صناعة الكتاب ببيروت الآن

يوميا وكأني أدير مكتباً خاصاً أراقب من خلاله لا مسيرة الحرب، فقط، انما ضحاياها من الناشرين وأصحاب المطابع، مخازن الكتب التي تحول بعضها إلى رماد وكأنها لم تكن هناك مرتبة ومرقمة تنتظر شحنها إلى هذا المعرض أو ذاك!

خالد المعالي، الصورة: الأرشيف الخاص
خالد المعالي: اليوم يجد الناشر العربي، اللبناني في الأخص، بأنه قد هدّ حيله وبارت بضاعته!

​​

أصاب اليوم (7/8/2006) صاروخ البيت، حيث يوجد مكتب الدار ببيروت، طار السقف وانخلعت الأبواب والشبابيك، قبل أسابيع سويت العمارة التي فيها مكتب مصمم كتب الدار بالأرض، أصول الكتب الجديدة والقديمة، اجهزة الكومبيوتر وكل ارشيفه اختفى بلحظة واحدة.

شحنة الكتب إلى بغداد، وهي أكبر شحنة كتب يتم تنفيذها منذ افتتح مكتبنا هناك قبل عامين لا نعرف مصيرها، فلا أحد يذهب إلى مكتبه من الناشرين، مصممي الكتب، مجلديها، أو أصحاب شركات الشحن، احيانا يحالفنا الحظ ونحظى بالحديث الى هذا أو ذاك لكي نطمئن عليهم، أغلبهم قد ترك منزله وتشرّد مع عائلته في مكان آخر.

لم يعد بامكاني لا ارسال الإصدارات الجديدة الى المكتبات، طبعة جميلة للديوان الشرقي لغوته بترجمة الدكتور عبد الغفار مكاوي، في خطو السرطان لغونتر غراس، كتابين ليان أسمان، العالم في عصر الإرهاب لتوماس فريدمان، الكون يحاكم الإله لعبد الله القصيمي، فريدة رواية الكاتب الكندي العراقي الأصل نعيم قطان، أيضاً ولسخرية القدر رواية فيكتوريا للإسرائيلي العراقي الأصل سامي ميخائيل، مؤلفات الدكتورة فوزية الدريع،... جميعها وغيرها كثير، تنتظر هناك. انجزتها ووضعنا حاتم وأنا أغلفتها ورتبنا جميع تفاصيلها الصادر منها والذي ينتظر.

فشل المعارض محتوم

باستثناء كتب المناهج المدرسية، تُطبع غالبية الكتب العربية في لبنان أو تنشر لدى ناشرين لبنانيين أو مقيمين فيه. وصناعة الكتاب في لبنان تشكل الرافد الأكبر لأي معرض كتاب يُقام في البلدان العربية المختلفة، لما يتمتع به لبنان من هامش حرية وتقليد مؤسس عليه، لم يختفي حتى بوجود الجيش السوري في السنوات الماضية. وغياب هذه الصناعة عن أي معرض كتاب عربي يعني فشله المحتوم.

وموسم معارض الكتب العربية قد بدأ الآن في دمشق وسيليها في عمّان وفي اليمن ولا ينتهي إلا في بداية شهر أيام/ مايو 2007 بتونس. وهذه المعارض هي العصب الأساسي الذي يستطيع من خلاله الناشر العربي الوصول إلى أكبر عدد من القرّاء في جميع البلدان العربية، فمعارض الكتب العربية هي أسواق لبيع الكتاب للجميع، القرّاء والمكتبات.

في لبنان تطبع وتنشر الكتب بمهنية عالية، وأحيانا تُشهر من خلال الصحافة والميديا، وهو تقليد يعود إلى بدايات دخول المطابع إلى الشرق الأوسط. ومنه يتم شحن الكتاب بواسطة شركات شحن متخصصة إلى أي بقعة في العالم جواً وبراً وبحراً حسب المنطقة المقصودة والتوقيت والطريقة المتفق عليها، وخصوصاً إلى معارض الكتب المتتالية في البلدان العربية.

هناك يحتفظ الناشرون بمخازنهم في مناطق مختلفة ببيروت وضواحيها وهي في أغلبها مخازن بسيطة لا تتوفر فيها إلا أبسط المواصفات، وذلك من اجل التوفير وبالتالي الحفاظ على سعر الكتاب منخفضاً، والذي مهما خُفّض سعره يبقى مرتفعاً لقرّاء عرب في بلدان عربية مثل مصر، العراق، السودان، اليمن، سوريا، المغرب وتونس على سبيل المثال.

واليوم يجد الناشر العربي، اللبناني في الأخص، بأنه قد هدّ حيله وبارت بضاعته، فبتحطيم البنى التحتية في لبنان تحطمت آماله، فقد ضاع منه موسم سياحي (للكتاب أيضاً) هو الأفضل منذ سنوات، ووجد نفسه عاجزاً عن إيصال كتبه التي تُطلب خارج فترات المعارض الى المكتبات المختلفة في البلدان العربية الأخرى، والأسوأ من هذا بات أمر مشاركته في معارض الكتب التي بدأ موسمها تواً، كما ذكرنا، أمراً صعبا أو مشكوكاً فيه.

فالطرق البرية أضحت غير صالحة، وهي أفضل الطرق وأوفرها له، أيضاً توقفت أغلب المطابع عن العمل وأضحت عملية طبع الكتب أو جلب ورقها من مكان لمكان مثاراً للشكوك العسكرية وعملية خطرة وأصلاً غير ممكنة بسبب تدمير الشوارع والجسور، والعديد من مكاتب الناشرين أو مصممي الكتب قد نالها الدمّار التام وبالتالي خسائر لا يعرف حجمها.

يجلس الكاتب – الناشر مثلي ليكتب، الشاعر فيه يحاول أن يستجدي شيطان الشعر ماشياً في غرفته الضيقة. ماذا سيكتب اليوم؟ لا شيء يلوح له مهما دمدم بالكلمات فأبيات قصيدته تبقى ناقصة. لهذا يلجأ الى النثر، ربما سيكتب رسالة إلى أحد ما.

خالد المعالي
حقوق الطبع قنطرة 2006

خالد المعالي شاعر وصاحب دار منشورات الجمل، مقيم في كولونيا.

قنطرة

الترجمة في مجتمع بلا معرفة
تشير الإحصاءات في العالم العربي الى تراجع الكتاب المقروء وإلى وتراجع مستويات الترجمة. في المقال التالي يتناول الكاتب والناشر خالد المعالي المبادرات العربية للترجمة والصعوبات التي يواجهها المترجمين ودور النشر المهتمة بنشر كتب مترجمة إلى العربية.

الناشر العربي بين الرقابة وسوق الكتاب العاجزة
ما الذي يدفع ناشرين عرب ومؤسسات ثقافية عربية الى ممارسة القرصنة؟ هل هو التنافس من أجل تقديم الأعمال الإبداعية العالمية الى القارئ العربي؟ أم هو الشره من أجل الربح؟ الناشر خالد المعالي المقيم في ألمانيا يكتب عن تجربته الشخصية