نفحات شرقية

قامت فرقة الجاز البرلينية "سيمينولوجي" في ألبومها الأول بمزج عناصر من موسيقى الجاز مع الموسيقى الشرقية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ينجح أسلوب الفرقة في ألبومها الثاني "بيموُن" "Bemun". رالف دومبروفسكي يستعرض هذا العمل الجديد للفرقة.

فرقة سيمينولوجي، الصورة: أندري مولينغ
فرقة سيمينولوجي

​​قامت فرقة الجاز البرلينية "سيمينولوجي" في ألبومها الأول "Per Se" بمزج عناصر من موسيقى الجاز مع الموسيقى الشرقية، وتكلل عملها بالنجاح وحظي باهتمام واسع. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ينجح أسلوب الفرقة في ألبومها الثاني "بيموُن" "Bemun". رالف دومبروفسكي يستعرض هذا العمل الجديد للفرقة.

يكمن التحدي الكبير في أنْ تصنع موسيقى في عصرٍ لا ممنوعات فيه من حيث المبدأ، لا بل أسوأ من ذلك، في عصرٍ يكاد لا يستثير فيه أي شيء إحساسك بالجمال. إذ كيف يجد المرء ما يعنيه مباشرة، كيف يترك كل كلشيهات الإدراك والتشكيل خلفه، ليجد ما قد يُقدِمَ أكثر من اللعب الفني الضيق بالإمكانات المتوفرة.

عدد الإجابات بعدد البشر الذين يبحثون عن هذه الإجابات. وبما أنه لم تعد هناك مراجع للمعنى ذات صفةٍ متجاوزة وشاملة في ثقافةٍ مفتوحة القيم، لا يبقى أمام من يبحث سوى الحلول الفردية في نهاية الأمر. وفي حالة الرباعي البرليني "سيمينولوجي"Cyminology هناك صلة ما بالشرق.

أهداف ثقافية سياسية في الموسيقى؟

عندما يقرأ المرء الكتابات النقدية عن الفرقة يلاحظ استخدامًا متكررًا لبعض الأشكال النمطية، حيث يتم التأكيد على روعة هذه الموسيقى التي تجمع بخفةٍ متناهيةٍ بين التقاليد الإيرانيةٍ والأميركيةٍ على نحوٍ مسالمٍ ولطيف. يقال ذلك ملء الفم وكأنَّ هناك مرامي ثقافية سياسية تقف خلف أعمال الفرقة، في حين تبحث "سيمينولوجي" في المقام الأول عن هويتها الأسلوبية.

وعند إمعان النظر يتضح للمرء أنَّ الصورة أكثر اتساعًا وتنوعًا، وأكثر خصوصيةً وأكثر عبثيةً أيضًا. حيث تغني سيمان سماواتي باللغة الفارسية مستخدمةً قصائد لحافظ وعمر الخيام أو آيات من المزامير، وتتناول في الغالب مواضيع الحب، والوجدان أو الله، وهي أبيات من الزمن الغابر، وربما يمكن مقارنة راهنيتها بقصائد فالتر فون دير فوغلهايده شاعر الأغاني الشهير في القرون الوسطى.

مطلق الحرية في اختيار المحتوى

هي عبارات جذلة ومؤثرة تقال بلغةٍ ساحرةٍ تعلمتها سيمان سماواتي من عمتها في أيام طفولتها في مدينة براونشفايغ الألمانية حيث ولِدَت وحيث كان والداها الإيرانيان قد لجآ اليها في عهد الشاه.

إنها استلهامات تأتي بالصدفة، أفكار موغلة في التاريخ، ليس لها بالضرورة علاقة بالسياق الذي تستخدم فيه، نمت في ثنايا الميول الشخصية التي طورتها المغنية الثلاثينية بوصفها من بنات جيل المهاجرين الثاني، لكنها لا تحتل موقع الصدارة في منهج الفرقة. وربما كان لسيمان سماواتي القدرة على غناء مقاطع من "الطاوية" [مبادئ مشتقة من الفلسفة والديانة الصينية القديمة] Tao-Te-King أو من I Ging أقدم النصوص الكلاسيكية الصينية، دون أنْ يبدل ذلك في وقع الموسيقى شيئًا يُذكَر.

ولهذا بدوره علاقة بعوالم النغم التي يستقي منها عازفو الفرقة الآخرون وهم: عازف البيانو بينيديكت جاهنِل، وعازف الكونتراباص رالف شفارتس، وعازف الدرامز كيتان باهتي. وقد كان معظم تحصيلهم الجامعي في برلين، حيث تعلموا عدم أهمية استنساخ النموذج الأمريكي، وترعرعوا في أجواءٍ فنيةٍ مختلطةٍ اتسمت بأمميتها وباهتزاز الثوابت فيها.

أنغام ممتعة مرهفة في تناسقها

كذلك هنا، كل شيءٍ ممكن بلا توجيهات مسبقة. لكم أنْ تفعلوا ما تريدون أو بالأحرى ما يروق لكم. من هنا ينبع التنوّع في معزوفات سيمينولوجي. فيكون لها بعضٌ من سمات جاز الحجرة، ومداراتٌ واسعةٌ لأصداء الاستبطان وسبر الأغوار، وأحيانًا إيقاعاتٌ مفردةٌ أُحسِنَ إخفاؤها، أنغامٌ ممتعةٌ مرهفةٌ في تناسقها، تأتي على شكل وصلاتٍ موسيقيةٍ على البيانو هائمةً وملتوية، كما جرت استعادة دور آلة الكونتراباص في المشاركة اللحنيَّة للطليعة التي التأمت من جديد، يجمعها نبض الطبول الهادئ.

موسيقى هادئة، عذبة، تؤكد على الرخامة من خلال طابع الصوت الواضح وأداء سيمان سماواتي المصقول الرافض للانزلاق إلى إيقاع موسيقى السوينغ.

هذا وقد أنتجت الفرقة ألبومين خلال العامين الأخيرين، الأول "بِر زيه" Per se صدر عام 2005 و"بِيموُن" Bemun عام 2007، كما قدمت حفلات كونشرتو كثيرة في كافة أنحاء العالم، وبدعمٍ من التصدير الثقافي النشِط الذي يقوم به معهد غوتة.

الجميل أن بوسع المرء أنْ ينصح بفرقة سيمينولوجي، إذ أن موسيقاها لا تؤذي أحدًا. لكن بالمقابل يبقى التساؤل التالي: من تنفع هذه الموسيقى؟ تنفع الفنانين بالطبع، الذين يبحثون عن أفكارٍ خاصةٍ بهم وسط الأساليب الكثيرة التي تلف زمن مواقع الانترنت مثل موقع يوتيوب Youtube.

الفردية هي النقطة المفصلية

إنها تنفع بالتأكيد المستمعين من زوار الحفلات الموسيقية، الذين يستمتعون بكفاءات العازفين رفيعة المستوى. ولكنها لا تنفع الجدل الثقافي إلا بحدود، إذ أنَّ موسيقى ومنهج فرقة سيمنولوجي فردي للغاية.

لا يريد العازفون تغيير أي شيء، ولا إحداث أي تأثير، وإذا كان لا بدَّ من شيء، فهو إظهار الثقةً بالنفس، وعدم الاتكاء على التقاليد، بل دمجها بالتساوي مع ما هو حديث، وبناءً على الذائقة الخاصة.

لربما كان هذا هو الحل الحقيقي، صناعة الفن بلا نقاشٍ مزعجٍ ثقيل، ولا أهداف مُسبقة.

رالف دومبروفسكي
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

نسيج محكم من الروحانية والموسيقى
المغنية الألمانية الإيرانية سيمَن سماواتي هي محرك فرقة سيمينولوجي. وبمعية رباعي الفرقة قد قامت بتلحين قصائد للشاعر الفارسي حافظ والعالم والشاعر عمر الخيام. لويس غروب يقدم لنا لمحة عن هذه الفرقة

عوالم الموسيقى
الموسيقى بوتقة يمتزج فيها الشرق والغرب والشمال والجنوب والحاضر والماضي. في الملف التالي نتناول تأثير السياسة والعولمة على الإبداع الموسيقي كما نقدم تجارب موسيقية من بلاد عربية وإفريقية وأوربية

www

cyminology