رمز الحياة والحرية

صدر أخيرا عن دار نشر بالميرا الالمانية كتابا يعرف بتاريخ وتطور موسيقى الراي. رشيد بوطيب قرأ الكتاب ويقدمه في المراجعة التالية

رمز الحياة والحرية

تعود جذور موسيقى الراي الى أغاني البدو الذين قدموا من جنوب الجزائر بدايات القرن العشرين واستقروا بوهران ونواحيها. وكلمة "راي" حمالة أوجه؛ فقد تعني رأي أو حكم أو ضمير أو حتى حرية الإرادة. ويمكن اعتبار هذا الشكل الموسيقي نوعا من البلوز الجزائري.

وظهر الراي في فترة ما بين الحربين، خصوصا ما سمي بـ "راي الشيوخ" كرد فعل على السياسة الاستعمارية الفرنسية وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولكن ايضا كثورة على الموروث الغنائي التقليدي، بالنظر الى اعتماد الراي لغة الناس اليومية، منسجما في ذلك مع التطور الذي عرفته أشكال الغناء الأخرى كالملحون والحوزي والشعبي. لكن الراي، بعكس بعض هذه الأشكال الغنائية، لم يخرج من القصور ومن مجتمعات الطبقات العليا ولكن من الأسواق والأعراس والمواسم الدينية. وتحولت مع مرور الوقت المحششات والخمارات اليهودية والبورديلات الى وطنه الجديد، وانتقل الراي للتعبير عن الغرائز والهموم والأشواق البشرية البسيطة التي كبتها التقليد، كما أنه كان أكثر انفتاحا على الموسيقى العالمية من الفلامنكو وحتى الجاز.

وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وخصوصا بعد اندلاع حرب التحريرفي الجزائر، انتقل الراي للغناء عن مظالم الفرنسيين وعن حنين الجزائريين الى الحرية. ومع انهيار "الشرعية الثورية" وانهيار مشروع البناء الاشتراكي أصبحت موسيقى الراي رمزا للاحتجاج ضد السلطات الرسمية، لتتحول في السنوات الأخيرة الى رمز للحياة والحرية ضد الهمجية الأصولية التي اكتسحت الجزائر وحرمت عشاق الراي من أعظم رموز هذا الشكل الغنائي: الشاب حسني.

استطاع فرانك تناي في كتابه هذا أن يؤرخ للظروف الاجتماعية والسياسية التي ظهرت فيها موسيقى الراي ولأهم المراحل التي قطعتها، دون أن يغفل الحديث عن خصوصياتها الفنية واللغوية وأبعادها الحضارية، وعن التأريخ لأهم الوجوه التي صنعت هذه الموسيقى من الشيخة الرميطية وحتى الشاب خالد.

صدر الكتاب باللغة الألمانية بقلم الفرنسي فرانك تناي عن دار نشر بالميرا في هايلدلبرغ عام 2003.
موقع الدار الإلكتروني: www.palmyra-verlag.de

قراءة رشيد بوطيب، قنطرة 2003