الحجاب: تضامن واستنكار

خلّف الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية الألمانية، والذي أصبح يدعى حكم الحجاب، كثيرا من الأسئلة مفتوحة. فمن الملاحظ أنه ليس من المنتظر وجود وضع موحد في المدارس على صعيد جمهورية ألمانيا الاتحادية.

قضاة المحكمة الدستورية العليا
قضاة المحكمة الدستورية العليا في كارلسروها أثناء إعلان الحكم في قضية الحجاب

​​خلف الحكم الذي أصدرته المحكمة الدستورية الألمانية، والذي أصبح يدعى حكم الحجاب، كثيرا من الأسئلة مفتوحة. فمن الملاحظ أنه ليس من المنتظر وجود وضع موحد في المدارس على صعيد جمهورية ألمانيا الاتحادية بشكل عام بعد أن قال القضاة رأيهم.

بادن فورتمبرغ أول ولاية ألمانية صوتت في شهر نيسان/أبريل على قانون يمنع المعلمات ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية. تم التصويت بأغلبية الائتلاف الحاكم الذي يتكون من الحزب المسيحي الديموقراطي والحزب الليبرالي بالإضافة إلى الحزب الاشتراكي المعارض.

دارت نقاشات حامية قبل عرض القانون على البرلمان المحلي. هل يتلاءم مع قانون المحكمة الدستورية في سبتمبر/أيلول الماضي؟ ما هو الحجاب هذا؟ وعلام يدل ولماذا يتم ارتداؤه يا ترى؟ وما هي الآثار التي يتركها على التلاميذ وعلى التعايش السلمي في الدرس؟ أين يبدأ الحياد السياسي والديني للمعلمين وأين ينتهي، خاصة المسلمين منهم؟

وماذا عن ألمانيا والمساواة في معاملة الديانات وأتباعها؟ هكذا يكون ما يسمى بـ "حكم الحجاب" قد طرح أسئلة أكثر وإجابات أقل.

حكم في بؤرة النقد العام

قلما سبق أن تعرض حكم لهؤلاء السادة القضاة في ألمانيا لحملة نقد عالية الوطيس مثل هذه. "إنه عبء ثقيل لا يعين" هكذا علق على الحكم السيد ارنست غوتفريد مارينهولتز، الذي كان يشغل سابقا منصب نائب رئيس المحكمة الدستورية، أما السيد رئيس البرلمان الألماني "البوندستاغ"، فولفغانغ تيرزه من الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، فقد وصف الحكم بأنه "غريب وجبان".

وكذلك فإن الرئيس الألماني يوهانيس راو، فقد أكد مجددا في شباط/ فبراير رفضه لمنع ارتداء الحجاب في المدارس الألمانية. "إن الدستور الألماني يضمن حرية الديانات للجميع وليس فقط للمسيحيين"، هكذا أوضح يوهانيس راو. وأضاف قائلا بأنه مادامت الجهات التشريعية في ألمانيا لم تضع تعريفا قانونيا لمؤشرات دين ما، فعليها أن تقبل بأن ترتدي مسلمة غطاء رأس، من أجل أن تؤكد على معتقدها الديني في الخارج، هذا ما أشار إليه الرئيس الألماني.

أما رئيسة معهد غوته، السيدة يوتا لمباخ، فقد أشارت برأي مماثل جدا. فمن جهتها أكدت رئيسة معهد غوته رفضها لمنع الحجاب معللة ذلك، بأنه على دولة القانون العصرية أن تسمح بالاختلاف الثقافي والديني وأن ترعاه وتدافع عنه. وأوضحت لمباخ من طرفها بأن الاحترام المتبادل والتفاهم جزء من التسامح أيضا.

دعوة مضادة لـ "قانون الحجاب"

لم يبق الأمر عند هذا الحد: ففي ردة فعل منهن على الحكم الخاص بالحجاب بادرت مجموعة نسائية من مختلف الأطياف والأطر الحزبية في جمهورية ألمانيا الاتحادية إلى الإعلان عن موقفهن الرافض لحظر ارتداء المعلمات المسلمات لالحجاب في ألمانيا. وحجتهن في ذلك، إن قرار حظر ارتداء الحجاب هو ممارسة سياسة تعسفية تصب في نهاية المطاف في مصلحة الأصوليين.

تضم هذه المبادرة النسائية ما يزيد عن 70 سيدة من الشخصيات البارزة وقعن على النداء، ومن ضمنهن سياسيات من كافة الكتل البرلمانية في البرلمان الألماني البوندستاغ وعالمات وممثلات عن الكنيسة، ومن الأطر الثقافية والإعلامية.

ومن اللاتي يدعمن هذا النداء رئيسة البرلمان الألماني السابقة السيدة ريتا سوسموت والوزيرة الألمانية لحماية المستهلكين السيدة ريناته كوناست ووزيرة العدل الألمانية السابقة السيدة سابينه لويتهويسير – شنارينبيرغير ومندوبة الحكومة الألمانية لسياسة حقوق الإنسان السيدة كلاوديا روت.

كما وقعت على النداء فنانات بارزات مثل الممثلة الألمانية كاتيا ريمان ورينان ديميركان. ويجدر في هذا الخصوص طرح السؤال حول السبب الكامن وراء هذا الجدل الدائر وغير المنقطع حول الحجاب في ألمانيا؟

فيما يتعلق بموضوع لودين

فريشتا لودين
فريشتا لودين قبل حكم المحكمة في كارلسروها

​​إننا ما زلنا نتذكر: في نهاية عام 2003 قبلت المحكمة الدستورية بفتح قضية الاعتراض الدستوري الذي تقدمت به المسلمة فيريشتا لودين. لم يتم السماح للمعلمة الأفغانية الأصل بالعمل كمعلمة في ولاية بادن – فورتمبيرغ الألمانية لأنها أرادت ارتداء الحجاب أثناء الدرس في المدرسة.

ولم تكن لودين هي الوحيدة التي رأت في ذلك القرار بعدم تشغيلها خرقا للحقوق الأساسية المحمية من الدستور الألماني والتي تنص على حرية العبادة والمعتقدات.

هذا ولقد دعم قضاة المحكمة الدستورية في كارلسروه من خلال الحكم هذا موقفها – ممهدين بذلك الطريق في الاتجاه الآخر. ويمكن للدولة في نهاية المطاف ودون أي إشكال منع ارتداء الحجاب أثناء الدرس. ولكن الأمر يتطلب قوانين تمكن من ذلك، ولكن تلك القوانين ما زالت حتى هذه اللحظة غير موجودة.

من هنا فإن العديد من الولايات الألمانية اليوم عازمة على سد هذه الثغرة القانونية. ولقد جاء رد الفعل الأول من ولاية بادن – فورتمبيرغ الألمانية، حيث تقع المحكمة الدستورية في كارلسروه. فلقد قامت حكومة الولاية في منتصف تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2003 بتقديم مشروع قانون، يكون على أساسه مستقبلا ارتداء الحجاب أثناء الدرس في المدرسة ممنوعا من قبل المعلمات.

أما مقاطعة بافاريا فمن جهتها أيضا قامت في بداية كانون أول / ديسمبر من عام 2003م مستندة الى حكم كارلسروه بالشروع في وضع قانون ينص على منع ارتداء الحجاب.

ليس رمزا دينيا فقط؟

إن التبرير الوارد في كلتا الولايتين اللتين تحكمان من قبل الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الاجتماعي المسيحي يكاد أن يكون متطابق تماما: لا يسمح للمعلمين أيضا من خلال ملابسهم التعبير عن معتقداتهم، "التي لا تتماشى مع مبادئ وقيم الدستور القانونية في جمهورية ألمانيا الاتحادية ومع الأهداف التعليمية لها والتي يمكن لها أن تؤدي إلى تعكير صفو السلام المدرسي"، هذا ما قالته وزيرة الثقافة في ولاية بافاريا الألمانية مونيكا هولماير من الحزب الاجتماعي المسحيي.

وترى الحكومتان المحليتان في ميونخ وشتوتغارت أن الحجاب ليس فقط رمزا دينيا فحسب، وإنما هو أيضا مؤشر على انغلاق اجتماعي. "إنه يمثل اتجاه معين في الإسلام يهتدي بمنطلقات إسلامية أصولية متزمتة"، هذا ما تقوله وزيرة الثقافة في ولاية بادن – فورتمبيرغ أنيتيه شافان من الحزب الديمقراطي المسيحي، التي تضيف قائلة "ويربط بعض من مؤيدي الحجاب ارتدائه بتدني وضع المرأة في سلم المجتمع".

لا يوجد قانون موحد ناظم للموضوع

معلمة ترتدي الحجاب
قريبا سيصبح ارتداء الحجاب شيئا محرما

​​وبعد مرور خمسة أشهر على حكم الحجاب من قبل المحكمة الدستورية قامت كل من ولاية هسن وسارلاند يوم الاربعاء المنصرم بالشروع في سن قانون منع الحجاب. ففي الجلسة الأولى للبرلمانين المحليين في فيسبادن وساربروكين المخصصتين لمناقشة موضوع القانون تمت إحالة الصيغ القانونية المقترحة في كلتا الولايتين إلى اللجان المعنية بذلك.

وبينما تريد سارلاند منع المعلمات فقط من ارتداء الحجاب فإن الحكومة المحلية من الحزب الديمقراطي المسيحي في هسن، والتي تحكم وحدها في الولاية، تريد منع كافة موظفات الولاية في كل المؤسسات الرسمية من ارتداء الحجاب. وما زالت الولايات الأخرى، ليس فقط من يحكمها الحزب الديمقراطي المسيحي وإنما أيضا الولايات التي يحكمها الحزب الاشتراكي الديمقراطي أيضا تميل إلى منع ارتداء الحجاب.

ولكن وبالرغم من ذلك فمن الواضح أن الولايات الألمانية تختلف في طبيعة مواقفها من موضوع منع الحجاب هذا. فولاية بريمن تريد حتى نهاية آذار / مارس من هذا العام فتح حوار مفتوح حول إمكانية منع الحجاب، وذلك قبل أن يتخذ الائتلاف الحاكم المؤلف من الحزبين الكبيرين، الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب المسيحي الديمقراطي، قرارا بخصوص منع ارتداء الحجاب.

أما الولايات الألمانية الشرقية فلا ترى ضرورة لمناقشة هذا الموضوع حاليا، وخاصة منها ولاية ساكسونيا وساكسن – أنهلت وتورنغن وبراندنبورغ وميكلنبورغ- فوربومرن، حيث أن هذه الولايات تريد التريث قليلا.وأيضا هامبورغ وشليسفيغ هولشتاين لا تريان أيضا ضرورة آنية لإجراء قانوني بهذا الشأن. أما ولاية رينانيا البلاتينات فإنها ضد أي منع قانوني للحجاب وترى أن التزام الحياد الحالي بالنسبة للمعلمات كاف.

المهم هو ما في الرأس وليس ما هو على الرأس!

ما زالت تتعرض المقترحات القانونية لمنع الحجاب في بافاريا وبادن فورتمبيرغ إلى نقد شديد اللهجة. وتُرفض بصورة خاصة مقولة أن "الحجاب هو رمز للتزمت الأصولي". ويقول ماتياس روهيه، الخبير في الشؤون الإسلامية من جامعة نورمبرغ ايرلانغن، بأنه "توجد حقيقة نساء يرتدين الحجاب دون يكون ذلك مؤشرا على التزمت الأصولي أو الشعور بالقمع:".

وحول كيفية قيام هذه المبادرة تقول مندوبة الحكومة الألمانية لشؤون الهجرة السيدة ماريا لويزا بيك:
"لقد قامت هذه المبادرة أثر ملاحظتنا تغليب العاطفة على الموضوعية والعقلانية بعد صدور حكم المحكمة الدستورية الألمانية في كارلسروه في هذا الخصوص وعندما رأينا كيف خسر الحوار والجدل تحري الدقة ومراعاة التمييز في هذا المجال.

إن المبادرات القانونية الأولى التي تمت فبركتها لم تراعي الركن الدستوري القانوني في الحكم، والذي تمت صياغته بشكل واضح، حيث أشار الحكم إلى وجوب المساواة بين الأديان. إننا نقول بأن الأهم فيما يتعلق بهذا الأمر هو ليس ما هو على الرأس وإنما ما هو في الرأس.

القوانين المحلية في الولايات الألمانية لن تحل المشكلة

ويعتقد الأساقفة الألمان أيضا من طرفهم باستحالة إمكانية توضيح مناسب للخلاف القائم بهذا الخصوص من خلال قوانين محلية جديدة في الولايات الألمانية. وفي مؤتمر الأساقفة الألمان الذي انعقد في آذار / مارس من عام 2004 صرح الكاردينال كارل ليمان بتحفظه على النزاع القانوني حول مسالة ارتداء الحجاب من قبل المعلمات المسلمات.

وأشار في معرض حديثة بأنه كان بالإمكان ضبط الأمر من خلال القوانين الحالية القائمة. وبالنسبة له شخصيا فإن الجدل القائم حول الحجاب "مبالغ به جدا".

أما الاعتراض الأهم فهو مختلف تماما: استنادا إلى رأي كثير من الحقوقيين، مثل القاضي السابق في المحكمة الدستورية الألمانية مارينهولتز، فإن مقترحات القوانين الجديدة التي يتم يزمع سنها ذاتها تعتبر مخالفة لمبدأ المساواة وضد حكم المحكمة الدستورية العليا في كارلسروها لأن أتباع الدين الإسلامي ورموزه توضع في موقع أدنى من الديانتين المسيحية واليهودية.

وفي الواقع طالب قضاة المحكمة الدستورية في حكمهم السياسة الألمانية بمعاملة كافة الديانات والرموز الدينية بالتساوي. واستنادا إلى ذلك يتوجب في حال منع المعلمات المسلمات من ارتداء الحجاب، أيضا منع الراهبات المسيحيات الكاثوليكيات اللاتي يظهرن أمام التلاميذ في المدارس بزيهن الديني من ارتداء غطاء الرأس.

وهذا بالذات ليس على أجندة كل من ولاية بادن فورتمبيرغ وبافاريا. حيث تستثني هاتان الولايتان "التصور المسيحي للحضارة الغربية والقيم الثقافية أو التقاليد الغربية" حرفيا من هذا المنع. بدعوى أن التصور المسيحي وما ينبثق عنه لا يتناقض من مبادئ القيم القانونية الدستورية.

قنطرة / معهد غوته 2004© Goethe-Institut/Qantara.de 2004

ترجمة مصطفى السليمان

مقالات أخرى عن الحجاب على قنطرة:
موقف منظمات المسلمين في ألمانيا