"عقد صفقة والحفاظ على النظام الحاكم"

العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد عن بعض المعتقلين السياسيين بمناسبة حلول عيد الفطر، هل هي مبادرة لكسب الوقت في وقت يبدو أن الديبلوماسية السورية وصلت إلى طريق مسدود؟ حوار مع نديم شحادة.

نديم شحادة، الصورة: www.sant.ox.ac.uk
"يريد السوريون باختصار عقد صفقة والحفاظ على النظام الحاكم. هذه الصفقة هي عبارة عن تقديم مساعدة في العراق مقابل امتيازات لها في لبنان. "

​​

بعد قرار مجلس الأمن الذي يدعو سوريا إلى التعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ماهي الخيارات الموجودة لدى النظام في دمشق؟

نديم شحادة: خيار سورية هو كسب الوقت من خلال ابداء التجاوب مع جميع مطالب الولايات المتحدة وتكثيف الجهود الدبلوماسية مع الدول العربية التي تأمل بأن تكون الظروف مواتية للعمل مع الولايات المتحدة لفرض مزيد من الضغوطات في العراق تحديداً.

باستطاعة النظام السوري كسب الوقت بعدة طرق اخرى. اذا كانت تحريات المحقق الدولي ميليس سوف تفضي الى محاكمة دولية فهذا سيكون مكلفاً جداً وبيروقراطياً ويتطلب الكثير من الوقت. وعلى المدى البعيد والمتوسط فإن الوقت الى جانب نظام الأسد. في الأثناء تبدو سوريا معزولة عن الدول العربية.

إذا كانت سوريا تساعد المتمردين في العراق أو تتغاضى عنهم فهذا فقط لأن سورية لن تقوم بأية خطوة بدون مقابل، أخلق مشكلة لتحلها وتحصل على شئ في المقابل.

يريد السوريون باختصار عقد صفقة والحفاظ على النظام الحاكم. هذه الصفقة هي عبارة عن تقديم مساعدة في العراق مقابل امتيازات لها في لبنان. لذا فهم غير مستعدون لتقديم مساعدات أكثر دون التأكد من الحصول على مقابل لها من الولايات المتحدة. بالاضافة فإن تفاقم الأوضاع من حين لآخر يساعد كوسيلة ضغط.

هل سيمسك الجيش بزمام المبادرة؟ هل توافق الباحث الألماني فولكر بيرتس الذي كتب في صحيفة هيرالد تربيون بأن انقلابا عسكريا على نسق الانقلاب الذي قام به مشرّف في باكستان ليس هو الحل الأمثل بل أهون الشرين لمنع تطورات أكثر سوءاً؟

شحادة: هذه هي احدى السيناريوهات التي تُحاك عن سورية والبعض ربطها بالانتحار المزعوم لوزير الداخلية غازي كنعان الذي من الممكن ان يكون مرشحاً ليكون مُشرّف سوري من صفوف المقربين الى النظام. يعتمد هذا الافتراض على ضعف الرئيس بشار الاسد، حسبما يعتقدون، وان كنعان كان كبش فداء لانقاذ بقية النظام.

ليس هناك مرشحاً محدداً لذلك، وحتى لو كان فلن يعطه المحللون فرصة معقولة للنجاح. ان سورية كان لديها مُشرّف الخاص بها: حافظ الأسد، مثل هذه الانقلابات لا تصلح هذه الأيام وهذا ينطبق أيضا على حزب البعث الذي يحكم حسب النموذج الستاليني.

ولكني أؤيد تحليل فولكر بيرتس، أحد أبرز الخبراء في الشؤون السورية، أن هذا أفضل الخيارات في الوقت القريب وأقلها ضرراً.

هل لتحريات الأمم المتحدة وتقرير ميليس اية مصداقية في سورية أو أن الحكومة نجحت في ترسيخ فكرة انها ضحية مؤامرة غربية تقودها الولايات المتحدة؟

شحادة: تحاول الحكومة السورية الطعن في التقرير وتصويره على انه وسيلة لتبرير سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية ولاعادة رسم خريطة المنطقة ككل. يبدو أن الضغوطات الخارجية تدعم سورية خوفاً من حرب أهلية في حال انهيار النظام وخوفاً من فوضى عارمة على غرار ما يحدث في العراق.

من وجهة نظري ان النظام الحاكم في سورية قوي وليس هناك اية دلائل على زعزعات داخلية والحياة في دمشق مستمرة بشكل طبيعي تقريباً. العقوبات، وهذا غير محتمل الآن، سوف تغير هذا. ولكن أظهرت التجارب ان العقوبات لا تجد نفعاً والشعب هو الوحيد الذي يعاني تحت وطأتها وليس النظام كما حصل في العراق وليبيا. ولكن نظام كهذا سيبقى دائماً قوياً حتى انهياره.

هل بإمكان المعارضة في سورية استغلال الوضع الحالي لصالحها؟ هل هناك أصلاً معارضة في سورية؟

شحادة: تبدو المعارضة في سورية ضعيفة وغير منظمة وترغب في التعاون مع النظام للعمل على تغييرات تدريجية بدلاً من خطر الانهيار على النسق العراقي بكل ما يتضمنه من ريبة وزعزعة.

الاقتصاد السوري ضعيف وأي زعزعة قد تحمل عواقب وخيمة. يدعم إعلان دمشق الأخير الجهود لاصلاحات دستورية جذرية ولكنه ليس من الواضح فعالية هذا الإعلان. من الصعب تصور أية معارضة فعالة في ظل القوانين السورية الحالية التي تمنع تشكيل أية حركات سياسية خارج حزب البعث الحاكم.

أي طريق ستسلك الجهود الدبلوماسية الفرنسية؟ وما مدى تأثير أوروبا كقوة سياسية؟

شحادة: تتوخى فرنسا الحذر من تغيير النظام الحالي ويهمها ابقاء سورية بعيداً عن لبنان واعاده السيادة له. تملك أوروبا كقوة سياسية أدوات كثيرة في يدها مثل اتفاقية الشراكة الاورومتوسطية (عملية برشلونة) وخطة العمل في سياسة الجوار الاوروبية التي قد تساعد في الاصلاح، اذا افترضنا ان النظام قابل للاصلاح.

تعطي هذه السياسات نتائج بطيئة ولا تناسب ظروف حرجة مثل هذه. لا أعتقد ان هناك إجماعا دوليا على كيفية التعامل مع سورية او اي تصور عن مرحلة ما بعد الأسد. تشكل هذه الحيرة في التعامل مع سوريا والخوف الذي يولده اهم الحوافز لها.

أجرى الحوار لويس كروب
ترجمة منال عبد الحفيظ شريده
حقوق الطبع قنطرة 2005

نديم شحادة باحث في "شتام هاوس" بالمعهد الملكي للعلاقات الدولية بلندن.
لويس كروب محرر الصفحة الإنكليزية في موقع قنطرة.

قنطرة

تدخل في الشؤون الداخلية أم تحقيقات حيادية؟
قدم ديتليف ميليس تقريره النهائي عن نتائج تحريات مقتل الحريري إلى كوفي أنان في 21 تشرين الأول/أكتوبر. ولم يسبق أنْ نجح تحقيقٌ في أيّ من عمليات الإغتيال الكبرى في لبنان. فهل سينجح هذه المرة؟ تقرير برنهارد هيلنكامب من بيروت عن التوقعات والمخاوف

النخب الحاكمة لم تتغير
الصحفي السوري على الأتاسي يتحدث في الحوار التالي عن وضع المجتمع المدني في سوريا.

www

مقال الباحث الألماني ومدير مؤسسة العلم والسياسة في برلين في صحيفة هرالد تريبون (بالإنكليزية)

المعهد الملكي للعلاقات الخارجية