة، وأسهم في تعطيل مشروعات الدولة الأساسية، وهو أمر مفهوم نظرا إلى طبيعة المجلس، والذي يتكون في معظمه من وجهاء، وقبليين، وطائفيين، يقدمون مصالحهم الخاصة أولا، ومصالح قبائلهم وطوائفهم ثانيا، ويتم ذلك على حساب إهمال مصالح البلد وأهلها.

ناشطات في الدعاية الانتخابية، الصورة: أ.ب
المشهد السياسي الكويتي يتأرجح بين التيارات السياسية المحافظة والليبرالية

​​
دعوة بعض أعضاء المجلس الحكومة إلى كسر القوانين، والالتفاف على النظم الرسمية، والتهديد بإقحام البلد في أزمة مفتعلة، إذا لم تستجب الحكومة إلى مطالبهم، كما حصل لدى مطالبة بعض أعضاء المجلس بالسماح بإنشاء الدواوين على أملاك الدولة، على الرغم من أنف القانون، والتلويح باستجواب الحكومة في حال إصرارها على تنظيف البلد من التجاوزات، هو دليل بالغ على سوء استخدام الموقع البرلماني. كما أن استهداف أحد وكلاء الوزارات لأسباب طائفية صرفة، على رغم نظافة يد هذا الوكيل، وشهادة الجميع بحسن إدارته للعمل في الوزارة، هو دليل آخر على محاربة وتطفيش أعضاء المجلس للكفاءات الوطنية، أضف إلى ذلك استمرار المطالبات الهامشية، وإشغال البلد في معارك وهمية لا طائل منها، ولا يستفيد المواطن من إثارتها والنفخ فيها شيئا يذكر، هو إثبات إضافي على أن أعضاء المجلس فقدوا بوصلتهم السياسية.

أما المنافحون عن الديمقراطية، فيعتقدون أن الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض النواب لا تبرر على الإطلاق الدعوة إلى تنقيح الدستور، أو التقليل من شأن ودور أعضاء مجلس الأمة، إذ يبقى وجود البرلمان ضمانة على عدم انجراف السلطة التنفيذية في إجراءات غير مقبولة على المستوى الوطني، ومساهمة السلطة التشريعية ورقابتها على أداء السلطة التنفيذية، هو بمثابة الحصانة للإبقاء على قوة وحضور الرأي الشعبي عند مصادر القرار.

وثيقة الإصلاح

الحريات الشخصية في الكويت، الصورة: أ.ب
اتهامات للتيارات المحافظة في مجلس الأمة بتعطيل تقدم الحريات الشخصية في الكويت

​​ يستذكر هؤلاء بمرارة تجربة العام 1976، عندما دعت بعض الشخصيات إلى حل مجلس الأمة تحت مبرر تعطيله للتنمية في البلد، لكن تلبية الدعوة لم تقف عند حل مجلس الأمة فحسب، وإنما تطورت إلى فرض سلسلة من القيود على حرية التجمع، وعلى حرية التعبير عن الرأي، كما أنها أدخلت البلد في أزمة سياسية داخلية طاحنة لم ينجح معها التوجه لعقد مجلس استشاري، فقد اضطربت العلاقة مع القوى السياسية، ومع جمعيات النفع العام، وتوتر الشارع المحلي ضد الإجراءات الحكومية، وضد تعسفها في استخدام السلطة.

هذا الاستذكار يرافقه قلق من الوثيقة الأخيرة التي وقعت من قبل مجموعة شخصيات بارزة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا قبل أيام، ورفعت إلى أمير البلاد، فهي في نظر المراقبين تتضمن دعوة مبطنة إلى الحل غير الدستوري. وعلى الرغم من أن بعض المشاركين في التوقيع على الوثيقة ينطلقون من رغبة صادقة في الإصلاح، فإن فكرة تعليق عمل البرلمان تُثير المخاوف من عودة البلاد إلى مرحلة الفراغ السياسي، من خلال انهيار العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والذي يؤدي غياب أحدهما بالضرورة إلى سيادة الأخرى على المشهد السياسي الداخلي، وهي مرحلة خطرة بكل المقاييس، لأنها يمكن أن توفر فرصة سانحة لأعداء الديمقراطية للتأكيد على توجهاتهم الفردية، وتهميش فكرة المشاركة السياسية، والدفع نحو مواجهة سياسية شرسة قد تُدخل البلاد والعباد في أزمات وتوترات مستمرة.

حل البرلمان يزيد الأمور تعقيدا

رئيس البرلمان الكويتي، جاسم الخرافي، الصورة: أ.ب
حل البرلمان يعقد المشكلة ولا يحلها

​​وهو ما يؤكد أن المطلوب في المرحلة المقبلة، ليس التفكير في حل البرلمان، وكتابة الوثائق بهذا الشأن، مهما حسنت نية القائمين عليها، فعلى الرغم من إقرارنا بكثرة الأخطاء الصادرة عن أعضاء مجلس الأمة، وتداخل أولويات البرلمان بصورة مثيرة للدهشة، إلا أن الحل ليس في الحل، وإنما عبر تصحيح المسار. وأعتقد أن الخطوة الأولى والصحيحة تقع في يد القوى السياسية التي لديها تمثيل في البرلمان، فهي معنية بتجميع صفوفها، وتحديد مطالبها السياسية المنسجمة مع الواقع المحلي، والمتغيرات الدولية بكل وضوح.

تحتاج البلاد اليوم إلى مبادرات جدية وجديدة تُخرجها من حالة السكون الإبداعي في الحقل السياسي، والتقدم إلى الأمام بخطوات ثابتة في بناء الديمقراطية المحلية، كما تحتاج إلى تدعيم الحرية داخل الدولة والعمل الدؤوب نحو اكتشاف الأولويات الوطنية، بدلا من الانشغال في بناء المواقع للأشخاص، أو القبائل، أو الطوائف داخل الدولة، ومن المهم في هذه المرحلة الخروج من بيع الشعارات والعناوين السياسية، فهي تجارة رابحة في السوق الانتخابية، لكنها أرهقت الجميع ودفع الوطن وما يزال يدفع ثمنها.

أحمد شهاب
قنطرة 2008

قنطرة

خريف بطاركة السلطة: إلى أين يتجه العالم العربي؟
علينا الإلتزام بالحذر في تفسير الواقع
مشاهد غير معهودة في الشرق الأوسط: مظاهرات سلمية في لبنان، إسلاميون وليبراليون يحتجون في مصر ضد نظام مبارك وانتخابات بلدية في السعودية، بلاغات صادرة عن مجموعات المقاومة الفلسطينية بشأن التخلي عن استخدام العنف ومفاوضات الأحزاب في العراق من أجل تشكيل ائتلاف حكومي. هل يمر العالم العربي

تقرير منظمة العفو الدولية:
وضع النساء في دول مجلس التعاون الخليجي
زواج قسري، عنف منزلي أو تمييز في مجال العمل، هذا ما تعيشه الآلاف من المواطنات والأجنبيات في دول مجلس التعاون الخليجي. تقرير أعدته منظمة العفو الدولية، تسلط فيه الضوء على واقع الحياة النسائية في تلك الدول الغنية. تقرير بيترا تابلينغ

المرأة الكويتية أمام تحد جديد
أول مشاركة نسائية في الانتخابات البرلمانية
بعد نضال طويل تمكنت المرأة الكويتية من الحصول على حقها في المشاركة في الانتخابات ترشيحا وتصويتا. وجاء حل مجلس الأمة الكويتي ليسرع من وصول المرأة الكويتية إلى قبة البرلمان.