ردود الفعل الكاريكاتوريّة على الرّسوم الكاريكاتوريّة

من يسيء حقّا إلى الإسلام: الرّسّام الدانماركي الذي رسم الكاريكاتور، أم ردود الفعل التي تطالب بإعادة بوليس الفكر ومحاكم التّفتيش؟ تتساءل رجاء بن سلامة في تعليقها التالي.

حرق السفارة الدانماركية في بيروت، الصورة: أ ب
"تخيّلوا جيشا من المقاتلين المدجّجين بأحدث الأسلحة ينبرون جميعا لمطاردة بعوضة، مهلّلين مكبّرين، معتقدين أنّ تلك البعوضة ستلحق دمارا شاملا ببلادهم وتنتهك حرماتهم ومعتقداتهم وثوابتهم؟"

​​من يسيء حقّا إلى الإسلام الذي يعتنقه منذ خمسة عشر قرنا آلاف الملايين من البشر: الرّسّام الدانماركي الذي رسم الكاريكاتور، أم ردود الفعل التي تطالب بإعادة بوليس الفكر ومحاكم التّفتيش؟ تتساءل رجاء بن سلامة في تعليقها التالي.

هل رسول الإسلام والإسلام نفسه مهدّدان إلى هذا الحدّ بالانهيار والتّلاشي جرّاء الرّسوم الكاريكاتوريّة المنشورة في صحيفة دانماركيّة، حتّى تتعالى صيحات الفزع من كلّ مكان، وتبادر الحكومات إلى سحب سفرائها، ويبادر المتفقّهون بالمطالبة بمقاطعة البضائع الدّانماركيّة، وتبادر الهيئات الإسلاميّة الموقّرة إلى الاحتجاجات الرّسميّة؟

الموقف فعلا أكثر كاريكاتوريّة من الرّسوم نفسها، لأنّ الكاريكاتور التي أنتجه الصّحفيّ الدّانماركيّ هو من باب الخيال الفنّيّ، أمّا الكاريكاتور الذي تنتجه الشّعوب الإسلاميّة والعربيّة منها بالخصوص فهو من باب الواقع المرير الذي تتحوّل مرارته إلى فكاهة سوداء مبكية مضحكة: تخيّلوا جيشا من المقاتلين المدجّجين بأحدث الأسلحة ينبرون جميعا لمطاردة بعوضة، مهلّلين مكبّرين، معتقدين أنّ تلك البعوضة ستلحق دمارا شاملا ببلادهم وتنتهك حرماتهم ومعتقداتهم وثوابتهم؟

من يسيء حقّا إلى هذه الدّيانة التي يعتنقها منذ خمسة عشر قرنا آلاف الملايين من البشر: الرّسّام الذي رسم الكاريكاتور، أم ردود الفعل الغوغائيّة التي تطالب بإعادة بوليس الفكر ومحاكم التّفتيش؟ أليست المطالبة بمحاكمة الصّحفيّين من أجل إبداء الرّأي إرهابا فكريّا؟ هل نلوذ بالإرهاب الفكريّ إذا ما أعوزنا السّبيل إلى الإرهاب الفعليّ؟

نريد كلّ يوم أن نثبت إلى العالم أنّ الإسلام بمنأى عن الإرهاب والإرهابيّين، وأنّ الإرهابيّين الذين يروّعون الأبرياء في كلّ مكان ليسوا من الإسلام في شيء، وأنّ الإسلام دين محبّة وتسامح، ونقدّم في كلّ يوم الدّليل على أنّ الإسلام الذي نريده، ونذود عنه يسير في اتّجاه الصّدام مع الآخرين، وفي اتّجاه الحرب الصّليبيّة المعكوسة، وفي اتّجاه الأفق الضّيّق، والعبوس اللاّهوتيّ.

هل تسيء الرّسوم حقّا إلى الإسلام والمسلمين؟ هل تقلّص عدد المسلمين وخرجوا من دين اللّه أفواجا بعد أن كتب سلمان رشدي "الآيات الشّيطانيّة"؟ وقديما، هل انهار الإسلام جرّاء ما كتبه أهل البدع، وما نظمه أبو نواس وعمر الخيّام والمعرّيّ من أشعار ساخرة مشكّكة؟

ألا ينبغي أن يوجد الباطل لكي يوجد الإيمان، ولكي يمتحن المؤمن نفسه إزاء أهل الباطل؟ ثمّ ماذا يترك المؤمنون للّه حتّى يتحوّلوا إلى قضاة في الدّنيا قبل الآخرة؟ ثمّ إن كان تحريم تمثيل الأنبياء والصّحابة يلتزم به المسلمون المؤمنون، فلماذا يريدون فرضه على الأمم الأخرى، التي واجهت سلطة رجال الدّين طيلة قرون، لكي تصل إلى التّحقيق الفعليّ لحرّيّة الرّأي والمعتقد؟

يحقّ لنا أن نشكّ شكّا معرفيّا لا تفتيشيّا في إيمان هؤلاء المطلقين لصيحات الفزع، فالمؤمن إذا كان راسخ الإيمان لا تهمّه مواقف الآخرين من معتقداته. إنّ الهوس هو الخوف ممّا لا يخيف في الواقع الخارجيّ، وإنّ هؤلاء المطلقين لصيحات الفزع يخافون من ذواتهم التي أصبحت غير قادرة على امتحان إيمانها إزاء اللاّإيمان.

إنّهم غير قادرين على مواجهة امتحان الحداثة الفكريّة لمعتقداتهم، ولذلك فإنّهم يلجّون في الاستغاثة، ويريدون لعب دور الضّحيّة لكي يبرّؤوا أنفسهم من شكوكهم المكبوتة.

وهناك منسيّ في كتابات هؤلاء الذين انبروا يصيحون : "واإسلاماه"، ومنهم من صاح بالمناسبة "واحجاباه"، معتقدا أنّ الحجاب هو الفريضة الأولى للإسلام. هذا المنسيّ لدى جنود محاكم التّفتيش العربيّة ممّن يعدّون أنفسهم مثقّفين وكتّابا هو الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان والمادّة 19 منه تحديدا، وقد بحّت أصواتنا ونحن نذكّر بها:

"لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود."

ربّما يكمن المشكل في انتماء الشّعوب الإسلاميّة إلى زمنين في نفس الوقت، زمن العولمة والمكاسب المدنيّة والإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، وزمن مصادرة فكر غير المسلمين وتسليط حكم الرّدّة على المسلمين. نريد أن ننتمي إلى الزّمنين معا، ونريد أن نستعمل مبادئ الزّمن الدّيمقراطيّ (المطالبة بالمحاكمة، استعمال القنوات الدّبلوماسيّة، التّوجّه إلى الأمم المتّحدة...) لجرّ البشريّة إلى الزّمن اللاّهوتيّ المظلم (تكميم الأفواه، ومصادرة الآراء والتّعبيرات الفنّيّة)، ولتصدير بؤسنا المدنيّ والفكريّ إلى كلّ العالم.

الهيئات الإسلاميّة الموقّرة التي تبادر اليوم إلى الاحتجاج على رسوم صحفيّ من الدّانمارك، أليس من الأولى بها أن تساعد المؤمنين على إبداع أشكال من التّديّن تحترم المكتسبات المدنيّة الحديثة، وأن تعلن تعليق حكم الرّدّة، بناء على أنّ القرآن نفسه لا يقرّه، وتقرّ بمبدإ العدالة والمساواة للجميع، وتقرّ فعليّا بمبدإ التّسامح؟ فما معنى التّسامح إذا كنّا لا نسمح بأيّ هامش للآخرين حتّى يبدوا آراءهم ممّا نعتبره حقائق ثابتة؟

لا حدّ لهذا الهوس الشّعبيّ والرّسميّ الذي ترامت أطرافه: ربّما سنطالب في يوم من الأيّام بمحاكمة فولتير لسخريّته من الأديان، وماركس لاعتقاده بأنّ الدّين أفيون الشّعوب، وفرويد لاعتباره الإله بديلا عن الأب واعتباره الدّين وهما، وسارتر لوجوديّته الملحدة... وأن نطالب الحكومات المسؤولة عن رفاتهم بالاعتذار للمسلمين وبإحراق كتبهم ومنعها من التّداول، لأنّها تسيء إلى الإسلام.

وربّما طالبنا الأمم المتّحدة أيضا بسحب المادّة 19 من الإعلان العالميّ عن حقوق الإنسان، وبالاعتذار عن المبادئ التي تجعل أيّ صحفيّ أو كاتب يبدي رأيا أو يرسم كاريكاتورا يسيء من بعيد أو قريب إلى الإسلام.

بقلم رجاء بن سلامة
صدر المقال في موقع إيلاف
حقوق الطبع رجاء بن سلامة 2006

رجاء بن سلامة أكاديمية تونسية مقيمة في القاهرة.

قنطرة

أين أصحاب الفكر المتزن؟
حينما نشرت جريدة دانمركية رسوما كاريكاتيرية للنبي محمد لم يكن أحد يتوقع لها أن تثير مثل هذه الضجة العارمة التي تجتاح الآن العالم الإسلامي كله. فقد اعتبرها المسلمون المتشددون إهانة مقصودة فيما تشبث الغربيون بفكرة حرية الصحافة. أيمن مزيك أيمن مزيك يلقي الضوء على الحقائق الكامنة وراء هذا التصعيد.

قنبلة في عمامة
ثمة سؤال يستدعي الإجابة بعد أن نشرت إحدى الصحف الدانماركية كاريكاتورا يطال النبي محمد: هل يجوز أن تبقى حقوق من نوع حرية الصحافة والتعبير بلا قيود وأن لا تعامل بالمثل على غرار حريات أخرى التي تنتهي عند حدود حرية الآخرين؟ تعليق بقلم بيتر فيليب.

أكثر من مجرد التطرق إلى مشكلة الكاريكاتور!
مناقشات حول رسوم الكاريكاتور للنبي محمد أو العداء ضد الأجانب أو الحياة اليومية للأقلية المسلمة – هذه المواضيع لا تتطرق إليها وسائل الإعلام الأوربية فحسب، بل أصبحت جزء من اهتمامات الصحفيين العرب أيضا. تقرير غوتس نوردبرو