أطفال دون أحلام في مخيم عين الحلوة بلبنان

يشعر الأطفال الفلسطينيون باليأس ولا يحدوهم أي أمل في مستقبل أفضل من مستقبل آبائهم الذين نشؤوا مثلهم في شوارع وأحياء مخيم رأس الحلوة الضيقة في بلد الأرز. وهو واقع يعززه التاريخ الطويل من الإحساس بعدم الاستقرار. منى نجار من بيروت والمزيد من التفاصيل.

 



ولد الأطفال الفلسطينيون لآباء وأمهات ولدوا أيضاً فيه في هذا المخيم، الذي يقع مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا الساحلية جنوب لبنان وتم تأسيسه في نهاية أربعينيات القرن الماضي بعد وصول أوائل اللاجئين الفلسطينيين إليه بعد تأسيس دولة إسرائيل. ويرجع أصل الكثير من سكان المخيم إلى قـُرى الفلسطينيين القريبة من مدينتي عكا وحيفا. ومنذ حوالي أربعة أجيال ومخيم عين الحلوة هو موطنهم الوحيد.


ومع مرور الزمن تغيَّر المخيم ونما ليصبح مثل مدينة صغيرة، لكن طابع المخيمات المؤقتة المستخدمة فقط لفترة مؤقتة بقي يميز المخيم حتى الآن. فالشارع الرئيسي في المخيم ضيق جداً وتتزاحم السيارات على المرور فيه. ويوجد عدد لا يُحصى من أسلاك الكهرباء والكابلات الملونة المتشابكة على علو مرتفع من الشارع. ويصادف المارّ بالشارع باباً حديدياً صغيراً يؤدي إلى مركز ثقافي للتدريب والتعليم الشعبي تابع لجمعية اسمها "جمعية نبع"، ويهتم المركز برعاية الأطفال الفلسطينيين. وفي ساحة المركز توجد ألعاب رياضية يتسلق عليها الأطفال ويوجد ملعب لكرة السلة. وفي الطابق الأول للمركز صالة واسعة، يقعد فيها اثنا عشر فتى وفتاة حول طاولة خشبية مستديرة كبيرة.


الكثير من تاركي المدارس في وقت مبكر


الصورة دويتشه فيله
فناء مركز نبع التعليمي بمخيم عين الحلوة في لبنان

​​الفتى بريم محمد الخطيب هو واحد ممن تركوا المدرسة في وقت مبكر بعد أن كان لازماً عليه إعادة دراسة الصفين الخامس والسادس. وقرر بعدها ألا يواصل الدراسة في المدرسة، ويقول:"المدرسة لم تجلب لي شيئاً وفضّلتُ أن أعمل لعدة أشهر في محل تجاري حيث كنت أساعد الزبائن على تعبئة السلع في الأكياس".


والطفل رِزق سعيد توقف عن التعلم في المدرسة أيضاً وقام والده بإنهاء تسجيله فيها وهو في الصف السابع، ويقول رِزق:"كنت أريد أن أواصل تعليمي في المدرسة، لكن تلك كانت رغبة أبي"، لذا قرر رزق المجيء إلى مركز نبع ليواصل تعليمه. "هذا المركز التعليمي أفضل من المدارس العادية التي يقوم المعلمون فيها بضربنا. بعكس المعلمين في هذا المركز والذين يبذلون الجهد لمساعدتنا ويهتمون بي بشكل أفضل".


وُلد كلٌّ مِن بريم (14 عاما) ورزق (13 عاماً) في مخيم عين الحلوة. وفي صباح كل يوم يأتي الفتيان إلى مركز نبع التعليمي. اثنان من المعلمين يُدربون الأطفال على القراءة والكتابة والرياضيات. والهدف هو أن يصل الأطفال من تاركي المدارس إلى مستوى تعليمي يستطيعون من خلاله الالتحاق بالمدارس المهنية بشكل سريع. وبحسب دراسة نُشِرت في ديسمبر/ كانون الأول 2010، أجْرَتها الجامعة الأميركية في بيروت لصالح منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (أوناروا)، حول وضع الفلسطينيين في لبنان: تبيَّن أن الأطفال بعد سن الثالثة عشرة يتسرّبون من المدارس بوتيرة سريعة ومتزايدة، وأن النصف فقط مِمَّن تتراوح أعمارهم بين 16 و 18 عاماً يذهبون إلى المدرسة أو يقومون بتدريب مهني.

التعليم يمنع العنف

الصورة دويتشه فيله
جانب من مخيم شاتيلا الفلسطيني جنوب العاصمة بيروت

​​


وعندما تتحدث إلى الأطفال الذين يأتون إلى المركز للتعلم واللعب أو لطلب المساعدة في حل الواجبات المنزلية بإمكانك تكوين فكرة عن وضع حياتهم. أحد الأطفال اسمه حسين وعمره ثماني سنوات وأبوه وأمه مطلقان. عمته التي يعيش عندها، لم تقم بإحضاره إلى المدرسة عندما كان أصغر سناً. ووالداه لا يهمهما أمره. أما الطفلة نورا ذات الأحد عشر ربيعاً فهي تعيش لدى عائلتها المؤلفة من ستة أشخاص في غرفتين. وكان أحد أشقائها قد أصيب بجروح خطيرة في انفجار وقع في المخيم.
وتتحدث مدرسة اللغة الإنكليزية رشا ديب التي تعيش أيضاً في مخيم عين الحلوة عن هشاشة الوضع الأمني في المخيم، وتقول:"يتم قتل شخص واحد كل يوم تقريباً هنا بسبب وجود نزاعات بين مجموعات فلسطينية في المخيم وأحياناً حتى بين المجرمين. وكثيراً ما نسمع طلقات نارية". السماع عن القتل والعنف أصبح جزءا من حياة الأطفال اليومية، والذين أصبح من المعتاد لديهم التحدث عن القتلى كما لو كان أمراً طبيعياً، كما تقول المعلمة.


مستقبل مجهول


الصورة دويتشه فيله
ياسر داود : أحد المسؤولين عن مركز نبع

​​وفي مكتب لجمعية نبع، وهو يقع في مركز مدينة صيدا اللبنانية ويبعد بضعة كيلومترات عن مخيم عين الحلوة، يجلس ياسر داوُد الذي عمل سنوات عديدة لصالح المركز التعليمي الذي يرعى أطفال المخيم. وقد نشأ داود في مخيم فلسطيني في شمال لبنان. وهو يقول إن هناك أسباباً كثيرة ومتنوعة لتدني مستوى معيشة الأطفال الفلسطينيين ومن أهمها البطالة.


ويؤكد كلامه قائلاً إن "نصف عدد الفلسطينيين في لبنان عاطل عن العمل. ولا يمكن للآباء إعالة أولادهم من عملهم فقط. وهذا يخلق توتراً وعصبية كبيرة في العائلات. الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى العنف داخل الأسرة الواحدة"، وحتى في المدارس تسود أجواء من العنف. وبالإضافة إلى ذلك يأتي التاريخ الطويل من الشعور بعدم الاستقرار. ويتابع كلامه: "لا أحد يعرف ما سيحدث في المستقبل. مصير الفلسطينيين غير مؤكد".


لا حقوق متساوية للجميع


ويشير ياسر داود البالغ من العمر 42 عاماً إلى مُلصَقة ورقية مُعلـَّقة على حائط مكتبه مكتوب عليها قوانين حقوق الطفل في لبنان ويقول إنها لا تنطبق على جميع الأطفال في البلاد، لأن الحكومة اللبنانية لا تشعر بأنها مسؤولة تجاه اللاجئين الفلسطينيين والمسؤول الوحيد هي وكالة غوث اللاجئين الفلسطينية (أوناروا) والتي، كما يقول، هي غير قادرة على الوفاء بالكثير واجباتها نظراً لنقص التمويل.


وليست حالة الأطفال في مخيم عين الحلوة وفي غيره من المخيمات إلا انعكاساً للتمييز القانوني الذي يعاني منه الفلسطينيون في لبنان. فهم ممنوعون من العمل في العديد من المِهَن وخصوصاً من ممارسة الأعمال التي تتطلب مهارات عالية. كما أنهم ممنوعون من شراء ممتلكات خارج المُخيَّم. ولا تقبل المدارس اللبنانية في فصولها الدراسية إلا حالات استثنائية من الأطفال الفلسطينيين. ويبرر الرأي العام اللبناني هذه القيود بحجة الحرص على تجنب بقاء اللاجئين الفلسطينيين بشكل دائم في البلد المضيف.


دون أحلام في الحياة


كل طفل في مخيم عين الحلوة، كما يقول ياسر داود، يرى بعينيه أن المهندس الذي درس سنوات طويلة يضطر في نهاية المطاف إلى العمل كسائق سيارة أجرة. ويتساءل كل طفل في المخيم لِمَ عليه التعلم والدراسة لوقت طويل: "فالطفل تماماً مثل والده من مواليد المخيم وسيموت فيه ولن يتغير أي شيء. وكل طفل مقتنع بذلك. ولا أحلام ولا طموحات".
ويحاول ياسر داود وغيره من موظفي جمعية نبع منح الأطفال نافذة إلى المستقبل. فها هو الفتى بريم محمد الخطيب يُخطط للذهاب العام المقبل إلى المدرسة المهنية للتدرُّب على العمل بمحلات لتصليح السيارات، أما الفتى سعيد رزق فيريد العمل في مجال أجهزة الكمبيوتر.

 

منى نجار
ترجمة: علي المخلافي
مراجعة: عماد غانم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011