الإسلام اعتقاد وهوية

تتحدث الباحثة الاجتماعية يوته كلاوزِن في الحوار التالي عن النخبة السياسية لدى المسلمين الأوروبيين، نوّاب وأعضاء مجالس استشارية ورؤساء جمعيات من السويد والدانمارك وهولندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

يوته كلاوزن، الصورة: cafebabel
يوته كلاوزن

​​تتحدث الباحثة يوته كلاوزِن في الحوار التالي عن النخبة السياسية لدى المسلمين الأوروبيين، نوّاب وأعضاء مجالس استشارية ورؤساء جمعيات من السويد والدانمارك وهولندا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، موضوع تناولته في دراسة اجتماعية.

يوته كلاوزِن باحثة في الأكاديمية الأمريكية في برلين وهي أستاذة في جامعة براندآيَس. وقد أعدت دراسة عن النخبة السياسية المسلمة، سألت فيها مائتي وخمسين مسلمًا، من نوّاب وأعضاء مجالس استشارية ورؤساء جمعيات في ست دول: السويد والدانمارك وهولندا وبريطانيا العظمى وفرنسا وألمانيا.

هل يطلق اسم "مسلم" على الأشخاص الذين تحدثت معهم، أم أنهم يعتبرون أنفسهم مسلمين؟

يوته كلاوزِن: أنا أتعامل شخصيًا مع المصطلح "مسلم" مثلما يتحدث الناس في الولايات المتحدة الأمريكية عن اليهود: فهذا المصطلح يدل على الاعتقاد وعلى الهوية. في دراستي قال أربعة من خمسة أشخاص، إن الإسلام بالنسبة لهم مهم جدًا أو مهم. لكن من لم يكن الإسلام مهمًا لهم بهذا القدر، فهؤلاء كانوا راضين عن هذا الملصق، وذلك لحاجتهم لصفة يصفون أنفسهم بها.

وقد قال لي نائب: "لم أفكر بديانتي بهذا القدر من قبل. لكنني أريد الآن، حيث يتحدث الكل عن "المسلمين"، أن أقف وأقول: أنا واحد منهم أيضًا." إذ أدى التعامل العنصري مع المصطلح "مسلم" في الخطاب العلني، إلى تقارب المسلمين الأوروبيين من بعضهم البعض، كل حسب معتقداته الخاصة وحسب أصله. حتى أن أيان هرسي علي التي كتبت مع مخرج الأفلام الهولندي تيو فان غوخ، الذي قتل أخيرا، قصة الفيلم الاستفزازي الذي يقع في عشر دقائق، تقول عن نفسها إنها "مسلمة سابقة، مسلمة".

كيف تفكر النخبة المسلمة في وضع المسلمين ضمن المجتمعات الأوروبية؟ وهل شكّل الـ١١ من أيلول/سبتمبر ٢٠٠١ نوعًا من نقطة تحوّل؟

كلاوزِن: لقد أجمع المسلمون الذي يشغلون مناصب قيادية سياسية والذين تحدثت معهم، على وجود صورة مشوّهة عن المسلمين في المجتمعات الأوروبية. وحتى أن الأشخاص المندمجين جدًا في الحياة العامة يشعرون بذلك. أما الـ١١ من أيلول/سبتمبر فقد أدى إلى الإسراع في قضية، كانت في مرحلة نمو.

لقد قال بيم فورتين قبل هذا التاريخ، إن المسلمين يشكلون خطرًا على الهوية الهولندية. إذن فهذا الحدث جعل فقط النقاش حول الفرق الشاسع بين المسيحيين والمسلمين ممكنًا وبشكل علني. ومع ذلك فقد ذكر الكثير من المسلمين أحداثًا في بلادهم واعتبروها نقطة التحوّل الحاسمة، وذلك من النقاش المشروع حول مشاكل الاندماج إلى نوع من الهستيريا.

أما في السويد فقد تسببت "جريمة شرف" اقترفها أب مسلم بحق ابنته الشابة المسلمة، في أن السويديين صاروا يرون فجأة في كل امرأة مسلمة ضحية للإسلام سقطت بإرادتها أو من دون إرادتها؛ كما راح السويديون يعتبرون الحجاب دليلاً دامغًا على القمع.

ومن خلال قضية سلمان رشدي في عام ١٩٨٩ راح البريطانيون يعتقدون فجأة، أن كل المسلمين يعارضون الديموقراطية. كما تجدر ملاحظة أن الكثيرين من المسلمين البريطانيين يقولون اليوم، إن الاحتجاجات التي ناهضت سلمان رشدي وأعمال حرق نسخ من كتابه كانت "خطأً فادحًا"، وإنهم تعلموا من ذلك الخطأ. لقد قال لي إمام مسجد بريطاني إن "الحق في التعبير عن الرأي تعبيرًا حرًّا شيء حسن. فهو يحمينا ممن يكرهوننا".

هل تجدين فروقًا كبيرة بين مختلف الدول فيما يخص حجم التمييز العرقي؟

كلاوزِن: بناءً على الأسئلة التي طرحتها من أجل قياس حجم استياء من سألتهم، وجدت الأمور في السويد وبريطانيا على أحسن ما تكون، ولكنها كانت رديئة للغاية في كل من هولندا والدانمارك وألمانيا. ومع أني لم أحلل الأجوبة التي حصلت عليها في فرنسا بعد، لكن يمكن لي أن أستنتج من الأحاديث الشفوية التي أجريتها هناك، أنه يوجد في فرنسا نقص متفاقم في اندماج شرائح المجتمع الرائدة.

في أيلول/سبتمبر انتُخِبت امرأتان مسلمتان في مجلس الشيوخ. لكنهما أول امرأتين بلغتا هذا المنصب. من الجدير أن نلاحظ هذا، خاصة إذا التفتنا إلى أن عدد المسلمين في فرنسا يتراوح بين أربعة وخمسة ملايين، الكثيرون منهم (العدد الدقيق مجهول) يحملون الجنسية الفرنسية. ويرجع السبب في ذلك إلى امتناع الأحزاب السياسية عن تسجيل مسلمين في قوائمها الانتخابية؛ إلا إذا كانوا من جاحدي الإسلام.

ما نوع العلاقة القائمة بين الـ"النخبة المسلمة" والمسلمين الآخرين في المجتمعات الأوروبية؟

كلاوزِن: لا يُنتخب النوّاب البرلمانيون وأعضاء المجالس الاستشارية المسلمون من قبل الناخبين المسلمين، إنما غالبية من يقوم بانتخابهم هم من غير المسلمين. كما أنهم لا يعتقدون، أن مهمتهم الرئيسة هي تمثيل المسلمين. وبالطبع لقد بدأت الأحزاب السياسية، تسجّل في قوائمها الانتخابية مرشحين مسلمين وغيرهم من المهاجرين في الدوائر الانتخابية، التي يعيش فيها مواطنون كثيرون تدخل الهجرة في ماضيهم.

لقد تحول موضوع الهجرة والتمييز العرقي الذي يتعرض له المسلمون خاصة، إلى مسألة حساسة في السياسة الأوروبية: ابعد يدك أو أنك ستحرقها. لذا فإن اندماج المسلمين يشكل موضوعًا، هو في أمّس الحاجة إلى قيادة سياسية وتدابير جديدة. فالشخصيات القيادية المسلمة في الأحزاب المعترف بها والمؤسسات هم مرشحون جيدون للعب هذا الدور. لكن عندما يقومون بهذا الدور، فهم يُقدمون على مخاطرة عظيمة.

يفترض أن المسلمين الشباب المولودين في أوروبا مهيؤون بشكل أفضل من آبائهم وأمهاتهم، من أجل ممارسة العمل السياسي. فهل لهم حضورًا حسنا في النخبة المسلمة؟

كلاوزِن: هناك نتيجة مفاجئة في دراستي، وهي أن ثلاثة أرباع السياسيين المسلمين القياديين هم حاليًا من أبناء جيل المهجر الأول. غالبًا ما نعتقد، أن السياسيين المعاصرين هم عبارة عن منتجات ناجحة لنظام الدولة الأوروبية التي تعنى بالصالح العام ولنهجها التربوي. لكن الحال ليست كذلك. فمعظمهم كانوا ناشطين سياسيين قبل أن يأتوا إلى أوروبا.

والكثيرون كانوا لاجئين سياسيين، تعرضوا للسجن أو أجبروا على ترك بلادهم بسبب نشاطهم. والكثيرون أتوا وهم شبان وقد حصلوا قبل وصولهم على تعليم عال. فهم من أبناء الطبقة الوسطى كما أن نشاطاتهم السياسية تعكس استمرار وفائدة تجاربهم.

ماذا ترجو النخبة السياسية المسلمة من المجتمعات والحكومات الأوروبية؟

كلاوزِن: تلخصت أهم المواضيع في اندماج الإسلام في أوروبا وفي التمييز الديني. كما يريد المسلمون القياديون تأسيس معاهد دينية في أوروبا وتخريج الأئمة من كليات الفقه التابعة للجامعات الرسمية، على غرار رجال الدين المسيحيين. وبعيد ذلك سيكون من الممكن لهم، أن يعينوا أئمة يتكلمون اللغة الهولندية أو الدانماركية أو الألمانية. كذلك يريدون بناء مساجد وإقامة مقابر، بحيث يصبح من الممكن دفن المتوفى من أبناء عائلة ما بالقرب من ذويه، ولا يتحتم نقل المتوفى إلى بلاده التي أتى منها، والتي لازال ينخفض عدد من يشعرون بالارتباط بها.

أجرى المقابلة كليمنس ديلماس، cafe babel2004 ©
ترجمة رائد الباش

نشرت المقابلة في موقع مقهى بابل/cafebabel