حينما يصبح الشعر طريقة للنجاة

سيف الرحبي شاعر عُماني معروف. تتحدث أشعاره عن صور الخراب والوحشة التي يتعرض لها الوجود الإنساني. في هذا التقرير يتحدث الكاتب الألماني فولكر كامينسكي عن كيفة تعرفه بشعر سيف الرحبي أثناء إقامته في قرية الفنانين شوبنغن.

الشاعر العماني سيف الرحبي، الصورة: صاموئيل شمعون
لا يستطيع الرحبي أَنْ يتصوّر لحظة واحدة تمر من عمره من دون أَن يكون فيها الشعر حاضرا

​​سيف الرحبي شاعر عُماني معروف. تحدثت مُجمل أشعاره عن صور الخراب والوحشة التي يتعرض لها الوجود الإنساني. في هذا التقرير يتحدث الكاتب الألماني فولكر كامينسكي عن كيفة تعرفه بشعر سيف الرحبي أثناء إقامته في قرية الفنانين شوبنغن.

تعتبر قرية الفنانين شوبنغن - التي تبعد ساعة بالسيارة عن مدينة مونستر، وتقع بالقرب من الحدود الأَلمانية الهولندية - بمثابة جنّة ساحرة بالنسبة للفنانين والأدباء الشبان. وهي ملتقى يجمع المثقَّفين من كلّ أَصقاع العالم. فلا بدّ لمَنْ يريد التعرُّف على كتَّاب وفنانين تشكيليين وفناني فيديو وممثلين ومصوّرين فوتوغرافيين وموسيقيين من أوروبا وأَفريقيا وآسيا وأَمريكا والتواصل معهم، أَلا يتردّد في تقديم طلب من أَجل الحصول على واحدة من المنح المعلن عنها.

تعدّ قرية الفنانين عالمًا مستقلاً بذاته: فيها بيتان من القرن الـ19 يشملهما قانون حماية الآثار وبعض المباني الملحقة بهما، حيث توجد المساكن والمطابخ والأستوديوهات وغرف السكن؛ فهنا يعيش الحاصلون على منحة مع بعضهم البعض في مجموعة تتكوّن من عشرة إلى خمسة عشر عضوا، يشتركون جميعا في »حياة القرية«، ويقضون الكثير من الوقت مع بعضهم البعض.

لقد أُتيح لي أَنْ أَسكن في واحد من البيتين الواسعين الموجودين في المبنى المجاور (الذي كان حسبما يُقال قنًّا للدجاج). كذلك كنت محظوظًا جدًا مع جاري، وهو الكاتب العراقي الأَصل الذي يعيش حاليًا في لندن، صموئيل شمعون، حيث أَنَّني لم أَتذوّق فقط المأكولات التي كان يطهوها، بل كذلك أَستمتعت بالقصص الحية التي عاشها في حياته المفعمة بالمغامرات. هذه الحياة التي قادته عبر الكثير من البلدان العربية وأَدّت به أَخيرًا إلى باريس ولندن؛ إذ أَصبحت أوروبا بالنسبة له وطنًا جديدًا ومحبوبًا جدًا.

بانيبال - جسر الأَدب العربي الى العالم

من خلال صموئيل شمعون، تعرّفت للمرّة الأولى على كتّاب آخرين من العالم العربي؛ فلولاه ما كان لي أَنْ أَشعر حتى بوجودهم، لا سيما وأَنَّ معظمهم يكتبون بالعربية، حتى وإنْ كان بعضهم يعيش في أوروبا. فالترجمات إلى اللغة الأَلمانية لا تزال قليلة.

يقوم صموئيل شمعون بالإشتراك مع مارغريت أوبانك بتحرير مجلة بانيبال التي تصدر في لندن، وتُعنى بنشر الأَدب العربي مترجمًا إلى الإنكليزية، وذلك بهدف تعريف جماهير القرّاء بالأَدب العربي.

وهكذا حصلت بعد فترة قصيرة على مجموعة من أَعداد بانيبال، قدّمها لي صموئيل شمعون. كذلك أَثار فضولي حينما أَخبرني َبأنني سأَجد في أَحد أَعداد المجلة قصائد لشاعر من عمان - كان عضوًا مشاركًا قبل بضع سنين في منحة في شوبنغن - وأَنَّه قد أَقام في عين البيت حيث أَجلس الآن... خلف طاولة الكتابة.

الرحبي وأدب الألم

ولد سيف الرحبي في عام 1956 في قرية تقع في قلب عُمان، حيث قضى قسطًا من حياته المليئة بالمغامرات مسافرًا مثل صديقي الكاتب صموئيل شمعون. أقام سيف الرحبي وعمل في عواصم، منها القاهرة ودمشق والجزائر وباريس وأمستردام، كما نشر العديد من الأعمال الشعرية والنثرية والمقالات. وهو يقوم بالإضافة إلى ذلك بتحرير مجلة نزوى التي تصدر في عمان.

عثرت في عدد من أَعداد مجلة بانيبال على مجموعة مختارة تضم 16 قصيدة. وهي قصائد نثرية، كُتبت بلغة شعرية واضحة ذات أسلوب مجازي، أَدهشني مضمونها الكئيب. إذ أَنَّ سيف الرحبي يستحضر عالمًا مليئًا بالتعاسة والظلم والقسوة؛ صور تعبّر عن الأَلم، والحرب والدمار والأَذى. سكاكين تُغرز في أَحشاء، وسفن تغرق، وعواصف وطوفانات؛ كلّها صور مجازية واستعارات تعبّر عن العزلة والوحشة والهجران، بل وحتى عن اليأس وفقدان الأَمل.

»الشعر وطني«

بيد أَنَّ هذه القصائد كُتبت بلغة هادئة، تخلو من أَي تهويل مسرحي، مما زاد من شدّة مضمونها المؤلم. بهذا ينشأ انطباع عن جمال جاف، عن اكتئاب ساكن ويأس، لا يشيد كثيرًا بذاته ولا يُجبر على الرضا والقبول.

غادر سيف الرحبي عمان في سن المراهقة، من أَجل الدراسة في القاهرة حيث اتجه بعد فترة قصيرة إلى كتابة الشعر. نُشر له العديد من الدواوين التي جعلته يعتبر الشعر وطنه الثاني، بحيث أَنَّه - على حد تعبيره - لا يستطيع أَنْ يتصوّر لحظة واحدة تمر من عمره من دون أَن يكون فيها الشعر حاضرا. »الشعر وطني ولا يمكنني العيش خارجه«.

لكن آثار وطنه الأَوّل لا تزال موجودة في الكثير من القصائد، إذ كثيرًا ما تظهر في قصائده القرى والجبال والصحراء ورائحة العشب ومنظر النخيل والجمال ومضارب البدو.

تعتبر صور الخراب والوحشة والهجران في قصائد الرحبي بالنسبة له صورًا مجازية عن الوجود الإنساني؛ حيث يشكل الأَلم الذي يعانيه الإنسان والخطر الذي يتعرّض له، كما هو معبر عنهما مثلاً في شخص راسكولنيكوف (بطل رواية الجريمة والعقاب - لدوستويفسكي)، موضوعه الأَساسي. كما يعتبر الشعر بالنسبة له طريقًا للنجاة: »الشعر يحوّل الشعور بالأَلم إلى تجربة ثرية ومفيدة«.

وسيط ما بين العوالم

زد على ذلك أَنَّ إيمانه بالعقل والتقدّم راسخ لا يتزعزع. وهو يعقد آماله على معنى اللغة ودورها كوسيط ما بين البلدان والشعوب والحضارات.

وسيف الرحبي بصفته محرّرًا لمجلة نزوى - المسمّاة باسم إحدى المدن الكبرى في عمان - يعنى بالحوار ما بين البلاد العربية، وكذلك ما بين العالمين العربي والغربي، إذ كثيرًا ما يقوم بنشر أَعمال مترجمة عن مختلف اللغات الأوروبية، هادفا إلى القيام بدور الوسيط ما بين هذه العوالم وإبراز القيم الإنسانية العالمية، الموجودة خارج نطاق الحدود القومية والثقافية.

بقلم فولكر كامينسكي
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة
التبادل الأدبي الألماني - العربي
يعتبر الأدب دوما أحد الوسائل الرئيسية في حوار الحضارات، وغالبا ما يتمثل هذا في شكل أنشطة صغيرة تعمل في الخفاء، المترجم والناشر مثلا اللذان يعيشان على حافة الكفاف، ويقتاتان من العمل في التعريف بالثقافة الغريبة المحبوبة. ونقدم هنا مبادرات ألمانية وعربية.

أعوام من الحلم والوهم في الطريق الى هوليوود
يستمد الكاتب العراقي المقيم حاليا في لندن صموئيل شمعون معرفته قبل كل شيء من الحياة، التي تشبه الفيلم، يقدمها لنا الآن على شكل رواية، جديرة بأن نقرأها بمتعة وإعجاب، حسب رأي الكاتب العراقي المقيم في برلين فاضل عزاوي.