السينمائيون العرب "يتظاهرون" في سورية

إنه جيل من السينمائيين الناشئين العرب الذين يعلنون غضبهم تجاه الآباء، راغبين في تسليط الضوء على القضايا الفردية، والابتعاد كل البعد عن القضايا السياسة. منى سيركيس تحلل الظاهرة.

كواليس أفلام، الصورة: Agop Kanledjian
السينمائيون السوريون الشباب يرغبون في الانفصال التام عن إرث الآباء، ويسعون إلى إيجاد أفلامهم الخاصة التي تُعلي من شأن الفردية

​​إنه جيل من السينمائيين الناشئين العرب الذين يعلنون غضبهم تجاه الآباء، راغبين في تسليط الضوء على القضايا الفردية، والابتعاد كل البعد عن القضايا السياسة. منى سيركيس تحلل الظاهرة.

قدم "مهرجان الوردة للسينما العربية المستقلة" في الفترة ما بين الخامس والسابع من حزيران/يونيو الجاري على شاشاته عروضًا لقرابة ثلاث وخمسين إنتاجًا سينمائيًا مستقلاً - معظمها من سورية - إضافة إلى ستة أفلام قصيرة من إنتاج المؤسسة السورية العامة للسينما.

اجتثاث جذور الآباء

إن عدم معرفة عمر أميرلاي بأي شيء عن حدوث "مهرجان الوردة للسينما العربية المستقلة" لها دلالات كثيرة. فغياب الأستاذ الخبير عن هذا الحدث لهو دليل على البعد القائم بين جيله وجيل السينمائيين الناشئين، بالرغم من أن المخرج عمر أميرلاي منشغل تمامًا بالجيل الصاعد.

فهو يعمل على بناء معهدٍ عالٍ للسينما في عمان لا مثيل له في المنطقة العربية. ويرحب منظم المهرجان ورئيس تحرير مجلة الفنون والثقافة السورية "الوردة" بشار إبراهيم بهذه البادرة طالما "لا يقوم أميرلاي فيها بدور الأب. إذ أن لا آباء لهذا النشء" كما يقول.

يتطابق هذا تمامًا مع موقف ابن الخامسة والعشرين - رامي فرح - الذي ضاق ذرعًا بقضية الأجيال. فلا ضير بحسب رأيه من أن يتكلم المرء عن نفسه فقط، ففي نهاية الأمر للجيل الجديد حكاياته أيضًا. أما على سؤال: ما هي هذه الحكايات؟ فيجيب رامي أنها على أية حال ليست تلك الحكايات المفروضة، ويعني بذلك القضايا الكبرى لأولئك الذين لا يريدهم أن يكونوا آباءه، قاصدًا قضية فلسطين، والجولان، والوحدة العربية، والامبريالية، والحروب وهزائمها.

بشار إبراهيم خريج "المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق، الذي تعلم فن الرقص فيه "بدون استفادة كبيرة" يفضل البحث عن ذاته، ويتابع قوله: "لقد خمد التطبيل الشعاراتي القومي لسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. أسئلة هذه الأيام لا تدور حول: كيف أحرر فلسطين؟ بل تطرح مسائل من نوع: هل أستطيع التعبير عن ذاتي؟ وكيف لي أن أفعل ذلك؟"

ويؤيده رامي فرح بقوله: "لا يتوجب علي العثور على إجابات، بل علي أن أطرح الأسئلة. عندما أسأل أشعر بقوتي". إلا أن اهتداء المرء إلى موقعه ليس بالأمر اليسير.

البعد عن السياسية والاقتراب من الفردية

يعرض رامي فرح في فيلمه القصير "نقطة" الذي أنتجه عام 2003 بقعة في منظر طبيعي تكبر باستمرار: يجري رجل باتجاه الكاميرا. لدى وصوله إليها يضحك للمشاهدين، لكنه سرعان ما يصاب بالخوف فجأة، فيعود أدراجه جريًا إلى حيث أتى.

ينتمي عدنان العودة أيضًا إلى مجموعة رامي فرح السينمائية. ويهتم ابن الحادي والثلاثين عامًا بالقضايا الفردية: "لا علاقة لنا بالسياسة، ولا نعرف حتى من هم النواب في مجلس الشعب، ولكنهم بدورهم لا يعرفوننا أيضًا، وهنا بيت القصيد: لا نريد أن نكون أرقامًا شكلية في دوائر الدولة".

لا يجد الكاتب الخطر إلا في ثنائية تقسيم اللغة إلى عربية فصحى وعربية عامية. فقد تم منع نشر أحد نصوصه بسبب كتابته بلغة عامية مفهومة. وتعثر أيضًا أحد أفلامه القصيرة الذي تناول موضوع الفرق بين حرفي "الضاد" و "الصاد" في الكتابة العربية، ويكمن الفرق الوحيد في النقطة على الضاد. لطخة الحبر هذه هي إحدى وسائل الجهات المسؤولة الساعية إلى تعريب أسماء المناطق. هذا ينطبق على سبيل المثال على غابة "النصارى". فمن خلال نقطة صغيرة بات اسم المنطقة فجأة غابة "النضارة" وانمحى الاسم المسيحي السرياني القديم.

إلا أن رقابة "المؤسسة السورية العامة للسينما" أقل شدة من التوقعات كما يؤكد بشار إبراهيم قائلاً: "بإمكاني إنتاج فيلمي بشكل مستقل عن المؤسسة أو معها. ومن يأخذ بالخيار الثاني يحصل على مساعدة حكومية لكل عناصر الإنتاج. لكن ليس لذلك تأثير على النصوص إذ يتعين على الجميع عرضها على الرقابة". ويضيف: "إنّ نتيجة الرقابة غالبًا ما تكون على شكل "نعم، ولكن" وتبتعد عن "الرفض" المطلق".

رواج كبير لمساءلة الذات

عمر أميرالاي، الصورة: يوسف حجازي
السينمائي السوري عمر أميرالاي

​​ويبدو لبشار إبراهيم أنّ ثمة رقابة أخرى أكثر صرامة حيث يقول إنّ: "المحرمات المحبوكة اجتماعيًا هي الأكثر سوءً. نحن نترعرع في مجتمعات لها سطوة علينا، ونهاب ردات فعل آبائنا وأمهاتنا وجيراننا إذا ما استهنا بمحرماتهم. لذلك يبقى السؤال الأكبر بالنسبة للنشء الصاعد، ما الذي أسمح به لنفسي؟"

النقاش الصريح عن الجنس غير مدرج قطعيًا على قائمة المسموحات. أما ما يتم تناوله غالبًا وبشكل ملفت للنظر فهي مواضيع الحب الفاشل بسبب التضييق الاجتماعي.

على سبيل المثال يروي الفيلم القصير "عن الحب" لوليد حرين (من إنتاج المؤسسة السورية العامة للسينما) القصة التالية: يتقارب رجل وامرأة مسنان يشعران بالوحدة في إحدى الحدائق العامة من بعضهما البعض، ويشرعان بالرقص، ويتحولان أثناء رقصهما للفالس إلى عاشقين شابين، إلى أن يستيقظا من حلمهما بفزع على ضجيج الضحكات الساخرة لرواد الحديقة. فيعود كل منهما هاربًا بخجل إلى ركنه ثانية. ويجدر القول أنّ الفيلم قد لقي إعجابًا واسعًا.

إن الرواج الكبير لمُساءلة الذات ليس نتاجاً شعارات "الحرية" و "الوحدة" اللفظية فقط التي فُرِغت من محتواها كما يعتقد بشار إبراهيم. فصحيح أن النقاشات السياسية التي ألقى كبار المخرجين من أمثال عمر أميرلاي أو محمد ملص الضوء عليها قد غدت باهتة، لكن المواضيع الدائمة الاشتعال مثل قضية فلسطين تبقى محافظة على حضورها، ولا ينقص سوى التمويل اللازم لمعالجتها سينمائيًا بطرق حديثة.

السينما السورية متأخرة بالمقارنة مع نظيرتها المصرية

على العكس من مصر فقد أهملت سورية صناعة السينما، إذ لا يوجد هناك صناعة سينمائية أبدًا، ولا يوجد تسويق أيضًا، ولا حتى دور سينما. لا يوجد سوى اثنا عشر دارًا للسينما معظمها في وضع يرثى له لقرابة عشرين مليون نسمة. ولم يحصل نهوض إلا مع دخول التقنيات الرقمية.

تدفع مجموعة رامي فرح على سبيل المثال تكاليف أفلامها بنفسها: ثمانون دولارًا لأربعين ثانية، فمن الممكن تحقيق كل شيء تقريبًا باستخدام كاميرا رقمية وبمشاركة بعض الأصدقاء. لكن ليس فيلمًا يتناول موضوعًا كالقضية الفلسطينية، اللهم إلا إذا حالف الحظ المرء في الاشتراك بإنتاج عالمي.

تمكن المخرج الفلسطيني رائد انضوني من تحقيق إنتاج مشترك من هذا النوع، حيث استطاع في عام 2005 تحقيق عمله "ارتجال" مع تلفزيون آرته -فرنسا، الذي تناول فيه قصة الأخوة جبران، عازفي العود الفلسطينيين الثلاثة، ذي الشهرة العالمية. وكما يدل اسم الفيلم تدور قصته كلها حول الارتجال في الموسيقى كما في الحياة اليومية تحت رزح الاحتلال.

الفيلم توثيق لنقاشات مرتجلة بشكل كامل، ولحركة بالغة الحساسية للكاميرا، تُبين للعيان ذلك الجنون وتلك المعاناة في الأرض المحتلة – وتمر الكاميرا في أثناء ذلك أيضًا على الوجوه المرهقة للجنود الإسرائيليين. إنها فلسطين، الموضوع الكبير، لكنها أتت هذه المرة خاليةً من اللهجة المنبرية، فجاءت أكثر تأثيرًا.

أقام بشار إبراهيم المهرجان بمساعدة "المؤسسة السورية العامة للسينما" ورعاية بعض الشركات، وهو يخطط للمتابعة والاستمرار حيث يفترض أن يجد السينمائيون الناشئون العرب في المهرجان منتدى سنويًا لهم انطلاقًا من عام 2006.

منى سركيس
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

حوار مع المخرج السينمائي السوري عمر أميرالاي
شهدت برلين اسبوعا ثقافيا تحت عنوان "أخبار الشرق الأوسط" تخلله محاضرات وأفلام وعروض موسيقية ومسرحية. "القنطرة" إلتقت عمر أميرالاي، المخرج السينمائي السوري الذي شارك في هذا الأسبوع بثلاثة من أفلامه التي تتناول قضايا سوريا والمنطقة العربية على مدى أربعة عقود من الزمن.

هل ستحدد سينما المؤلف مستقبل السينما العربية؟
في السينما العربية بدأ يترسخ شكل جديد هو ما يسمى ب(سينما المؤلفين العربية). وتمتاز أفلامهم بطابعها الشخصي وبالأصالة، سواء من حيث اختيار موضوعاتها أو من حيث الأسلوب.

من المبكر الحديث عن ثقافة الفيلم الوثائقي
يكون على خطأ من يربط ثقافة السينما في العالم العربي بالمسلسلات التلفزيونية المصرية أو بأفلام النخبة الثقافية فقط، إذ ازداد في السنوات الأخيرة الاهتمام بالفيلم الوثائقي بشكلٍ ملحوظ. تقرير كرستينا فورش