غليان شعبي ضد الجنرال مشرف

صار نقد الرئيس الباكستاني ورئيس الجيش الجنرال مشرّف بعد فرض حالة الطوارئ من الخطورة بمكان. فمنذ الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني تم إلقاء القبض على آلاف المعارضين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والصحافيين، كما اختفى كثيرون غيرهم. بقلم أنيته مايسترز

متظاهرون معتقلون في مدينة ملتان في 7 تشرين الثاني/نوفمبر بعد الاحتجاج على حالة الطوارئ
متظاهرون معتقلون في مدينة ملتان في 7 تشرين الثاني/نوفمبر بعد الاحتجاج على حالة الطوارئ

​​

جاؤوا بعد هبوط الظلام. إذ لم يكد مشرّف يفرض حالة الطوارئ حتى مرت سيارات الشرطة أمام المنازل، ومن بينها أيضا منزل سليم ضياء. إقتحم البيت حوالي اثنى عشر عسكريا وهددوا الخدم وأفراد الأسرة قبل أن ينسحبوا لفشلهم في العثور على ضياء. ثم جاؤوا مرة أخرى بعد ساعة ونصف ليثيروا الرعب في الأهل مرة أخرى، لكنهم لم يعثروا في هذه المرة أيضا على سليم ضياء.

الإختفاء في بيوت الأصدقاء

ولا عجب في ذلك! فقد ترك المعارض السياسي بيته في الوقت المناسب بعد الإعلان عن فرض حالة الطوارئ. يشغل ضياء منصب رئيس حزب الرابطة الإسلامية في محافظة سند، وهو حزب رئيس الوزراء السابق نواز شريف الذي أطاح به مشرّف في انقلاب عسكري في العام 1999. كان ضياء يدرك حجم الخطر الذي سيواجهه في ظل الموقف الجديد. ففي خلال السنوات الماضية من حكم مشرّف أُودع الرجل السياسي السجن ثماني مرات.

فلكي يتفادى سليم ضياء محاولة القبض عليه من جديد أخفى نفسه في أماكن مختلفة منذ فرض حالة الطوارئ. فهو غالبا ما يجد مأوى له عند أصدقائه. وهكذا التقيناه عن طريق صديق مشترك في مكتب أحد سماسرة العقارات، وهو مكان لا يكاد ينتبه إليه أحد.

يوضح ضياء قائلا: "إن السجن بحد ذاته ليس مشكلة، فهو يقع ضمن قواعد اللعب عندما يمارس المرء نشاطا معارضا تحت حكم عسكري. ولكن يجب علينا أن نعدّ للانتخابات البرلمانية القادمة، وهو ما يفرض عليّ أن أكون حاضرا". لهذا نصحه الحزب أن يتوخى الحذر.

معتقلون من كل الأحزاب

كما تعرض السياسيون من الأحزاب الأخرى أيضا للقبض عليهم منذ إعلان حالة الطوارئ، وقد طال الإعتقال في المقام الأول رجال القانون من أمثال سليم ضياء. والسبب في ذلك أن المحامين والقضاة قاموا في الأشهر الماضية عن طريق المظاهرات والالتماسات بالتشكيك بشدة في شرعية إعادة انتخاب مشرّف للرئاسة مرة أخرى. وحالة الطوارئ تتيح لحكومة مشرف التحرك بما أوتيت من سلطة ضد هؤلاء وضد رئيس المحكمة العليا.

ترى السيدة زُهرة يوسف، إحدى القياديات الناشطة في لجنة حقوق الإنسان الباكستانية، أن "هذه تصرفات رجل أصابه اليأس". كما أنها تعتقد أن دعائم حكم مشرّف أخذت في التفتت بسرعة وصارت أيامه في قيادة الجيش معدودة.

إنتهاك حقوق الإنسان

كما لم تنج لجنتها من تلك الحملات، ففي اليوم التالي لفرض حالة الطوارئ تم الهجوم على اجتماع للجنة بمدينة لاهور من قِبل رجال الشرطة ووحدات تابعة للجيش، حيث جرى اعتقال سبعين ناشطا. ثم أُطلق سراحهم بعد أن قضوا يومين في السجن أو في بيوت الضيافة التابعة للحكومة. ولا تزال السيدة أسماء جهانغير رئيسة لجنة حقوق الإنسان الباكستانية رهن الإقامة الجبرية في منزلها.

وقد نصحت زُهرة يوسف زملاءها في كراتشي أن يتصرفوا بحذر عندما يبدون نقدا ضد الحكومة، وأن الأولوية القصوى الآن تكمن في تفادي إلقاء القبض عليهم. وهي تقول موضحة: "إنه من الصعب تحرير الناس من السجون، كما أن المحامين الذين يدعمون نشاطنا هم إما في السجون أو أنهم يقاطعون المحاكم احتجاجا على حالة الطوارئ".

غارات على الصحافة

هكذا تقلصت حرية التصرف عند معارضي الحكومة بصورة واضحة. وكانت وسائل الإعلام الالكترونية أول مَن عانى تحت هذا التأثير، حتى أنه قبل الإعلان عن فرض حالة الطوارئ منع أصحاب شبكات الإرسال التلفزيوني قنوات التلفاز الخاصة ذات البرامج الاخبارية من الاستقبال.

فمَن ليس لديه طبق فضائي، وهذا أمر يشمل سواد الباكستانيين، يعيش في حالة من التشاؤم منذ ذلك الوقت. وهكذا لن يُسمح لتلك القنوات بالبثّ عبر شبكات الإرسال مرة ثانية إلا إذا خضعت للرقابة الحكومية وأقلعت عن الحديث السلبي عن الجيش وقائده مشرف.

يعترف نديم جمال من قناة "داون نيوز" الناطقة باللغة الإنكليزية أن عمليات الضغط والاعتقالات في صفوف الصحفيين تؤثر على التغطية الإعلامية. ويؤكد جمال قائلا: "إننا حتى في الأحوال العادية نتأكد من صحة الوقائع في أفلامنا، أما الآن فأصبحنا أكثر حذرا، وهناك نوعا ما إحساس بخطر دائم يحوم فوق رؤوسنا".

مقاومة القيود

إلا أن مسألة النجاة بالنفس ليست المشكلة الوحيدة للصحفيين. فعلاوة على ذلك أصبح عملهم صعبا لأن كثيرا ممن يستقون منهم المعلومات صاروا رهن الاقامة الجبرية في بيوتهم أو في السجون. ويأسف نديم جمال "لأن هذا يجعل عمليات البحث عن المعلومات أصعب".

من المثير للدهشة أن الجرائد لا تزال تقوم بالتغطية الإعلامية في الوقت الحالي ضاربة بكل هذه القيود عرض الحائط. وحتى الآن لا يزال يُسمح لها بالنشر رغم نقدها اللاذع لتصرفات مشرّف، وسبب ذلك على الأرجح هو أن نصف الباكستانيين البالغ عددهم 160 مليون نسمة أميّون بسبب سياسة التعليم السيئة. وطبقا للتقديرات لا يقرأ الجرائد سوى حوالي مليون ونصف باكستاني فقط.

لكن ناقوس الخطر دق في دوائر الصحافة بوضوح لأول مرة، فبعد فرض حالة الطوارئ بأيام قليلة زار رجال البوليس إدارة تحرير إحدى الجرائد الناطقة بالأردية في كراتشي، حيث تم التخفظ على بعض تقارير المحررين ومنع جزء من الجريدة من الطباعة.

يا لها من أوقات عصيبة لحقوق الإنسان وحرية الرأي في باكستان.

بقلم أنيته مايسترز
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

لعبة الجيش المزدوجة
قام الرئيس الباكستاني مشرف السبت الماضي بفرض حالة الطوارئ مبررا خطوته تلك بحالة العنف السائدة في البلاد. إلا أن الأمر كله ربما كان محاولة لتفادي الحكم المتوقع صدوره ضد رئاسته من قبل المحكمة العليا واستباقا له. تعليق توماس بيرتلاين