لعبة الجيش المزدوجة

قام الرئيس الباكستاني مشرف السبت الماضي بفرض حالة الطوارئ مبررا خطوته تلك بحالة العنف السائدة في البلاد. إلا أن الأمر كله ربما كان محاولة لتفادي الحكم المتوقع صدوره ضد رئاسته من قبل المحكمة العليا واستباقا له. تعليق توماس بيرتلاين.

حاجز للجيش الباكستاني في شوارع العاصمة إسلام أباد
حاجز للجيش الباكستاني في شوارع العاصمة إسلام أباد

​​قام الرئيس الباكستاني مشرف السبت الماضي بفرض حالة الطوارئ مبررا خطوته تلك بحالة العنف السائدة في البلاد. إلا أن الأمر كله ربما كان محاولة لتفادي الحكم المتوقع صدوره ضد رئاسته من قبل المحكمة العليا واستباقا له. تعليق توماس بيرتلاين.

لقد صدقت التكهنات أخيرا، فمنذ شهور تروج الشائعات باستمرار عن احتمال فرض حالة الطوارئ إذا ما وجد الرئيس نفسه في موقف حرج. ففي صراع السلطة المتواصل مع المحكمة العليا منذ مارس / آذار الماضي، وبعد أن قام الرئيس بعزل رئيس المحكمة العليا اضطر على مضض لتعيين المحكمة له مرة أخرى.

وإذا ما وضعنا في الاعتبار كل الشائعات والتهديدات المصاحبة لفرض حالة الطوارئ فإننا نلاحظ أن الرئيس مشرف قد شارك في نفس الوقت في اللعبة عندما ألحّت الولايات المتحدة الأميركية مرارا على تطبيق الديمقراطية في باكستان.

قبل صدور الحكم

لقد وعد بخلع زي الجنرال إذا ما أُعيد انتخابه مرة ثانية. كما سمح لرئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو بالعودة إلى البلاد، فحظيت مرة أخرى بنظر الكثير إليها كرئيسة لحكومة تابعة للرئيس المدني مشرف.
وانتشرت الشائعات بشدة مرة أخرى في الأيام الأخيرة، حيث يُنتظر النطق بالحكم على شرعية إعادة انتخاب مشرف في بداية أكتوبر / تشرين الأول. كما تقول الشائعات بأن التهديدات بفرض حالة الطوارئ يُقصد من ورائها إقناع القضاة بالحكم لصالح الرئيس.

مما لا شك فيه أن مشرف فقد أعصابه قبيل النطق بالحكم بأيام قليلة. وربما يرجع ذلك الى أنه كان قد حصل على معلومات تشير الى أن الحكم لن يكون في صالحه، أو أنه لا يتحمل أن تكون للمحاكم سلطة عليه.

ورقة الجنرال الأخيرة

لكن يبدو أن الجنرال قد أخطأ هذه المرة في تقديراته، فورقته الأخيرة لم تعد مؤهلة للكسب. إنه سوف يواجه معارضة قوية، من قِبل القضاة أولا ثم المحامين وبعد ذلك من وسائل الإعلام التي لن يستطيع بسهولة إسكاتها على الدوام. إنه بذلك يجبر الأحزاب السياسية، ومن بينها أيضا حزب بنازير بوتو "حزب الشعب الباكستاني"، على أن يتخذ موقفا ضده. وعما قريب سوف تزداد حدة الغضب بين المواطنين ويفلت زمام الأمور من بين يديه.

إن مشرف على وشك فقدان ما بقي من سمعته الطيبة التي كان يحظى بها بين الكثير من الباكستانيين. إنه كان قد قام بلا شك بتحقيق بعض مصالح باكستان، مثل المصالحة مع الهند والانفتاح الإعلامي وليبرالية المجتمع، وكذلك أيضا التقدم الإقتصادي.

رهان مشرف على الغرب

وعلى أي حال فإن مشرف كما يبدو يعتقد أن الغرب، أو على الأقل حكومة الولايات المتحدة، سوف تتقبل خطوته حتى وإن كان ذلك على مضض. كما أنه يستعمل في سبيل ذلك حِيلا قديمة معروفة لا تزال تثبت فاعليتها منذ الحادي عشر من سبتمبر / أيلول. فمن ناحية يتعامل الجيش الباكستاني في بعض الأحيان بصرامة واضحة مع الأصوليين الإسلاميين، مثلما حدث في الأيام الأخيرة ضد إحدى الجماعات المقربة من الطالبان بوادي سوات شمال غرب البلاد.

وفي نفس الوقت هناك دلائل على أن الحكومة تتسامح وتغض الطرف بين الحين والآخر عندما يريد المقاتلون تنظيم وتسليح أنفسهم. وإلا فكيف أمكن أن يمتلئ المسجد الأحمر الراديكالي – الذي اقتحمته قوات الجيش في الصيف الماضي – بالأسلحة، على الرغم من أنه يقع في قلب إسلام آباد وعلى مرمى البصر من كل أجهزة المخابرات.

هذه اللعبة المزدوجة يقصد من ورائها إيهام الجمهور الأجنبي أولا بأن خطر الراديكاليين أكبر مما هو عليه من الواقع، وثانيا أن الجيش هو الحصن الوحيد الأمين الذي يمكن أن يقف أمام تولي الإسلامويين الحكم.

مساندة القوى الديمقراطية

وهنا ينبغي على الغرب الآن أن يتنصل من مشرف، إذ لن يكون هناك أسوأ ولا أخطر من الوقوع في حبال مكائده مرة أخرى. وإلا فقد يساعد ذلك على استمرار تأجيج الروح المعادية للأميركان والغرب والمنتشرة بين الجماهير. فإذا لم يتراجع مشرف عن موقفه فسوف يؤدي ذلك إلى بروز الأحزاب الدينية كمعارضة ديمقراطية.
إن ما يجب فعله الآن هو مساندة القوى الليبرالية – التي قويت في الأشهر الماضية – في القضاء والإعلام والمجتمع وداخل الأحزاب السياسية للوقوف ضد الحكم العسكري. فالتغلب على الأصولية لا يمكن أن يتم بصورة دائمة وناجعة إلا إذا أصبحت باكستان ديمقراطية.

بقلم توماس بيرتلاين
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع دويتشه فيله/قنطرة

قنطرة

عودة بوتو إلى باكستان
رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو عادت من المنفى مظهرة نفسها بأنها باتت محط آمال الناس المتطلعين لتحقيق الديموقراطية والرخاء. لكن السؤال يطرح نفسه عما إذا كان بوسعها أن تحقق الآمال المعقودة عليها داخل البلاد وخارجها. بقلم أنيتي مايسترز من كراتشي