الإرهاب وكليشيهات الإساءة الى الآخر

أثار إلغاء عرض اوبرا لموزارت في برلين بسبب التهديد الذي تعرض له العاملون في الأوبرا جدلا واسعا حول مدى حرية العمل الفني وعما إذا كان من الصحيح التنازل أمام الإرهاب. تعليق كتبه ظافر شينوجاك.

ظافر شينوجاك، الصورة: الأرشيف الخاص
ظافرشينوجاك: كاتب تركي الأصل، مقيم في برلين

​​

يمكن للمرء أن يتصوّر أنّ هناك مجموعة من أشخاص أو حتّى بعض الأفراد الذين يعتقدون بأنّهم لا يستطيعون الدفاع عن إيمانهم ومعتقداتهم الا من خلال الانتقام والعنف للنيل من تصريحات غير مرغوبة يجدونها مسيئة لهم أو استفزازية؛ فيطاردون أصحاب هذه التصريحات ويقتلونهم في شوارع عامة. لسنا بعيدين في الحقيقة عن مثل هذه السيناريوهات، إذ قد وقعت حادثة قتل واحدة على الأقل وذلك لأنّ ثمّة شابًا مسلمًا اعتقد أنّ مخرجًا سينمائيًا أساء لدينه.

صحيح أنّه يوجد إسلامويون لديهم استعداد لاستخدام العنف، حيث تظهر في إيديولوجيّتهم معالم شبه فاشية. لكن كيف يجب على المجتمعات الحرّة أن ترد على هؤلاء الأفراد وعلى الخطر الصادر عنهم؟

لا يوجد أمن مطلق. بيد أنّ هذه الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس لا تقلِّل من الخوف، الذي يتزايد في هذه الأثناء إلى حدّ كبير، بحيث أنّه تمّ في برلين إلغاء عرض أوبرا موتسارت الموسيقية "إيدومينيو"، وذلك بسبب الخوف من وقوع اعتداءات.

ظاهرة الخوف هذه أثارت في هذه الأثناء جدلاً، لا يمكن أن يؤيِّد فيه أيّ أحد يتمتع بروح ديموقراطية الحدّ من حرية التعبير عن الرأي وحرية التعبير الفني. يجب علينا أن نحمي مجتمعنا وكل منظوماتنا القانونية من الإسلامويين الذين لديهم استعداد لاستخدام العنف. لا جدال في هذا الأمر قطّ. فلا بدّ من عرض الأوبرا على المسرح بأسرع ما يمكن.

رأس موسى

ومع ذلك فإنّ إخراج هذه الأوبرا التي ألغي عرضها يطرح سؤالاً جديرًا بالاهتمام. في المشهد الأخير الذي اعتبر - من قبل الأجهزة الأمنية بالذات وليس من قبل الإسلامويين - بمثابة مشهد مسيء، تقطع رؤوس أنبياء من أديان مختلفة: رأس كلّ من عيسى ومحمّد وبوذا وكذلك بوسيدون.

بيد أنّ هذا المشهد يخلو من شخصية مهمة جدا من بين مؤسّسي الأديان. يبعث هذا الفراغ الذي لم يلاحظه أحد تقريبًا على التفكير. إذ لا يصحّ - على الأقل على خشبة مسرح ألمانية - أن يتمّ قطع رأس موسى. لكن إذا كان قطع رأس موسى أمرًا محظورًا لدينا، فهل نحن نعيش في ظلّ ما لا نرغبه من تحريم الفكر والحدّ من حرية التعبير عن الرأي؟

تاريخ طويل من الأحقاد

إنّ نظرةً واحدةً على تاريخ الفنون والآداب الغربية تكفي لإعداد قائمة طويلة من الأحقاد المعادية للسامية وللإسلام وللأتراك. يتجلى ذلك في أعمال مسرحية مثل مسرحية "تاجر البندقية" لوليم شكسبير بالإضافة إلى رواية غوستاف فون فرايتاغ التي تظهر فيها معاداة السامية بوضوح. وحتى أنّ الأديبين الألمانيين اللذين يعتبران من فطاحل الأدب الروائي الألماني، تيودور فونتانه وتوماس مان، خضعا للتمحيص والتدقيق النقدي.

لكن من يولي اهتمامًا بأعمال وأقوال الكتّاب المشكوك في أمرها، ليس الطغاة الغاشمون او حراس العقيدة، وانما ذوو العلم المتخصّصون. لقد صدرت في هذه الأثناء دراسة مفيدة من دون ريب، تكشف النقاب عن الفكر العنصري المعادي للسامية وتطرحه على بساط البحث. يجب أن يتمّ إعداد دراسة مشابهة نظرًا للحرب الكلامية المعادية للإسلام.

إنّ هذه الدراسة موجودة بصورة افتراضية. لكن فقط بصورة افتراضية. تتم التغطية على هذه الافتراضات الحذرة بوساطة نوع من احتجاج متسرّع ومتشدِّد وقابل لاستخدام العنف لدى بعض المسلمين؛ يبدو أنّ هذا الاحتجاج منزو في قمقم وثير جدًا وأنّ "غضبه" الدائم يؤدي إلى حالة من الشعور بالملل من هذا الغضب لدى الجماهير الغربية.

صورة الآخر المشوهة

إنّ حرية التعبير عن الرأي هي العمود الفقري لكلّ مجتمع ديموقراطي. إلاّ أنّ هذه الحرية لا تضمن عدم تفشّي الإيديولوجيات العنصرية والأحقاد وتشويه صورة الآخر. أصبحت الصور التي تملأ أذهاننا مثل الصور التي يفيض بها العالم، حالها كحال الترسانة الباردة التي لا تقلّ خطورة عن المعدّات الحربية والأسلحة الموجودة في القواعد العسكرية.

لكن كيف السبيل إلى نزع السلاح؟ إنّ نزع السلاح الفكري أكثر تعقيدًا من نزع الأسلحة العسكرية. فمن الممكن تحويل الأسلحة والمعدّات الحربية إلى خردة. في حين تبقى الصور والعبارات موجودة إلى الأبد. إذ أنّ محوها من الكتب غير ممكن وكذلك إزالتها من الأذهان صعبة جدًا.

كليشيهات الإساءة

في الحوار الراهن الدائر حول الحساسيات الثقافية لا يوضع تقريبًا اعتبار لهذه المسائل المهمة. وهنا يتحتّم الاشتباه بأنّ ردود الفعل الغبية وحتّى البدائية التي تصدر عن بعض المسلمين على أمور استفزازية وأشكال غبية من إخراج لأعمال مليئة بالأحقاد تريح الغربيين أيضًا من ضرورة التفكير بتقاليدهم الثقافية الخاصة بهم، المميّزة للآخر والمنطوية على القذف والتشنيع.

هذا التقليد الخاص هو على وجه التحديد نفس التقليد القديم الذي يسم الآخر ويجرحه. يستاء ورثة هذا التقليد في البدء من أن يعنوا بالآخر بصورة جدّية وبنقد ذاتي. عوضًا عن ذلك يتمّ مرارًا وتكرارًا ترويج نماذج وكليشيهات لا تشكّل فقط إساءةً للغير، بل تعتبر ضرورية لدى أصحاب الفكر العنصري والثقافوي من أجل تشويه صورة الآخر.

بقلم ظافر شينوجاك
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

الرقابة الذاتية خوفاً من المسلمين
أثار قرار مديرة "دار الأوبرا الألمانية" في برلين كيرستن هارمس بإلغاء الإخراج المسرحي لعمل موتسارت الموسيقي "أيدومينيو" بسبب مخاطر أمنية ضجة كبيرة في أوساط السياسيين والمثقفين والمسلمين في ألمانيا. تقرير بقلم حسين الموزاني

الكثير من الحرية والقليل من التاريخ
ما هي أوجه الشبه والاختلاف بين الكاتب الشاب الهولندي المغربي المولد عبد القادر بن علي ومحمد بوياري، قاتل المخرج فان غوخ؟ يتحدث بن علي عن تجربته وتجربة عائلته في المهجر وعن الجهل المتبادل الذي تتسم به العلاقة بين الهولنديين والمسلمين.

أما آن لكم أن تعترفوا أيها المسلمون؟
بعد اغتيال المخرج السينمائي الهولندي تيو فان غوخ بات لزاما على المسلمين أن يعبروا عن استنكارهم للتعصب وأن يعلنوا انحيازهم بوضوح إلى تشريعات الدول الأوربية المقيمين فيها. تعليق كتايون أميربور