شباب أفغان على طريق المخاطر نحو أوروبا

يتناول فيلم "في هذا العالم" الذي حاز على جائزة الدب الذهبي في برلين رحلة شابين أفغانيين من مخيم للاجئين في باكستان إلى لندن. عرض بقلم أريانا ميرزا

لوحة الفيلم

​​

طريق الهروب التي سلكاها تمرّ عبر دروب مألوفة. يحملان مبلغا كافٍ من الدولارات التي يخبّئانها في حذاءيهما ويبدآن في رحلة طويلة برفقة مهربين تأخذهم عبر القارّات. ومنذ اللحظة الأولى كان الخوف رفيق الدّرب الذي سيلازمهما طوال رحلتهم. رحلة باتّجاه المجهول، محفوفة بالمخاطر سيقذف بنفسهما في غمارها كلّ من جمال (جمال الدّين ترابي) شابّ في السادسة عشرة من العمر وابن عمّه عنايت (عنايت الله جومان الدّين) الذي لايكبره سوى بقليل.

تبدأ الرّحلة من مخيّم شامشاتو لللاجئين في الشمال الغربي لباكستان، تنقلهما عبر بشاور باتّجاه طهران فإستنبول ثمّ ترييستْ، لتنتهي بهما إلى مخيّم سانغاتا لللاجئين بفرنسا. وفي المشاهد الأخيرة لفيلم "في هذا العالم" - "In this world"نرى أنّ جمال قد استطاع على الأقلّ أن يبلغ هدفه : محلّ أكلات سريعة باكستانيّة بلندن.

أوربا الحلم

جمال وعنايت اللاجئان بدوافع اقتصاديّة -أو ما يدعى بـ"اللجوء الاقتصادي"- هما الشخصيّتان الرئيسيّتان لشريط دراميّ ملتزم بقدر ما هو بسيط مقتصد، حصل به المخرج الإنكليزي ميشائيل فينترْبوتّم على جائزة "الدّب الذهبي" لمهرجان برلين السنمائيّ لهذه السنة. وقد ساهم الشابّان المعنيّان في هذا الفيلم شبه-الوثائقي بأن لعبا دورًا في قصّة تعكس في جزء منها تجربتهما الشخصيّة.

فجمال وعنايت الله ليسا ممثّليْن محترفيْن، وقد تمّ انتدابهما لهذين الدّورين قبيل بداية تصوير الفيلم وذلك في مخيّم شامشاتو لللاجئين الذي يضمّ 35000 ساكنًا. وهما أيضًا، مثل الشخصيّتيْن اللتين يجسّدانهما في الشريط ما فتئا يتطلّعان إلى أوروبا كمحطّة أخيرة لأحلامهما. وبعد الانتهاء من التصوير بأسابيع قليلة كان جمال الدّين الترابي قد هاجر إلى بريطانيا.

في هذا الشريط ذي الطابع الإخباري لميشائيل فينتربوتّم يترابط الخيال والواقع على نحو متعدّد المستويات؛ حتّى على مستوى الشكل تبدو الحدود بين التّوثيق والإخراج رجراجة غير واضحة. وعبر تضافر إقحام صور الخرائط والتعليقات بالصّوت الخارجي المرافق Voice-Off يخبر فينتربوتّم المتفرّج بأنّ هناك ملايين من البشر على طرق الهروب عبر العالم، وأنّ أفقر بلدان المعمورة هي التي تحتضن أغلب اللاجئين، وأنّ ظاهرة الهجرة هي في أغلب الأحيان من نتائج الحروب والتدخّلات المُخزية للبلدان الغنيّة.

نظرة المخرج الباردة

أماّ أن لا يترك "في هذا العالم" لدى المتفرّجين سوى نزر قليل من التعاطف وتفهّمًا شبه منعدم، وبالمقابل قدرًا أكبر من الحيرة، فتلك هي إحدى النواقص التي لم يُشَر إليها إلاّ نادرًا من ضمن ما سُجّل مرارًا على هذا العمل من عيوب. الأدهى في هذا كلّه هو أن يظلّ جمال وعنايت الله شخصيّتين غريبتين على المتفرّج بالرغم من كلّ المواجهات الحميميّة التي سجّلتها رحلتهما.

لقد ظلّ الوصف السيّنمائي هنا حبيس نظرة باردة ملقاة من الخارج لم تفلح في الترجمة لا عن جذورهما الثقافيّة، ولا عن مشاعرهما أو شخصيّتيهما. وهكذا يبقى هذان الشابّان الأفغانيّان، وبالرغم من محاولة إعطاء اللاجئ هذه المرّة إسمًا ووجهًا، هنا لدى فينتربوتّم أيضًا مجرّد عيّنتين؛ صورتان نموذجيتّان دون ملامح شخصيّة محدّدة.

وبالطريقة نفسها يتعامل الشريط مع بقيّة الشخصيّات التي التقيا بها في طريق رحلتهما الطويلة باتجاه أوروبا. المهرّبون والمساعدون وحرّاس الحدود ورفقاء الدرب العابرون كلّهم لا يبرزون إلاّ للحظة بطريقة خاطفة تجعل إمكانية تكوين رؤية عميقة أمرًا مستحيلاً. من الأكيد أنّ هذه الطريقة التجزيئيّة المتقطّعة في العرض، وكذلك سطحيّة اللقاءات والتقصّيات تتلاءم ونوعيّة المقارَبة الواقعيّة التي يرى فينتربوتّم نفسه ملزمًا بها، لكن عندما لا يبقى لدى المتفرّج بعد نهاية العرض سوى هذا السؤال القلِق: لماذا يصرّ أشخاص مثل جمال وعنايت الله كلّ هذا الإصرار على الذهاب إلى أوروبا ؟ فإنّ هذا يعني أنّ هذا السؤال يعكس بالنهاية أيضًا بلْبلة لدى المخرج الأوروبي.

بقلم أريانا ميرزا، قنطرة 2003
ترجمة علي مصباح