أمل في الوصول إلى سلام

حصل الشاعر الفلسطيني محمود درويش على جائزة ريمارك للسلام في مدينة أوسنابرك الألمانية مناصفة مع الأكاديمي الإسرائيلي دان بار أون، لأن كليهما – كما قالت لجنة التحكيم – قد استطاع في أعماله إبراز العواقب الوخيمة التي يعاني منها البشر من جراء العنف والقمع.

محمود درويش يتقاسم جائزة "ريمارك للسلام" مع الأكاديمي الإسرائيلي دان بار أون

أقامت مدينة أوسنابروك الألمانية في نهاية شهر حزيران/يونيو احتفالا لتوزيع جائزة السلام التي تمنحها المدينة كل عامين لإحدى الشخصيات التي تعالج في أعمالها مواضيع السلام الداخلي والخارجي. وتحمل هذه الجائزة اسم الكاتب الكبير إيريش ماريا ريمارك ابن المدينة. في هذا العام حصل الشاعر الفلسطيني محمود درويش على هذه الجائزة مناصفة مع الألكاديمي الإسرائيلي دان بار أون، لأن كليهما – وكما قالت لجنة التحكيم في حيثيات منح الجائزة – قد استطاع في أعماله إبراز العواقب الوخيمة التي يعاني منها البشر من جراء العنف والقمع، وبهذا تتوافق رسالتهما مع رسالة ريمارك المناهض للحروب والصراعات.

جائزة هذا العام تحمل إذن رسالة سياسية في المقام الأول، وهي تعبر عن الأمل في الوصول يوما إلى سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. إنها تكرم شاعرا وباحثا خَبِرا بأنفسهما ومن المحيطين بهما معنى التشريد والتهجير والقمع والظلم، و يعلمان تماما صعوبة تحقيق السلام في مناخ تسوده الكراهية والحقد.

وبالرغم من المعنى السياسي للجائزة فإن شعرية درويش لم تكن غائبة عن الاحتفال وإن غاب هو عن تسلم الجائزة "لأسباب صحية"، كما قال المنظمون. الكاتب الألماني يوهانو شتراسر حرص في كلمة التكريم أن يحتفى بدرويش الشاعر قبل السياسي، لذلك ضمن كلمته أبياتا طويلة من "حالة حصار" ومن "أنا يوسف يا أبي". إن درويش - يقول شتراسر الذي يرأس نادي القلم الألماني - "شاعر كبير بين كبار الشعراء، ليس فقط في العالم العربي"، وهو "ينتمي إلى ذلك الجنس المنقرض من الشعراء الذين يتحولون أثناء مسيرتهم الشعرية إلى أسطورة، تماما مثل لوركا وماياكوفسكي وأراغون ونيرودا وحكمت." لقد أضحى درويش من خلال شعره "متحدثا بلسان شعبه، بل يمكن القول إنه بطريقة ما صاغ بشعره الهوية الفلسطينية." هذا العبء السياسي أثقل مبكرا كاهل الشاعر، إلا أنه نجح في "أن يجد طريقه إلى ذاته". ويرى شتراسر أن درويش قاوم دوما "الأصولية الثقافية". حتى في أزمنة الحروب الدامية مع الإسرائيليين كان الشاعر منفتحا على لغة الآخر وثقافته. بل "إن اللغة العبرية أمست جسرَه إلى الأدب العالمي". ويروي ما عايشه العام الماضي في تل أبيب عندما دُعي إلى إلقاء محاضرة في بيت الشاعر اليهودي بياليك. يومها سأل الحاضرين عن رأيهم في محمود درويش، "فأجمعت الإجابات - بالرغم من كل الاختلافات السياسية - على الإعجاب بالشاعر درويش. لعل هذا بارقة أمل في عصر ليس به ما يحمل المرء على الركض وراء الآمال الجريئة".

أما لجنة التحكيم فرأت أن محمود درويش يمثل "المؤسسة الأخلاقية السياسية للشعب الفلسطيني". لكن أعماله "تتسم بنزعة كونية" تخرج عن الإطار القومي الضيق. إنها "استعارة مجازية لمعاناة الشعب الفلسطيني، وللغربة الكونية التي يشعر بها الإنسان الحديث في بحثه بلا طائل عن وطن".

الفائز الثاني بالجائزة هو البروفيسور الإسرائيلي دان بار أون الذي يعمل في قسم علم النفس بجامعة بن غوريون، كما يدير مع الفلسطيني سامي عدوان معهد أبحاث السلام في بيت جالا. اشتُهر بار أون في ألمانيا عام 1992 عندما قام بمشروع في مدينة فوبرتال، جمع فيه بين أحفاد ضحايا الهولوكست وأحفاد الجناة النازيين. كانت فكرته البسيطة المثمرة تتلخص في أن يتبادل الطرفان الحديث عن مخاوفهم الدفينة، ليخرجوا من دائرة الصمت والكبت والإزاحة التي تحكم الحصار حولهم. هذا المشروع بدأ بار أون يطبقه في الفترة الأخيرة على الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو أول من يعلم أنه لن يحقق نجاحا يُذكر، إلا ربما بعد أجيال وأجيال.

وتحمل جائزة مدينة أوسنابروك اسم الروائي الألماني إيريش ماريا ريمارك (1898 - 1970) الذي لمع اسمه بعد أن نشر روايته المناهضة للحرب "لا جديد في الغرب" (1929)، والتي حولت إلى فيلم ناجح بعنوان "كل شيء هادئ على الجبهة الغربية". هذه الرواية جلبت عليه نقمة القوميين اليمنيين الذين منعوه من الكتابة بمجرد وصولهم إلى سدة الحكم في ألمانيا عام 1933، ورموا بأعماله طعاما لنيران حريق الكتب المشهور في أيار/مايو من العام نفسه. وتمنح مدينة أوسنابروك - مسقط رأس ريمارك - هذه الجائزة كل عامين، لأشخاص يعملون في خدمة السلام في العالم. ومن بين الذين حصلوا على الجائزة التي تبلغ قيمتها عشرين ألف يورو الشاعر الألماني هانز ماغنوس إنتسنسبرغر والصحفي الإسرائيلي المناضل من أجل السلام يوري أفنيري.

سمير جريس، دويتشه فبلله يونيو/حزيران 2003