نقل اليوميّ-المألوف إلى سياق ثقافي-جمالي آخر

باعتبارها ابنة لأم ألمانية وأب إيراني، تعالج الفنانة أناهيتا رازمي في أعمالها الفنية قضايا سياسية واجتماعية ترتبط غالبًا بإيران، مستخدمةً مقتنياتٍ وتصرفاتٍ وصوراً وأصواتاً مألوفة، وتُعتبَر أعمالها أول ما قدمه متحف شتوتغارت في ألمانيا في مجال الفنون الفردية، كما ترينا دانييلا غريغوري.

تحافظ أناهيتا رازمي على علاقة خاصة مع البلد الذي ينحدر منه والدها. مستوى ارتباطها ببلد أبيها من مستوى علاقتها بالغرباء، وبحسب قولها كعلاقة "شخص يقف خارج مكان ما، لكنّ له في الوقت ذاته علاقة غير مُعرَّفةٍ بهذا المكان الغريب".

باعتبارها ابنة لأمٍ ألمانيةٍ وأبٍ إيرانيٍ تبنّت الفنانة ذاتها إنتاج تلك العلاقة في كثيرٍ من أعمالها وذلك بشتى أساليب المقاربة وبنتائج مدهشة في كثيرٍ من الأحيان. وغالبًا ما تذهب الأعمال للتساؤل عما يمكن حدوثه إذا نـُقل اليومي المعتاد كالمقتنيات أو التصرفات أو الصور والأصوات المألوفة إلى سياقٍ ثقافيٍ وجماليٍ آخر.

وتشكل هذه الإزاحات الدلالية ونتائجها في كثيرٍ من الحالات أساسًا لأعمال الفنانة التي أمكن مشاهدتها في شتوتغارت.

سيارة بايكان الإيرانية.  حقوق الصورة: أناهيتا رازمي
سيارة بايكان المرغوبة لدى الإيرانيين دائمة الحضور على شوارع طهران ولكنها لا تكاد تكون معروفة خارج إيران. (أناهيتا رازمي، مشروع بايكان، 2010/2011، سيارة وثمانٍ وثلاثون وثيقة خطية ولقطات فيديو بالحركة البطيئة مدتها إحدى عشرة ساعة).

​​بسيارة بايكان الإيرانية إلى ألمانيا

بايكان ماركة السيارات الأكثر شيوعًا والأقل كلفةً في إيران، لكنْ قلما نراها على الشوارع خارج حدود هذا البلد. وفي إطار "مشروع بايكان" اشترت الفنانة في طهران سيارةً مستعملةً ماركتها بايكان ونقلتها إلى ألمانيا. أمرٌ استغرق شهرين من الزمن.

احتاجت الرحلة إلى شهر واحد. إلا أن الفنانة أناهيتا رازمي انشغلت قبل ذلك على مدى شهرٍ كاملٍ في عمليةٍ بيروقراطيةٍ مكلفةٍ حتى حصلت على تصريحٍ بالسماح لها بمغادرة البلد بالسيارة.

​​

يتألف العمل الفني التركيبي من السيارة ذاتها ومن 38 وثيقة بكل ما فيها من أختامٍ وتصديقاتٍ رسمية. وتمتد الوثائق بحروفها التي تبدو لعين الناظر الأوروبي كرسومٍ فنية غير مفهومة، وبمثابة نقوشٍ زخرفيةٍ على عرض الحائط، بينما يجري توثيق عملية الانتقال بالسيارة في مقاطع تسجيلات فيديو مدتها إحدى عشرة ساعة.

يمكن هنا رؤية الفنانة تخلع حجابها وهي تجلس على المقعد الأمامي بجانب السائق بعد عبور حدود البلد شبه المقفلة بإحكام. مشاهد الطبيعة المحيطة تمرّ بالسيارة، وربما دنت أفكار المسافرين في وقت ما من المحيط المألوف لوجهتهما، حيث ترد في محادثة عارضة بينهما في اللا مكان بين طهران وشتوتغارت عبارة: "ذلك المشهد الطبيعي يشبه منطقة الغابة السوداء في ألمانيا".

ترسانات لا خطر منها

ضمن عملها الأخير فيديو "ترسانات" الذي يعرض في شتوتغارت نرى الفنانة في لقطاتٍ عن قرب تزفر دخانًا، ويجري عرضها بالحركة البطيئة. وربما يدفع ما يجري استبيانه في اللقطات إلى الحيرة، إذ أنَّ المُشاهد لا يرى كيف تتنفس بطلة المشهد ولا يرى ما الذي كانت قد استنشقته. إلا أنَّ الموسيقى المرافقة لهذا المقطع نسمع مثلها عادةً في المواجهات الحاسمة في أفلام هوليوود.

توجه الفنانة خواطر المتلقي باتجاه محدد، حيث يفكر المرء سريعًا لدى رؤيته سحب الدخان المنبعث بالدخان الذي يخرج من أسلحة تطلق النار. لكن يتلاشى الانقباض عندما يتبيّن المرء في قاعة العرض المظلمة جملة من الأشياء الملفوفة بالسواد، كان لها وقعٌ مهيبٌ، وما هي في الواقع إلا نراجيل شرقية لا خطر منها.

أناهيتا رازمي. حقوق الصورة: أناهيتا رازمي
غيوم من دخان بوصفها "أسلحة تنفث دخانًا": ضمن معرضها في شتوتغارت وفي عمل الفيديو الذي حمل عنوان "ترسانات" نرى الفنانة في مشهدٍ بالحركة البطيئة وهي تنفث الدخان.

​​إنَّ استخدام مقاطع أفلام تم أخذها من مصادر أخرى (Found Footage) هي أفلام معروفة بالصورة أو بالنص أو بالصوت يُعَدّ أيضًا من مبادئ عمل الفنانة مثل إعادة تمثيل عمل أدائي سابق لأحد الزملاء المعروفين. هكذا تسترشد أناهيتا رازمي في تركيب الفيديو "قطعة سطح طهران" (Roof Piece Teheran) بعمل "روف بيس" للفنانة تريشا براون، الذي تم عرضه عام 1971 في نيويورك. وهكذا نرى على اثنتي عشرة شاشة شخوصًا على أسطح، يعكس الواحد تلو الآخر عرضًا لحركات راقصة تتجاوز خطوط ارتسام الشوارع.

الفنانة أرادت بهذا العمل أن تخطو نحو إيران الراهنة بحسب قولها، حيث لا يوجد رقص حديث في إيران، فهو محظور في الحيز العام مثله مثل الأداء الفني. ولأجل القيام بمثل هذه الأعمال المحفوفة بالخطر في تلك الدولة الرقيبة، لا بدَّ من العمل بالسر.

فوق أسطح بنايات طهران

نجح العمل بالرغم من ذلك، وإنْ حصل ذلك ضمن مستوى تلقّي إضافي، حيث أنَّ طهران ليست نيويورك، كما تعود تلك الصور إلى الذاكرة بلا هوادة، صور تلك النساء اللواتي صرخن تحت جناح الليل محتجات من فوق أسطح المنازل في طهران. صورٌ انتشرت في العالم عام 2009 أثناء الاضطرابات التي حصلت في إيران، فالفن بالنسبة لأناهيتا رازمي يعني القدرة على التعبير عن موقف.

فقط في عمل "طهران الجدار الأبيض" (2007) اضطرت الفنانة لترك إدارة إعداد الفيديو لآخرين فترة قصيرة. حيث ألقت عناصر من الحرس الثوري الإيراني القبض على أناهيتا رازمي لأنها كانت قد صورتها قبل فترة وجيزة.

وعند تصوير الجدار الأبيض في المقر المركزي محى أحد الحراس سبعًا وعشرين ثانية من محتويات شريط الفيديو. وهذه تمثّل بمعية الأصوات في الغرفة وتلك التي تنفذ من الخارج نواة العمل المهمة. وقد عبر العمل عن موقف بالرغم من ذلك.

 

دانييلا غريغوري
ترجمة: يوسف حجازي
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: معهد غوته/ قنطرة 2013