العبودية تحت الأضواء

"احتفال بالمياه والأحلام هو عنوان الدورة الحالية للمهرجان، والتي لا تكتفي بالعروض السينمائية فقط . هذه الدورة العاشرة للمهرجان قد اتخذت موضوع التفاعل السينمائي مع العبودية ومخلفاتها محورا رئيسيا لها. تقرير ديتلف لانغر.

القلعة العثمانية، مكان تنظيم المهرجان السينمائي، الصورة: ديتلف لانغر
القلعة العثمانية، مكان تنظيم المهرجان السينمائي

​​"احتفال بالمياه والأحلام هو عنوان الدورة الحالية للمهرجان (من 29 يونيو/حزيران إلى 8 يوليو/تموز 2007)، والتي لا تكتفي بالعروض السينمائية فقط . هذه الدورة العاشرة للمهرجان قد اتخذت موضوع التفاعل السينمائي مع العبودية ومخلفاتها محورا رئيسيا لها. تقرير ديتلف لانغر.

لو تتاح الفرصة في يوم ما لإسناد جائزة عن الخلفية الساحرة لمهرجان سينمائي ما، فسيكون المهرجان السينمائي الدولي بزنجيبار هو الجدير بنيل هذه الجائزة، وسيكون له أن يسحب بساط التشريفات الأحمر وبريق الأبهة عن مهرجانات من نوع كان وفينيسيا.

على بعد بضعة أمتار فقط من صفحة البحر ذات الخضرة الملتمعة التي تنزلق فوقها بعض زوارق شراعية في طريقها إلى الصيد، ووسط الجلبة المسائية التي ترتفع من محلات الأكلات الشعبية التي يتصاعد منها الروائح الشهية لمقالي القرنيط الحبّار ومشاوي سرطان البحر وأسياخ اللحم، تقع القلعة الحمراء التي بناها حكام السلطنة العثمانية في ما مضى.

وقد استعملت القلعة لمدة من الزمن كملعب للتنس من طرف المستعمرين البريطانيين، وها هي تصبح الآن مسرحا وفضاء عروض سينمائية في الهواء الطلق سيتحول خلال أيام المهرجان وبما يشبه ضربة العصا السحرية إلى ركح تتصاعد منه منذ هبوط المساء أقاصيص ودفق من الحكايات المصورة التي تنتشر في سماء المدينة العتيقة لستون تاون وفي أزقتها العائمة في العتمة، والمضطربة حركة وحياة مع ذلك.

"احتفال بالمياه وأحلام" ( Celebration of Waters and Dreams) هو العنوان الذي اتخذته دورة هذه السنة للمهرجان الذي لا يكتفي بالعروض السينمائية فقط في هذه المرة.

وكمهرجان لبلدان الزوارق الشراعية (Festival of Dhows Countries) سيسعى إلى مد جسور للحوار مع البلدان المتاخمة للمحيط الهندي، من شبه الجزيرة العربية إلى الهند وأندونيسيا؛ أي مع البلدان التي ظلت لما يزيد عن الألفي سنة من الزمن، وبفضل تيار الرياح الموسمية، تتبادل بواسطة تجارها المبحرين على الزوارق الشراعية شتى البضائع والرجال والأفكار والمعارف والتقاليد الثقافية.

أنغام غربية وإفريقية

داخل القلعة المتحولة إلى مسرح يُفسح المجال في كل ليلة بعد العروض السينمائية إلى الموسيقيين الذين يرتقون الخشبة حتى الصباح. ولا تتوقف الحفلات على موسيقيي الطرب المحليين من أمثال بي كيدوده، بل تتداول على عروضها وجوه من مشاهير الموسيقيين العالميين مثل موسى ديالو الذي يمازج بين الأنغام الغربية والإفريقية، أو فرقة String n’Skins من جنوب إفريقيا، التي تفاجئ الجمهور بمزيج مدهش من الإيقاعات الإفريقية والأنغام ذات التأثيرات الهندية. وإلى جانب هذه العروض تنظم أيضا معارض وملتقيات وورشات عمل وقراءات.

هذه الدورة العاشرة للمهرجان قد اتخذت موضوع التفاعل السينمائي مع مسألة العبودية ومخلفاتها محورا رئيسيا لها. وقد خصت منظمة اليونسكو هذه الدورة ولأول مرة بتكريم يتمثل في منح "جائزة كسر الأغلال" Breaking the Chains-Award التي اشترك في مسابقتها 15 شريطا سينمائيا من بينها فلم "ماندرلاي" (Manderlay) للمخرج الدانماركي لارس فان ترييرْ.

مركز سابق للتجارة بالعبيد

وليس من باب المصادفة أن يقع اختيار منظمة اليونسكو على زنجيبار لإنشاء هذه المسابقة السينمائية، فالجزيرة كانت واحدا من أكبر أسواق العبيد في منطقة المحيط الهندي. وإلى اليوم ما يزال هناك عدد كبير من الآثار التذكارية التي تروي وقائع هذه التراجيديا الإنسانية الكبرى، يمكننا أن نذكر من بينها على سبيل المثال المغاورالمظلمة بمانغاباني التي كان يخفى داخلها العبيد حتى بعد الحظر الرسمي للرقّ، أو السوق القديمة للعبيد التي توجد بالقرب من السوق البلدية لمدينة ستون تاون.

وإلى حدود الثمانينات من القرن التاسع عشر ظل يتم من هنا بيع ما يقارب الخمسة عشر ألفا من العبيد سنويا إلى الجزيرة العربية والإمبراطورية العثمانية وإيران وإلى المناطق الإسلامية بالهند. ومقارنة بتجارة الرق في البلدان الغربية ظلت تجارة العبيد في هذه المنطقة، حتى وإن كانت لا تمثل سوى جزء قليل من مجمل المتاجرة بالكائنات البشرية، لا تكاد تحظى باهتمام البحوث العلمية، ومهملة تقريبا من طرف وسائل الإعلام أيضا. وهو ما يجعل مبادرة اليونسكو على قدر من الأهمية اليوم.

واليوم قد ألغت كل بلدان المحيط الإسلامي العبودية، بما في ذلك المملكة السعودية في سنة 1966، إلا أن المعاناة الاجتماعية والميز العنصري الذي يلحق بالمنحدرين من العبيد القدامى ما تزال فاعلة إلى اليوم. هذه الظاهرة هي ما تطرقت إلى توثيقها بطريقة مدهشة المساهمة التركية في شريط بعنوان Baa Baa Black Girl.

حفيد عبد سابق يروي قصته

يروي الشريط قصة مصطفى أولباك ذي البشرة الداكنة الذي ينحدر من جد كان قد تم بيعه لعائلة عثمانية تركية، ثم انتقل في ما بعد إلى إسطنبول بعد انعتاقه خلال الثورة الكمالية.
والآن قد غدا ذلك الرجل حرا، لكنه يجد نفسه عاجزا على إطعام أبنائه، فكان عليه أن يسلم ابنته لعائلة غريبة ستتبناها. وهذ النوع من التبني هو في الحقيقة طريقة للاستعباد المنزلي ظلت قائمة في تركيا إلى حدود سنة 1964.

بكلمات مؤثرة يروي مصطفى وقائع بحث أبيه عن الأخت التي اختفت بموجب ذلك التبني، إلى أن توفق إلى العثور عليها مجددا. وقد سبق لمصطفى أولباك أن نظم في سنة 2006 أول ملتقى لأناس ممن عرفوا مصيرا مماثلا من الأتراك المنحدرين من أصل إفريقي.

أما تاريخ البدو السود فقد تطرق إليها مخرج الأفلام التسجيلية الإسرائيلي أوري روزنواكس بمعية مجموعة من الفتيات السود من مدينة راحات بصحراء نجف في شريط The Film Class.

"هؤلاء البدو قد تم اختطافهم في ما مضى من طرف تجار الرقيق العرب ثم بيعهم في زنجيبار والمملكة العربية السعودية ومصر. وإلى حدود ما قبل خمسين سنة ظل هؤلاء عبيدا لدى البدو البيض. وعندما شرعت في العمل مع هذه المجموعة لم يكن لي بعد أي علم بالموضوع، وحتى فتيات الدرس السينمائي أنفسهن لم يتحدثن عن ذلك البتة." هكذ يروي المخرج.

البوح بالمكبوت

وقد كان على الجماعة أن ينتظروا لمدة 18 شهرا من العمل المشترك وتوطد أواصر الثقة، ثم حدوث واقعة كانت بمثابة القادح الذي أثار فتح الموضوع، وذلك عندما كان طفل بدوي يلتهم قطة من الحلوى قال أن إسمها "رأس العبد"، كي تنطق فتيات الدرس السينمائي بذلك المكبوت الذي ظل طي الكتمان كموضوع محرَّمة كبرى، وينطلقن في الحديث عن الميز الذي يتعرضن له بصفة دائمة كذرية لأسلاف من العبيد.

بطريقة مدهشة يعرض هذا الشريط كيف راحت تلك الفتيات تستأنسن للكلام عن جراحهن الخفية وكيف غدا يتكون لديهن تصور واع عن العبودية، وكيف شرعن في استخدام الكاميرا بوعي ووثوق لمواجهة الميز العنصري المتواصل، كما حدث في نقاش مع رئيس بلدية المدينة الذي يدافع عن "التقليد الموروث" الذي يقضي بعدم السماح بزيجات مختلطة بين البدو البيض والسود.

أما عن مدى ما تخلفه التجربة التاريخية للعبودية من آثار سلبية على حياة الناس في زنجيبار أيضا، فذلك ما سيتبين بوضوح من خلال برنامج المحادثات التلفزيونية على الهواء TV-Live Talk-Show Hatua الذي كان يقدم في مبنى القلعة خلال المهرجان. عبارات قاسية ستفصح عن نفسها بوضوح خلال البرنامج ضد ذرية تجار العبيد القدامى.

تجارب أحفاد العبيد

محمد عُماري مواطن من زنجيبار يذكر في كلامه وجود ميول ميز عنصري ما يزال قائما، كأن تظل الزيجات إلى الآن لا تعقد إلا داخل إطار الحي الذي ينتمي إليه المتزوجون. بينما مشاركون آخرون في النقاشات يؤكدون داخل الجدال المشحون بالانفعالات بأن تجارة العبيد لم تكن تقتصر على العرب دون غيرهم من الأمم.

أما محفوظة حميد المنحدرة من عائلة شهيرة من تجار العبيد تنتمي إلى تيبو تيب (حمد بن محمد بن جمعة المرجبي) فتعلن: "إن العبودية أشرس ما وجد من ظلم في تاريخ الإنسانية، لكن دعونا لا ننساق إلى تغذية مشاعرة المرارة."

وهناك مشاركون آخرون في النقاشات الجارية في فضاء المسرح يقولون بأنه لاينبغي الحديث عن الماضي فقط، ويشيرون إلى وجود أشكال حديثة للعبودية في إفريقيا مثل العبودية الجنسية وتجنيد الأطفال.

مواضيع أخرى

مثل هذه المواضيع التي تمثل وقائع حارقة من مواضيع الساعة لم يتم التغافل عنها في قائمة الأفلام التي تم اختيارها للمهرجان. فشريط Elfu Huanza Moja الذي قدّم في إطار عرض عالمي أولي يتطرق في إخراجه لخمس قصص إلى حالات واقعية لاعتداءات جنسية على الأطفال في المجتمع التنزاني.

بينما أفلام تنزانية أخرى مثل Hali Halisi أو Fimo ya Baba تعالج موضوع انتشار آفة الأيدز. أما موضوع النهب الاستعماري الجديد فيتجلى عبر أشرطة من أمثال Bushmann’s Secret (سر رجال الأدغال) من جنوب إفريقيا، وينتقد الشريط عملية النهب التي تمارسها شركات الصناعة الصيدلية على المعارف التقليدية لرجال الأدغال. شريط Black Gold يتناول من جهته الفوارق الفادحة بين الأرباح التي تسجلها الشركات الدولية للقهوة والمحاصيل الضئيلة التي يجنيها المنتجون من المزارعين الأفارقة.

حماس متوقد خاص سيبديه الجمهور السنمائي الزنزيباري تجاه شريط Zanzibar Queen of Soccer (ملكات كرة القدم بزنجيبار). ويعرض الفيلم قصة فريق نسائي زنجيباري لكرة القدم قد استطاعت لاعباته أن يفرضن بكل ولع وثقة في النفس حبهن للعبة ضد المقاومة والممانعات العديدة التي واجههن بها مجتمع زنزيباري مطبوع بقيم التقاليد الإسلامية.

وقد حصل هذا الشريط على جائزة لجنة التحكيم، وكذلك شريط "سر رجال الأدغال"، إلا أن اللجنة خصت "الزورق الذهبي" بجائزتها الكبرى، أما جائزة الفلم التسجيلي فكانت من نصيب الشريط الأوغندي The Power of the Spirits عن الطب التقليدي في أوغندا.

وفي مجال الأفلام الروائية فقد منحت اللجنة جائزة "الزورق الفضي" لشريط Malooned من كينيا، بينما كانت جائزة "الزورق الفضي" من نصيب شريط Juju Factory للمخرج الكنغولي بالوفو باكوبا-كانييندا، والذي تم إنتاجه ببروكسل.

أما منظمة اليونسكو قد خصت بجوائزها أفلام Boa Boa Black Girl و The film Class، ومنحت جائزتها الأساسية Breaking the Chaines-Award لشريط من إنتاج أميركي هو 500 Years later. كما أوصت المنظمة بإدراج موضوع العبودية كمحور قار في برنامج مهرجان زنزيبار السنمائي.

بقلم ديتلف لانغر
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

بالصورة والكلمة من أجل أفريقيا
يعتبر عثمان سيمبين الذي توفي في دكار عن عمر يناهز الأربعة والثمانين من الآباء الروحيين للأدب الأفريقي. لكنه سرعان ما نشط أيضا مجال الفيلم السينمائي نظرا لكون ملايين الأفارقة لا يتقنون القراءة. بقلم هاينز هوك

www

مهرجان زنجيبار السينمائي