الناخبون بين الخوف من أعمال عنف وضغوط أمراء الحرب

ترى الأمم المتحدة والحكومات الغربية أن الانتخابات البرلمانية التي جرت في أفغانستان للمرة الأولى منذ 36 عاما تشكل خطوة أخرى نحو تكريس الديموقراطية، رغم أن نسبة مشاركة الأفغان لم تتعد الخمسين بالمائة. تعليق كارين فيشر من كابول

إمرأة أفغانية تشترك في ندوة عن الانتخابات الأفغانية، الصورة: أ ب
سيتم الإعلان عن نتائج الانتخابات لبرلمانية في شهر أكتوبر/تشرين الأول.

​​بناء على رؤية الأمم المتحدة والحكومات الغربية فإن الانتخابات البرلمانية التي جرت في أفغانستان للمرة الأولى منذ 36 عاما تشكل خطوة جديدة أخرى نحو تكريس الديموقراطية هناك، رغم أن نسبة مشاركة الأفغان لم تتعد الخمسين بالمائة. تعليق كارين فيشر من كابول

كانت هناك توقعات كبيرة قائمة قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية في أفغانستان. وكما جرت العادة فكلما كانت التوقعات كبيرة كلما نجم عن ذلك ظهور خيبة آمال لدى الأشخاص المعنيين. لكنه من المؤكد أن تنظيم انتخابات في مناطق جبلية وعرة مثل أفغانستان يشكل في حد ذاته عملا لوجستيا بارعا. والمعروف أن الأفغان الذين شاركوا في تلك الانتخابات يعقدون آمالا كبيرة عليها.

لا ينكر النقاد ذلك إلا أنهم يرون بأن نسبة المشاركة الضئيلة على ما يبدو في الانتخابات قد أظهرت عدم صحة الخط الذي اُعتمد في هذا الصدد. لكن اعتبار نسبة المشاركة في الانتخابات المعيار الأساسي لنجاح الانتخابات يتسم بالتبسيط.

من أهم أسباب ذلك وجود أعداد ضخمة من المرشحين، فقد رشح 5800 شخص أنفسهم لانتخابات البرلمان ومجالس الأقاليم، وبلغ عدد المرشحين في كابل وحدها 390 فردا. والجدير بالذكر هنا أنهم رشحوا أنفسهم كأفراد حيث أن الأحزاب لا تلعب أي دور في نظام الانتخاب الراهن.

وقد تم هذا الأمر بناء على رغبة الرئيس حامد كارزاي الذي نجح في هذا الصدد في فرض إرادته رغم معارضة الكثيرين من خبراء شؤون الانتخابات. والمعلوم أن وجود مئات من الخيارات الانتخابية كانت ستكبد الناخبين جهدا كبيرا، كما أنه يترتب على من أولوا عملية الاقتراع أهمية فعلية أن يقوموا قبل ذلك في بلد مثل أفغانستان بتهيئة الناس على نحو كبير لجعلهم قادرين على اتخاذ القرار.

ووجد الكثيرون من الأفغان أنفسهم أمام بديلين في غاية الصعوبة، فكان عليهم إما أن يقترعوا بحرية ووفقا لضمائرهم وإما أن يذعنوا للضغوط التي يمارسها عليهم أمراء الحرب الإقليميون.

والمعروف أن أمراء الحرب المذكورين ليسوا بطبيعة الحال مثلا يحتذى به بالنسبة للديموقراطية لكنهم يحرصون في آن واحد حرصا شديدا على تبوء المقاعد البرلمانية. حيث أنهم يوظفون هذه المقاعد من أجل تقوية نفوذهم مستغلين الديموقراطية قناعا لهذا الغرض.

هذه المخاوف التي تساور نفوس الكثيرين من الأفغان لا يمكن غض النظر عنها. وهذا الأمر قد يعني بأن الانتخابات لا تكاد أن تكون قادرة على تغيير هياكل القوى المهيمنة في البلاد ولو بصفة غير رسمية.

من ناحية أخرى كيف يمكن منع أمراء الحرب من عبورات البرلمان طالما حازوا من الناحية الرسمية على عدد كاف من الأصوات؟

والمعروف أن الجهة المعنية بالشكاوي داخل لجنة الانتخابات لا تملك لا الحقوق ولا الإمكانيات التي تخولها للتدخل في هذا الصدد. ما الحكومة نفسها فإنها لن تتدخل أيضا تفاديا لصراعات قد تنجم عن ذلك بينها وبين أمراء الحرب.

هناك سبب آخر حال دون مشاركة الكثيرين من الأفغان في الانتخابات وهو ببساطة خشيتهم من تعريض حياتهم للخطر، فمن المعروف أن إجراء الانتخابات يرتبط ارتباطا وثيقا باحتمال وقوع أعمال العنف.

لهذا لم يكن مدهشا أن شوارع العاصمة كانت شبه خالية من المارة والسيارات في يوم إجراء الانتخابات على عكس الحال في الأيام الأخرى التي يكون فيها من الصعب على المرء أن يسلك طريقه في خضم ازدحام المرور بين السيارات والعربات التي تقودها البغال والدراجات والمشاة.

وقد تواجدت أعداد كبيرة من الأفراد التابعين لقوات الأمن الوطني والدولي للقيام بحماية سير الانتخابات بقدر الإمكان. مع ذلك فقد وقعت أحداث دموية في إقليم قنارعلى سبيل المثال حيث لقي ثلاثة ناخبين مصرعهم نتيجة إطلاق في النار. فإذا كان الاقتراع سيحسم مسألة الحياة أو الموت لم يكن مدعاة للدهشة أن يفضّل البعض البقاء في بيوتهم.

بغض النظر عن نسبة المشاركة لم يحن الوقت بعد لمعرفة ما إذا كانت الانتخابات قد كللت بالنجاح أو باءت بالفشل. وذلك لأن يوم الانتخاب لم يتعد كونه خطوة أولى ومن الناحية الزمنية الجزء الأصغر من الانتخابات البرلمانية.

أما الآن فهو الوقت المخصص لعدّ الأصوات والتحقق من النتائج. وهذا الأمر نفسه عرضة للمشاكل أيضا، وذلك في موعد أقصاه الإعلان عن الفائزين والمهزومين. وعندما يبدأ الصراع على المقاعد البرلمانية كان الطعن في نتائج الانتخابات هو الحال الأفضل مهما كلّف ذلك من وقت، أما في أسوأ الحالات فإن أعمال العنف ستستهدف الفائزين في الانتخابات.

ويتعيّن علينا من الآن ألا نقلل من خطورة خلق إحباط لدى الناخبين والمرشحين فيما لو طالت الفترة الزمنية المرافقة لهذه العملية، ففي هذه الحالة سوف يقل في المستقبل عدد الأفغان الذين سيشاركون في الانتخابات.

بقلم كارين فيشر
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2005

قنطرة

حدث تاريخي رغم العديد من العثرات
الثامن عشر من أيلول/سبتمبر هو موعد الانتخابات البرلمانية والمحلية في أفغانستان. الانتخابات هي إتمام للخطوة الأخيرة على طريق بناء الهيكل المؤسساتي من أجل نظام ذات طابع ديمقراطي في أفغانستان. تحليل سعيد موسى صميمي