هوس الإشتباه المعمم ضد "الآخر"

رواية كريس كليف زاخرة بالنكات اللاذعة وتمس جرح الحساسية النازف في قلب العالم الغربي منذ يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المشحون بالدلالات التاريخية. عرض لهذه الرواية التي تقوم على الفكاهة السوداء.

غلاف طبعة الجيب الإنكليزية
غلاف طبعة الجيب الإنكليزية لرواية كريس كليف (بالألمانية: عزيزي أسامة)

​​رواية كريس كليف زاخرة بالنكات اللاذعة والتفخيم الذي يدفع بوقائع الحياة الواقعية إلى السخرية. لكن الرواية تمس جرح الحساسية النازف في قلب العالم الغربي منذ يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المشحون بالدلالات التاريخية. عرض لهذه الرواية التي تقوم على الفكاهة السوداء.

"عزيزي أسامة، إنهم يطلبون رأسك حيا أو ميتا كي ينتهي الإرهاب أخيرا. لكن الروك–ان-رول لم يضمحل هو الآخر مع موت إلفيس بريسلي فوق مقعد المرحاض. بل لقد استفحل الأمر أكثر. ففي وقت ما ظهر عندنا Sonny&Cher و Dexy’s Midnight Runners . لكن لندع هذا إلى ما بعد. إن ما أردت أن أقوله: إنه من السهل جدا أن يبدأ الواحد قذارة من هذا النوع، لكن وضع حد لهذا الخراء أصعب بكثير. وأظن أن هذا الأمر ليس بالخفيّ عنك أنت أيضا."

هذا الذي يتكلم مع أسامة بن لادن بهذه النبرة الحميمية هو شخصية الراوية التي لا يعرف لها إسم في رواية لكريس كليف، والتي تسكن بيتا تفوح منه عطونة دهون الطبخ وروائح أحياء الطبقات الدنيا بدائرة إيست إند بلندن. هذه المرأة قررت أخيرا أن تبوح لنبي الإرهاب الأصولي بكل ما يخالج قلبها منذ ذلك اليوم الأول من شهر مايو/أيار الذي فجر فيه أسامة بن لادن -أو واحد من رسله الكثيرين- ملعب كرة القدم حيث كان زوجها وطفلها الذي يبلغ 4 سنوات من العمر يتابعان بحماس مقابلة ساخنة بين نادي أرسنال وشيليزيا.

وكان زوجها قد اتخذ قبلها بيوم واحد القرارالذي ظل يمني نفسه به منذ زمن طويل بأن يغادر مهنته الخطيرة في مصلحة تحييد المتفجرات، وأن ينقطع إلى حياة هادئة مع زوجته وطفله.

إنفجار في ملعب كرة قدم

النكات اللاذعة والتفخيم الذي يدفع بوقائع الحياة الواقعية إلى ذرى هازئة ليست مستساغة سياسيا بالضرورة-politically incorrect- هي، لنقل على سبيل الإشارة العابرة، من المكونات المميزة لهذه الرواية التي يعمد فيها كريس كليف إلى تحريك الإصبع داخل جرح الحساسية التي أصبح عليها العالم الغربي منذ يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول المشحون بالدلالات التاريخية.

وشخصية الراوية ذاتها قد وجدت نفسها هي أيضا منذ ذلك التاريخ خاضعة لحساسية بعينها، إذ كلما استولى عليها الفزع أحست بالحاجة الملحة لمضاجعة رجل- بما يعني يوميا تقريبا. وهو الأمر نفسه الذي كانت تفعله في تلك اللحظة التي شهدت فيها على شاشة التلفزيون انفجار ملعب كرة القدم، سوى أن الرجل الذي كان خلفها لم يكن زوجها، بل أحد الأغنياء المتبرجين- وعلى أية حال فإن العالم منذ تلك اللحظة لم يعد على ما كان عليه من قبل.

جزئيات مقرفة

"أصبحت الكاميرا ترتعش، وفجأة اضمحل الصوت. وغدا كل شيء ساكنا، ساكنا جدا. حتى جاسبر بلاك توقف عن التحرك في داخلي. يا للخراء! كان بلاك يردد، أنت أيضا أيها الخرية اللعينة! أما أنا فقد كنت أعدّ: 1، 2، 3، 4 .. وهناك حيث تقع المنصة الشِمالية تشكلت غيمة الانفجار في هيأة فقاعة كبيرة من نار و دخان.

أما حارس المرمى فقد ظل منبطحا على بطنه لا يتحرك فيما ألسنة اللهب تمر محلقة من فوقه. بينما كان فان بيرسي يركز نظره على ضربته الأخيرة متابعا الكرة بعينيه. لكن هاهي الكرة تعود ظائرة باتجاهه لتقع قريبا منه مع ذراع رجل."

كريس كليف، الصورة: راندومهاوس
الكاتب البريطاني كريس كليف

​​واضح أن كليف لا يوفر شيئا على قرائه؛ لا الجزئيات المقرفة ولا اللغة الفجة لهذه النسخة الحديثة من شخصية جان دارك التي تنطق عفو الخاطر بما يجول في خاطرها، بتلقائية شعبية دون انتقاء أو تحفظ. لكن ذلك بالذات هو الخيار الأسلوبي لهذه الرواية: الواقعية الجارحة. ذلك أن كليف يلتقط ملامح الهوس الذي يتسلل إلى مجتمع معدّل على ذهنية الاشتباه المعمم، ومن أجل ذلك تكون كل الوسائل بالنسبة إليه مبررة:

الكوميديا التهريجية و المهزلة والكليشيه والكريكاتور، على غرار ما يحدث مثلا عند قدوم الأمير ويليام لزيارة الجرحى الناجين من الانفجار فتلطخه الراوية بقيئها وهي لا تستطيع أن تتمالك نفسها عن إفراغ محتويات أمعائها عندما تعرف بأنه لم يتبق من زوجها وإبنها غير أرنب طفلها المصنوع من القماش، وكان شبه متفحّم.

حالة حرب ضد المسلمين

لكن وراء هذه المداعبات السمجة يتراءى مباشرة وجه الحقيقة العارية في هذه الرواية: فلندن قد تحولت إلى قلعة للاحتياط الأمني الأقصى، قلعة يمثل كل المسلمين داخلها خطرا أمنيا ينبغي تبعا لذلك أن يتم إخلاء المكان منهم. هناك حالة حرب تسود الآن، كما تفصح بذلك بصفة مناسبة للواقع كلمات تيرنس بوتشر رئيس شرطة سكوتلاند يارد الذي لجأت إليه الراوية في غمرة الحيرة واليأس، إذ كان رئيس عمل زوجها، كما كان قبل سنوات عديدة عشيقها أيضا.

حربٌ أصحابها عازمون على القذف بكل المبادئ والقيم عرض الحائط. أما إلى أي مدى ستبلغ جدية هذا العزم في الغرب فذلك ما سيتضح شيئا فشيئا لشخصية البطلة السلبية لرواية كليف. فقد اعترف لها بوتشر في لحظة ضعف بأنه كان من الممكن تلافي العملية التي فجرت الملعب لكن كان هناك حساب سياسي وقف ضد ذلك.

فكرة المؤامرة

"أعلم بأن هذا مؤلم بالنسبة لك الآن، لكن لو أننا منعنا حدوث عملية الإرهابيين في ذلك الحين فإنهم كانوا سيدركون أن شيئا بصدد الإعداد خفية، وكانوا سيغيّرون كامل خطتهم، وكانوا سيتمكنون من تغيير أعوانهم و مساكنهم: أي كل شيء. وهكذا كنا سنحرق الأوراق القليلة التي لصالحنا. لقد كانت هناك مسائل بالغة الأهمية في اللعبة.

حسابات شنيعة البرودة لسياسة تسلك طريقها إلى مآربها مشيا على الجثث؛ على جثث مواطنين من الدرجة الثانية كما لامراء أن يلاحظ عن حق ، مثلما لاحظت ذلك باستياء شخصية رواية كليف من موقع المرأة التي تصارع بطريقة لا تعرف الأناة من أجل الكرامة والعدالة.

وبطبيعة الحال فإن كليف يلعب هنا على توظيف نظريات المؤامرة السياسية الخفية، تلك النظريات التي غدت سارية في أيامنا هذه بشأن عمليات تفجير الـ"وورلد ترايد سنتر" بنيويورك. وعلاوة على ذلك فإن الرسالة التي يريد إيصالها الكاتب تبدو واضحة هنا، وتتمثل في أن السؤال الذي يطرح نفسه في ظل هذه الملابسات هو: ترى من هو المجنون في الحقيقة، أولئك الآخرون أم نحن؟

مهرجون إعلاميون

غلاف الطبعة الألمانية.
غلاف الطبعة الألمانية.

​​ويستدعي كليف في نهاية روايته مواجهة عبثية ومجازية تحتوي على كل المكونات التي ما فتئ يمنحها لنا السيناريو الممل للواقع منذ مدة طويلة: مهرجون إعلاميون يستثمرون الإرهاب لجني أموال طائلة؛ إرهابي موهوم يطلق عليه أعوان الشرطة الرصاص؛ وبطلة لطيفة محبّبة ومحنّكة تتحول إلى مسعورة بجنون التدمير، إذ غدت تعتقد بأن ليس هناك سوى شخص واحد بإمكانه أن ينقذ العالم وهو أسامة بن لادن.

"إسمع يا أسامة، لقد آن الآوان لكي تكف عن تفتيت العالم بقنابلك. تعال إليّ يا أسامة؛ تعال إليّ وسنعيد تفجيره معا- بطاقة الحنق المدمّر وبدوي هائل لا يُتصوّر."

أكيد أن هذه الرواية ليست مما يستسيغه كل ذوق، لكنها رواية جديرة بالقراءة، رواية لها مفعول الغضب المستعر، ومصيبة لهدفها بدقة.

بقلم كلاوديا كراماتشيك
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2006

صدرت رواية كريس كليف باللغة الإنكليزية في يوليو/تموز 2005 بعنوان: إنسيندياري وصدرت ترجمتها الألمانية في عام 2006 بعنوان: عزيزي أسامة.

قنطرة

فيلم محمود قعبور "أن تكون أسامة"
يدور الفيلم حول ستة رجال عرب في كندا، يجمع بينهم إسمهم المشترك: "أسامة". في هذه المقابلة يتحدث المخرج محمود قعبور عن مدى تأثير الحادي عشر من أيلول/سبتمبر على التسامح في كندا.

www

موقع كريس كليف