"إما أن يستحق الكتاب الجائزة أو لا يستحق"

دنية شبلي كاتبة فلسطينية ولدت عام 1974 في الجليل؛ تتحدَّث ست لغات وتحمل جواز سفر إسرائيليًا، وتعيش في برلين وتُدرِّس في جامعات نوتنغهام وباريس وفي جامعة بير زيت الفلسطينية بالقرب من مدينة رام الله في الضفة الغربية.
دنية شبلي كاتبة فلسطينية ولدت عام 1974 في الجليل؛ تتحدَّث ست لغات وتحمل جواز سفر إسرائيليًا، وتعيش في برلين وتُدرِّس في جامعات نوتنغهام وباريس وفي جامعة بير زيت الفلسطينية بالقرب من مدينة رام الله في الضفة الغربية.

رواية فلسطينية عن النكبة فازت بجائزة ألمانية رفيعة لكن حفل التكريم تم إلغاؤه. المنظمون يتحدثون عن "الظروف الجارية" وأصوات تتهم الرواية بـ"معاداة السامية" ومتضامنون كثر عبر العالم يقفون إلى جانب الكاتبة وينبهون إلى خطورة قرار الإلغاء.

الكاتبة ، الكاتب:  إسماعيل عزام

كان من المنتظر أن يشكّل معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، فرصة للراغبين في الحصول على توقيع من الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي، خلال الاحتفاء بروايتها "تفصيل ثانوي" التي فازت بجائزة الأدب ( LiBeraturpreis) التي تقدمها الجمعية الألمانية "ليبتروم" ، لكن ذلك لم يعد ممكناَ بعد إعلان هذه الجمعية إلغاء حفل تتويج في معرض الكتاب.

الإلغاء خلق ضجة واسعة، وانتقادات واسعة خصوصاً أن السبب هو إسقاط أوضاع الحرب الجارية في إسرائيل والأراضي الفلسطينية على العمل الروائي. "ليبتروم"، وهي جمعية تعنى بالأدب العالمي، قالت على موقعها الإلكتروني إن السبب هو "الحرب الذي بدأتها حماس، التي جعلت الملايين من الأشخاص في إسرائيل وفلسطين يعانون"، لذلك قررت الجمعية وبالتنسيق مع الكاتبة "عدم تنظيم حفل الجائزة في المعرض"، وهي تبحث عن طريقة أخرى لتنظيم الحدث في وقت لاحق.

وعلى النقيض مما تم تداوله في بعض المواقع، فالجمعية تتمسك باستحقاق عدنية شبلي للجائزة، وأكدت "رفضها للاتهامات وللتشهير الذي طال الكاتبة والرواية في بعض الصحف"، في رد على حملة انتقادات من بعض وسائل الإعلام المحلية وكذلك بعض الأصوات، التي لم تتوقف فقط عند سياق الحرب الحالية، بل روجت لاتهامات ضد الرواية بكونها "معادية للسامية".

غلاف رواية تفصيل ثانوي.
كان من المقرّر أن تُكرّم الروائية الفلسطينية عدنية شبلي عن روايتها "تفصيل ثانوي" وهي رواية تتحدث عن فتاة فلسطينية تعرّضت للاغتصاب والقتل في صحراء النقب على يد جنود إسرائيليين خلال حرب عام 1948بين دول عربية وإسرائيل، أو ما يعرف عربياً بـ"نكبة 1948".

 

لماذا هذه الانتقادات لرواية "تفصيل ثانوي"؟

تتحدث الرواية عن فتاة فلسطينية تعرّضت للاغتصاب والقتل في صحراء النقب على يد جنود إسرائيليين خلال حرب عام 1948بين دول عربية وإسرائيل، أو ما يعرف عربياً بـ"نكبة 1948". ويحاول صحافي فلسطيني بعد عقود على الجريمة حل كل ألغازها.

موضوع الرواية المرتبط بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وهو موضوع بالغ الحساسية في ألمانيا، أثار حفيظة بعض الأصوات. الصحفي أولريش نولر، انسحب من لجنة اختيار ترجمات الأدب العالمي في جمعية "ليبتروم"، احتجاجاً على تتويج الرواية، قائلاً حسب ما نقلته صحيفة تاتس الألمانية عنه، إنها "تخدم روايات معادية لإسرائيل ومعادية للسامية"، وأنها "تفتح مساحة لهذه القراءة المعادية".

كما انتقد الكاتب مكسيم بيلر في مقال نشرته صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الرواية، ووصفها بقطعة من الدعاية. كما شنت وسائل إعلام معروفة بدفاعها عن السردية الإسرائيلية، حملة كبيرة ضد الكاتبة والرواية وحتى المعرض، واصفة قرار فوز الرواية والاحتفاء بها بـ"الفضيحة".

 

 

We stand in solidarity with Palestinian author Adania Shibli, who has been informed that she will no longer receive the 2023 LiBeraturpreis award at Frankfurt Book Fair this week, for her brilliant novel Minor Detail https://t.co/TSYIyJmuRK

— Verso Books (@VersoBooks) October 17, 2023

 

 

صحيفة "تاتس" بدورها وفي سردها لأحداث الرواية، تقول إن المشكلة هي لهجة بطل الرواية في جزئها الثاني، أي الصحافي، ففي نظره "جميع الإسرائيليين مغتصبون مجهولون وقتلة، بينما الفلسطينيون هم ضحايا المحتلين"، وأن العنف ضد الإسرائلييين لا يحدث لأنه يعدّ حسب الشخصية "وسيلة مشروعة في النضال التحرري".

 

لكن هناك من يناقض هذه القراءة. يقول توماس هاميتش، وهو عضو في جمعية "ليبتروم"، في مقال له، إن القراء المتأنين سيجدون أن الإسرائيليين "لا يظهرون في الرواية حصراً كمغتصبين وقتلة"، بل إن صحفية إسرائيلية، وهي واحدة من شخصيات الرواية، أعطت البطل جواز سفرها حتى يتمكن من زيارة الأرشيف في إسرائيل، بحكم أنه يسافر بأوراق مزورة، مشيراً إلى أن الحديث في الرواية عن "تصوير شيطاني" لإسرائيل غير صحيح.

 

تضامن واسع مع الروائية الفلسطينية عدنية شبلي

 

يأتي إلغاء حفل التتويج في وقت تتصاعد فيه الانتقادات ضد الغرب، ومنه ألمانيا، فيما يتعلق بموضوع حرية التعبير، الخاصة بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، خصوصا مع المنع المتكرر لعدد من المظاهرات والاحتجاجات التي تنظمها فعاليات فلسطينية أو داعمة للقضية الفلسطينية، كما سبق لسلطات برلين أن منعت عددا من التظاهرات الفلسطينية في ذكرى النكبة، وأصدرت مؤخراً قرارات بحظر الرموز الفلسطينية كالكوفية في المدارس.

 

Eva Menasse – Foto : Christoph Soeder/dpa/picture alliance
المتحدثة الرسمية باسم جمعية "قلم برلين" إيفا ميناسه: "إما أن يستحق الكتاب الجائزة أو لا يستحق. قرار لجنة الجائزة بتتويج عدنية كان قراراً سليماً".

 

أكثر من ألف شخص في ميدان الأدب، بينهم فائزون بجوائز رفيعة كنوبل والبوكر وحتى جائزة الأدب الألمانية، وقعوا عريضة احتجاجية، ضد إلغاء حفل التتويج، وطالبوا المنظمين بإعادة التفكير فيه، وأنه من الواجب في هذه الظروف الصعبة فتح مساحات للكتاب الفلسطينيين لأجل مشاركة أفكارهم وأحاسيسهم وليس إغلاق المجال أمامهم".

رئيس معرض فرانكفورت للكتاب، يورغن بوس، صرّح بـ"إدانته الإرهاب البربري لحماس ضد إسرائيل"، وأن المعرض "يتضامن بشكل كامل مع إسرائيل"، وهو نفسه الموقف الرسمي الذي عبرت عنه الحكومة الألمانية. وأضاف بوس أن "المعرض يريد إبرازاً أكبر للأصوات اليهودية والإسرائيلية"، متحدثاً عن استضافة كتاب وشخصيات إسرائيلية في برنامج هذه السنة.

موقف إدارة المعرض دفعت عدة ناشرين عرب ومسلمين إلى الانسحاب من المعرض، ومنهم دور النشر الماليزية، وعدد من دور النشر التركية، و"هيئة الشارقة للكتاب"، وكذلك "اتحاد الناشرين العرب" الذي ندد بـ"موقف المعرض المنحاز وغير العادل تجاه الأحداث المأساوية".

ومن جانبها قالت باربرا إيبلر، عن دار "نيو دايركشنز" التي نشرت الرواية (صدرت أولاً باللغة الإنجليزية عام 2017) في رسالة "إن إلغاء الحفل ومحاولة إسكات صوت عدنية شبلي هو أمر جبان"، نافية أن تكون الكاتبة قد وافقت على قرار الإلغاء، وأنه "في ظل الأسى الكبير الذي تعاني منه الآن جميع الأطراف، فإن طرح الأكاذيب لا يخدم أحدا، خاصة حول مؤلفة رواية عن النكبة التي تبقى حدثاً صحيحاً من الناحية التاريخية".

انتقادات قرار الإلغاء لم يكن خارجياً فقط، بل كذلك داخل ألمانيا، جمعية "قلم برلين" التي تنتمي إليها الكاتبة قالت إنه "لا كتاب يصير مختلفًا أو أفضل أو أسوأ أو أكثر خطورة بسبب تغير الأوضاع"، وذكرت على لسان متحدثها الرسمية إيفا ميناس: "إما أن يستحق الكتاب الجائزة أو لا يستحق. قرار لجنة الجائزة بتتويج عدنية كان قراراً سليماً"، تقول الكاتبة ميناس التي تحمل عائلتها ثقافة يهودية ومسيحية.

أما الصحفي الألماني المختص في القضايا الإسرائيلية هانو هاوسشتان فكتب أنه لا يوجد أيّ مبرّر لإلغاء الفعاليات الفلسطينية أو نفي التاريخ الفلسطيني، متحدثا عن أن هذا الأمر عنصري، وأن رواية "تفصيل صغير" هي من واحدة من أكثر الأعمال الأدبية "حساسية وقوة" التي قرأها عن النكبة، فيما كتبت الشاعرة الباكستانية فاطمة بوتو أن أفضل رد على القرار هو أن يتجه كل واحد بشكل آني لشراء هذه الرواية.

 

إسماعيل عزام

حقوق النشر: قنطرة 2023

 

 

ar.Qantara.de

 

رواية عدنية شبلي: "تفصيل ثانوي" ترجمها عن العربية إلى الألمانية غونتر أورت بعنوان "Eine Nebensache“، صدرت عن دار بيرنبيرغ للنشر، سنة 2022.