صدام حسين وموقف منظمات حقوق الإنسان

أدانت منظمات حقوق الإنسان الدولية تنفيذ حكم الإعدام بحق الديكتاتور العراقي السابق صدام حسين، الموقف هذا نابع من الاقتناع بأن حقوق الإنسان مكفولة لكل فرد. تقرير دافنه أنتاخوبولس

صدام حسين أمام المدعي العام في تموز/يوليو 2004، الصورة: د ب أ
صدام حسين أمام المدعي العام في تموز/يوليو 2004

​​

ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 على أن "لكل فرد الحق في الحياة". وعلى الرغم من أن كل من يعيش في دولة دستورية يوافق على هذا الإعلان، إلا أن هناك بعض المواقف تجعل المرء يمعن التفكير في هذه الجملة: هل لديكتاتور قتل المئات والآلاف الحق في الحياة أيضا؟ أليس الإعدام عقوبة مناسبة له؟ دافيد بارتلت، المتحدث الرسمي للقسم الألماني بمنظمة العفو الدولية، يقول:

"إننا نستنكر عقوبة الإعدام ونرفضها رفضا باتا، وذلك لاعتبارات جوهرية، منها أن حقوق الإنسان الأساسية مكفولة لكل فرد ولا يُحرم منها أحد، وقد يصعب علينا تفهم ذلك في بعض الحالات، أن المجرمين الذي اقترفوا أبشع الجرائم تُكفل لهم حقوق الإنسان".

ويعتقد دافيد بارتلت أن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام لا تزال لديها عقوبات أخرى مناسبة، ويعلق على ذلك قائلا: "إن منظمة العفو الدولية - وكل إنسان عاقل - لا تشك في أن صدام حسين ارتكب أبشع الجرائم وعليه أن يتحمل المسؤولية. ويجب أن تكون العقوبة مناسبة لبشاعة الجرم. ولهذا فإننا إذا رفضنا عقوبة الإعدام فلن يبق أمامنا إلا السجن المؤبد".

ضرورة كشف الجريمة وخلفياتها

بينما كان المرء في الماضي يعتبر العقوبة كنوع من الانتقام والثأر لما ارتكب من جريمة، تغير هدف العقوبة على مر القرون. وأصبحت العقوبة اليوم تهدف أيضا إلى تأهيل المجرم للاندماج مرة أخرى في المجتمع. ولا تسري هذه القاعدة على ديكتاتور سابق. ولكن القضية العادلة تحقق هنا هدفا آخرا، ألا وهو أنه إلى جانب التكفير عن الإثم يجب كشف الجريمة وخلفياتها والمسؤولين عنها أمام المجتمع، بالإضافة إلى تناول القضية تاريخيا.

ويقول دافيد بارتلت: "إن الهدف الآخر المعني – وله أهمية بالغة خاصة في هذا الوضع الذي يتواجد فيه العراق - هو الإشارة الواضحة إلى أن هذه الدولة دولة جديدة بعد صدام حسين. وهي دولة قوامها الدستورية. كما أن القضية كانت من الممكن أن تشير إلى أن الدولة الدستورية لا تريد الأخذ بالثأر ولكنها تقول لمجرم خطير: إننا نتعامل معك يا صدام بغير ما عاملتنا به وسنحكم عليك طبقا لقوانين العدالة الدولية".

إشكالية المحكمة

ولكن تبقى هناك إشكالية في تحديد المحكمة التي تحكم في القضية بمثالية وعلانية وعدل ودستورية. فالمحكمة التي تنصبها القوى المنتصرة تظل – على الرغم من كل محاولات الحيادية – موصومة بأنها محكمة القوى المنتصرة. إن نقاد محاكم نورنبرغ لمقاضاة النازيين على أعمالهم البشعة لا يزالون يكررون كلمة "محكمة القوى المنتصرة"، وينسون في ذلك أن العالم كان يواجه آنذاك مثل هذه الجريمة لأول مرة ولم يكن هناك وسائل ولا قواعد لمعالجة القضية من الناحية القانونية.

قد تكون إحدى المحاكم في موطن المجرم حلا جيدا. فبدون تدخل من الخارج يمكن للدولة وجهازها القضائي وشعبها أن تعالج جرائمها الخاصة. ولكن يبقى هذه المبدأ صعب التحقيق، لأن هذه الدولة كانت ديكتاتورية بقضاتها وبسياستها التي تُفرض على المجتمع بكامله.

إن افتراض نظام قانوني فعال يعتبر من السذاجة، كما أنه من الصعوبة بمكان إجراء قضية عادلة في فترة حكم انتقالية مثل التي يعيشها العراق الآن. فأعداء الديكتاتور سابقا يحتمل أنهم يجلسون الآن على مقاعد الحكم ويحاولون ممارسة نفوذهم.

كما أن منظمة العفو الدولية وجدت أخطاء إجرائية عديدة في قضية صدام حسين، منها تأخر استدعاء محامين أو مقاطعة القضاة: "لقد كانت الإجراءات القضائية ضد صدام قضية ذات طابع سياسي واسع المدى ولم تكن مطابقة للإجراءات القضائية المعتادة في المحاكم"، حسب قول دافيد بارتلت.

لكن بارتلت يرى أن هناك احتمالية وجود حلول وسط: "إذا لم تتواجد محكمة في الوطن دون تدخل أجنبي لأن الأوضاع والظروف السياسية في البلد لا تسمح بذلك فهناك إمكانية ثانية – وقد اقترحناها بالفعل – وهي أن تكون المحكمة مختلطة من قضاة يتم استدعاؤهم دوليا، ولا يكونوا عراقيين. وبتدويل المحكمة يمكن خلق نوع من الوقاية. وهناك إمكانية أخرى، ألا وهي تقديم صدام حسين إلى المحكمة الدولية خارج العراق مثل ميلوسوفيتس وشخصيات أخرى. وللأسف لم يؤخذ بواحدة من الإمكانيتين الأخيرتين، مما أدى إلى النتيجة التي نراها اليوم".

تعتبر محكمة العدل الدولية في لاهاي على سبيل المثال من المحاكم المختصة لمثل هذه الجرائم على شرط أن يكون الجرم ارتكب بعد 2002. إلا أن محكمة العدل الدولية لا تحظى باعتراف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والعراق وإيران.

محاكمة نزيهة

وعلاوة على ذلك فإن محاكمة الديكتاتور ورئيس الدولة السابق محاكمة نزيهة يرتبط بالإرادة السياسية لأطراف القضية. فالسياسيون الذين يمسكون دفة الحكم في البلد المعني والدول المجاورة والمتورطة يجب عليهم بذل جهدهم من أجل محاكمة نزيهة. ولكن تلك المحاكمة النزيهة غالبا ما تبوء بالفشل لانعدام تلك الجهود.

ويعلق على ذلك السيد دافيد بارتلت: "يعتبر التنفيذ هو جوهر المشكلة، ومن الممكن أن يبوء التنفيذ بالفشل – وهذا ما عشناه دائما في قضية صدام حسين - بسبب الأوضاع والمصالح السياسية التي تزيد صعوبة التنفيذ، ولكن هذه مسائل تحتاج إلى وقت. والقضاء الدولي تطور بشكل كبير في الفترة الأخيرة، ولا رجوع إلى الوراء بعد اليوم. وأعتقد أن أمثال السيد تايلور ديكتاتور ليبيريا السابق سوف يشعرون بذلك".

بقلم دافنه أنتاخوبولس
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007

قنطرة

يحبّون طغاتهم أكثر ممّا يحبّون أنفسهم!
إذا كانت الأحزاب السّياسيّة التي تصف نفسها بـ"الدّيمقراطيّة" تنعى البطل الشّهيد صدّام حسين، والأحزاب الإسلاميّة التي تدّعي أنّها تريد الدّيمقراطيّة تنعى هذا البطل الذي كان نموذجا لغياب الدّيمقراطيّة ولسيادة قانون الغاب، فأيّ ذهنيّة سياسيّة لهذه النّخب؟ تعليق رجاء بن سلامة

سياسة حبل المشنقة
تم قبل أيام إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وهو حدث أثار ردود أفعال كثيرة على مستوى العالم كله. الصحفي توماس أفيناريوس كتب عن خطأ جعل المشنقة وسيلة لحل الصراعات السياسية والعواقب المترتبة عليه