"حقوق الإنسان الفلسطيني وحق إسرائيل بالوجود يجب ضمانهما معا"

الفيلسوفة اليهودية الألمانية الأمريكية الإسرائيلية سوزان نايمان Foto: KarlheinSchindler/dpa/picture alliance     Susan Neiman, American philosopher and director of the Potsdam Einstein Forum in Berlin
الفيلسوفة اليهودية الألمانية الأمريكية الإسرائيلية سوزان نايمان: "يعتبر السماح مبدئيًا بانتقاد تصرُّفات الحكومة جزءًا من الثقافة الديمقراطية". Foto: KarlheinSchindler/dpa/picture alliance

تشرح الفيلسوفة الألمانية الأمريكية الإسرائيلية سوزان نيمان لماذا لا يمكن هزيمة حماس عسكريا في غزة وما مسؤولية حكومة نتنياهو في الصراع وكيف على إسرائيل وفلسطين تعلم التعايش معا. حاورها هانس دِمبوفسكي.

الكاتب، الكاتبة : Hans Dembowski

السيِّدة سوزان نايمان، ما هو الشيء المميَّز في هجمات حماس الإرهابية في السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023؟

سوزان نايمان: لقد كانت قاسية بقدر الإمكان ويجب النظر إليها على هذا النحو أيضًا. لقد صوَّر المهاجمون الجرائم القاسية ونشروها عبر الإنترنت. واتبعوا بذلك أسلوب تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي كان -كما هو معروف- ينشر على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لعمليات الإعدام. ومن المؤسف أنَّنا مضطرون لعدم التعجُّب من الفظائع التي يستطيع ارتكابها الناس.

ولكن يجب علينا التفكير ماذا يريدون تحقيقه من ذلك. من المعروف أنَّ قادة حماس متعصِّبون ومتهوِّرون ولكنهم ليسوا أغبياء. وكانوا يعلمون أن إسرائيل سترد عسكريا. وما يحدث الآن يُعتَبَر بمثابة هدية لحماس، وذلك لأنَّ كلَّ طفل ميت في غزة يمثِّل بالنسبة لهم نجاحًا دعائيًا يصرف الانتباه عن هجماتهم الدموية.

 

ولكن إسرائيل يجب عليها أن تحمي نفسها من الإرهاب.

سوزان نايمان: نعم وبكلِّ تأكيد، ولكن مَنْ قال إنَّ الإرهاب يمكن هزيمته عسكريًا؟ لقد حاولت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية القيام بذلك في أفغانستان والعراق بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001. ولكن الإرهاب لم يُهزَم.

وحماس تريدها حربًا شديدة وشاملة وطويلة بقدر الإمكان مع الكثير من الضحايا المدنيين، لأنَّ ذلك يثير أقصى قدر من الانتقادات الدولية لإسرائيل، وقد يجر -أيضًا إلى الصراع- أطرافًا أخرى مثل حزب الله أو حتى إيران. حماس ليست حركة تحرير؛ فهي لا تهتم براحة شعبها.

وهي تضطهد النساء وتكمِّم أفواه المختلفين معها في الرأي وتضحي بحياة شعبها. وبالنسبة لها فإنَّ عدد مَن يطلق عليهم اسم "شهداء" لا يمكن أن يكون مرتفعًا جدًا لأنَّها لا تريد تحرير الناس بل تريد تدمير إسرائيل.

نتنياهو جعل حركة حماس قوية

لقد تم تأسست إسرائيل حتى لا يبقى اليهود من دون حماية معرَّضين للمذابح. وأصبحت دولة منيعة لديها أقوى جيش في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك فقد ثبت أنَّه من الممكن القيام بهجمات إرهابية مُنسَّقة أسفرت عن قتل أكثر من ألف ومائتي شخص واختطاف نحو ألفين وأربعين مختطفًا. فما هي المسؤولية التي تتحمَّلها حكومة بنيامين نتنياهو عن ذلك في الواقع؟

سوزان نايمان: بإمكاني أن أقول الكثير عن ذلك. وعلى أية حال، النقاط المهمة هي: أوَّلًا، لقد رفض -في الأسابيع والأشهر قبل الهجمات- العديدُ من الأشخاص المشاركة في تدريبات الاحتياط العسكرية احتجاجًا على الإصلاح القضائي الذي صمَّمته حكومة بنيامين نتنياهو بهدف إضعاف المحكمة العليا بأغلبية برلمانية صغيرة وإلغاء فصل السلطات في إسرائيل لصالح الحكومة.

وفي الواقع كانت حركة الاحتجاج واسعة وقوية لدرجة أنَّ إسرائيل كانت على وشك الدخول في حرب أهلية. وبالإضافة إلى ذلك فقد شنت حماس هجومها في صباح يوم السبت. وكانت التعبئة العسكرية صعبةً لأنَّ حركة المرور يجب أن تتوقَّف في يوم السبت بسبب سياسة أعضاء الائتلاف الحكومي المتديِّنين.

وعندما اتضح ما هي الفظائع التي كانت تحدث عاد جنود ومجندات الاحتياط إلى الخدمة بشكل عفوي، ولكن كان يجب عليهم بدء مهماتهم وهم غير مستعدين وكان عليهم الارتجال من دون الكثير من التنسيق. ونتنياهو لم يمنح القادة العسكريين حتى موعدًا واحدًا في الصيف عندما حاولوا أن يقولوا له إنَّ النزاعات حول الإصلاح القضائي تُعرِّض أمن إسرائيل للخطر.

وكان يقول أيضًا لفترة طويلة وبشكل عقائدي إنَّ حماس أضعف من أن تعرِّض إسرائيل للخطر. ولذلك فقد قامت حكومته بسحب ثلاث كتائب من الحدود مع غزة من أجل توفير حماية أفضل للمستوطنات الإسرائيلية المنتهِكة للقانون الدولي في الضفة الغربية. وغياب هذه القوَّات سهَّل على حماس اجتياز الحدود إلى داخل إسرائيل.

ومنذ فترة طويلة يؤجِّج معسكر نتنياهو لمصلحته النزاعَ بين حماس وبين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. وهو نفسه قال إنَّ مَنْ أراد منع حلّ الدولتين فإنه يحتاج إلى حماس. وكذلك أدلى وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بتصريحات مشابهة. لقد جعل هؤلاء الأشخاص من كلمة "سلام" أضحوكة في السياسة الإسرائيلية ووعدوا بضمان الأمن على المدى الطويل من خلال الهيمنة العسكرية.

لقد سمحوا بزيادة قوة حماس من أجل إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت قد وافقت على عقد اتفاقيات سلام وتتولى إدارة السلطة الفلسطينية. وهذا يشبه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية التي دعمت في البداية حركة طالبان من أجل إضعاف الشيوعيين في أفغانستان. وهذه الخطة فشلت في أفغانستان وكما هو متوقع فشلت الآن أيضًا في إسرائيل.

اتهام إسرائيل بالفصل العنصري

هل تتراجع لهذا السبب شعبية نتنياهو في إسرائيل إلى درجة أنَّ أقل من عشرين بالمائة يدعمونه حاليًا في استطلاعات الرأي؟

سوزان نايمان: توجد خلافات كبيرة في الرأي حول بعض النقاط التي ذكرتُها. ولكن جميع الإسرائيليين يدركون أنَّ وعود نتنياهو الأمنية كانت جوفاء وأنَّه كان بحاجة إلى ائتلافه مع المتطرِّفين اليمينيين حتى يتمتَّع بحصانة كرئيس وزراء تحميه من محاكمته في قضايا فساد. والقضاء الإسرائيلي يعاقب -كما يليق ذلك بدولة دستورية ديمقراطية- على الجرائم المرتكبة أيضًا من قِبَل الزعماء السياسيين. فرئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت كان في السجن بتهمة الفساد والرئيس السابق موشيه كاتساف بتهمة الاغتصاب.

ونتنياهو يريد إضعاف السلطة القضائية بسبب خوفه من عقوبة السجن أيضًا. ولكن تجريد المحكمة العليا من صلاحياتها يتوافق قبل كلِّ شيء مع رغبات المتطرِّفين اليمينيين، وذلك لأنَّها بالرغم من عدم ضمانها حتى الآن الحقوق المتساوية للأقليات ولكنها حمت الحقوق الأساسية لهذه الأقليات إلى حد كبير. فقد قضت مؤخَّرًا على سبيل المثال بعدم جواز فرض حظر شامل على المظاهرات المناهضة للحرب، بالإضافة إلى أنَّها حكمت أحيانًا ضدَّ تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم.

 

تتَّهم أكبر المنظمات الدولية لحقوق الإنسان -منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش- إسرائيل بممارسة الفصل العنصري. فكيف تنظرين إلى ذلك؟

سوزان نايمان: منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان تستخدم أيضًا هذا المصطلح القانوني الذي يعني أنَّ هناك أنظمة قانونية مختلفة تسري على مجموعات قومية مختلفة في منطقة ما. وهذا هو وبكلِّ تأكيد واقع الحياة في الضفة الغربية. فالمستوطنون الإسرائيليون يتمتَّعون هناك بكامل الحقوق المدنية وبحماية قوَّات الأمن وبحقّ التصويت في الانتخابات البرلمانية. وفي المقابل ينطبق على السكَّان الفلسطينيين قانون الاحتلال. وحرِّيتهم في التنقل مقيَّدة بشدة وأراضيهم وحياتهم غير آمنة.

لقد قُتل قبل هجمات حماس مائة وتسعة وسبعون فلسطينيًا في عام 2023 - لأسباب من المفترض أنَّها أمنية. ومنذ ذلك الحين يستمر تصاعد أعمال العنف من جانب المستوطنين. والكثير من المبادرات الإسرائيلية ترفض هذا الظلم في الضفة الغربية والذي ينعكس أيضًا في فقر مدقع.

وبسبب الحاجة إلى مساحة من أجل بناء مستوطنات إسرائيلية جديدة يتم طرد الناس [الفلسطينين] من قرى تشبه في بعض الأحيان مخيَّمات مصنوعة من الأكياس البلاستيكية فقط. ولذلك فقد بات بعض أصدقائي الإسرائيليين يقضون الليل بانتظام هناك من أجل حماية تلك المجتمعات القروية والقرىِ المهدَّدة. يوجد أشخاص في الحكومة الإسرائيلية يتحدَّثون باستهتار عن عملية تهجير ثانية كبرى [للفلسطينيين] كما حدث في عام 1948.

شبان فلسطينيون يختبئون خلال مظاهرة في رام الله بالضفة الغربية.  Palestinian youths take cover during a demonstration in Ramallah, West Bank Foto: Aris MESSINIS/AFP
أنظمة قانونية مختلفة: "المستوطنون الإسرائيليون يتمتَّعون بكامل الحقوق المدنية وبحماية قوَّات الأمن وبحقّ التصويت في الانتخابات البرلمانية. وفي المقابل ينطبق على السكَّان الفلسطينيين قانون الاحتلال. وحرِّيتهم في التنقل مقيَّدة بشدة وأراضيهم وحياتهم غير آمنة"، كما تقول سوزان نايمان. Foto: Aris MESSINIS/AFP

طلبًا للحماية وليس "لهدف إمبريالي"

ما رأيك في مصطلح الاستعمار الاستيطاني؟

سوزان نايمان: هذا المصطلح لا ينطبق على إسرائيل التي يختلف تاريخها اختلافًا تامًا عن تاريخ جنوب أفريقيا أو الجزائر، حيث كان البيض يستولون بدعم من أوطانهم الإمبراطورية على مساحات شاسعة من الأراضي وكانوا يستغلون السكَّان المحليين. أمَّا الهجرة اليهودية إلى فلسطين والتي بدأت من أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر فلم تكن تخدم هذا الهدف الإمبريالي، بل كانت هروبًا من الإقصاء والتمييز واحتمال التعرُّض للعنف في أي وقت.

واليوم ينحدر نصف الإسرائيليين اليهود من دول عربية لم يتمكَّنوا من البقاء فيها بسبب القمع والتحريض على العنف. ومن غير المعقول الآن تعريف اليهود الإسرائيليين على أنَّهم "بيض" والفلسطينيين على أنَّهم "أشخاص ملوَّنون" لمجرَّد أنَّ هذا يتناسب مع فرضيات ما بعد الاستعمار. ولا يمكن تمييزهم من خلال لون بشرتهم. ولكن بالنسبة للضفة الغربية قد يكون من الممكن الحديث عن الاستعمار الاستيطاني إذا استمر عنف المستوطنين، لا سيما وأنَّ ذلك يتعلق بالأرض التي من المفترض في الواقع أن تقوم عليها دولة فلسطينية.

 

كيف يمكن أن تستمر الأمور؟

سوزان نايمان: في هذه اللحظة لا أحد يعرف ذلك. نحن نعيش مرحلة أزمة شديدة يتفاعل فيها الناس مع الآخرين - ومن المعروف أنَّهم لا يفعلون ذلك بالضرورة بطريقة عقلانية. وأنا أعتقد أنَّ هناك حاجة ماسة لعدم النظر إلى المشاكل كلعبة محصلتها صفر. ويجب على إسرائيل وفلسطين أن تتعلما التعايش مع بعضهما. ولذلك لا جدوى من التساؤل باستمرار إن كان الشيء مؤيِّدًا لإسرائيل أو مؤيِّدًا لفلسطين. نحن بحاجة إلى سلام يعمل لصالح الجانبين. فالاستقطاب لا يخدم إلَّا المتطرِّفين على كلا الجانبين.

لكي يتحقَّق السلام يحتاج الشباب الفلسطيني القوي من حيث العدد إلى وجود فرص وآفاق مستقبلية. فهل تكفي دولةٌ فلسطينية صغيرة ذات سيادة من أجل ذلك؟ أعتقد أنَّ إنشاء شيء مثل منطقة تجارة حرَّة إسرائيلية فلسطينية سيكون منذ البداية ضروريًا من أجل توسيع الروابط القائمة والاستفادة من أعمال التعاون الاقتصادي.

سوزان نايمان: هذا سيكون أمرًا حسنًا ولكن الطريق إليه ما يزال طويلًا جدًا ولن يحدث من دون ضغوطات دولية كبيرة والكثير من الأموال الدولية. ويجب في إسرائيل أن يتغيَّر الكثير في السياسات الداخلية أيضًا.

ويجب ليس فقط وقف بناء المستوطنات بل أيضًا يجب حتى تفكيك المستوطنات القائمة من أجل توفير مساحة كافية لقيام دولة فلسطينية. ولكن يجب من أجل حدوث ذلك إنشاء المزيد من المساكن ذات الأسعار المعقولة في داخل إسرائيل. لا يعيش في المستوطنات أشخاص متعصِّبون فقط بل يسكن فيها أيضًا أشخاص انتقلوا إليها بسبب الإسكان المدعوم.

لقد بذلت مختلف حكومات نتنياهو المتتالية كلَّ ما في وسعها طيلة سنين -من خلال دعمها المستوطنات وغيرها من التدابير- لجعل حلِّ الدولتين مستحيلًا. لقد قاموا أيضًا بتشويه سمعة جميع الإسرائيليين الذين يريدون السلام والتسوية ووصفوهم بالحالمين الساذجين ـ وكأنَّه من الحكمة التعامل مع الشعب الفلسطيني بأكمله باعتباره خطرًا أمنيًا والإيمان بالهيمنة العسكرية الدائمة.

 

"إسرائيل بحاجة إلى عملية سلام"

ولكن هل تعتبر السلطة الفلسطينية شريكًا مناسبًا للتفاوض؟ فهي لا تتمتَّع بشعبية كبيرة لدى الفلسطينيين بسبب فسادها وعدم كفاءتها وكذلك بسبب تعاونها الوثيق مع إسرائيل.

سوزان نايمان: الشيء الإيجابي على أية حال هو أنَّ الغالبية العظمى من الفلسطينيين لا يدعمون حماس وذلك لأنَّهم يخافون منها ولأنَّها لا تفيدهم بشيء. علمًا بأنَّ الانتخابات الأخيرة كانت في عام 2006 وفي آخر استطلاع للرأي أجري قبل السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 لم يؤيِّد حماس سوى سبعة وعشرين في المائة.

إسرائيل بحاجة إلى عملية سلام ويجب عليها بالتالي أن تجد شريكًا مناسبًا. وبدلًا من فعل ذلك فقد حرص نتنياهو على عدم وجود شريك في عملية السلام، وذلك من خلال دعمه حماس علنًا وإضعافه منظمة التحرير الفلسطينية - وهو يصرِّح بذلك.

 

من الطبيعي أن تتحمَّل ألمانيا مسؤولية خاصة تجاه إسرائيل بسبب الإبادة الجماعية النازية. ولكن أَلا يجب علينا كألمان أن نتحمَّل أيضًا المسؤولية عن الأراضي المحتلة؟

سوزان نايمان: نعم وبكلِّ تأكيد. فالدرس المستخلص من الحقبة النازية لا يتمثَّل فقط في أنَّ اليهوديات واليهود يحتاجون إلى مساحة آمنة خاصة بهم، بل ينصّ على أنَّ حقوق الإنسان يجب أن تنطبق على الجميع.

وبرأيي من الجيِّد أن تتحمَّل ألمانيا مسؤولية تجاه اليهوديات واليهود، ولكن فكر الإبادة عند النازيين كان يستهدف أشخاصًا آخرين أيضًا: غجر السنتي والروما والأشخاص ذوي الإعاقات والمثليين جنسيًا وأصحاب الفكر المختلف. وبحسب إيديولوجية تفوُّق العرق الآري فقد كان يجب استعباد جميع الشعوب السلافية وقد أودت حرب هتلر بحياة الملايين منهم.

ولكن السؤال الأكبر الآن هو: هل يوفِّر الدعم غير المشروط لسياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية الأمن والحماية لإسرائيل أصلًا؟ الغالبية العظمى من الإسرائيليين ترى أنَّ السياسة الأمنية المتَّبعة منذ التخلي عن اتفاقيات أوسلو فشلت فشلًا تامًا.

أطفال ملفوفون بالأعلام الإسرائيلية ينظرون إلى صور الإسرائيليين الذين اختطفتهم حماس Children wrapped in Israeli flags look at photographs of Israelis kidnapped by Hamas Foto: AP Photo/Vadim Ghirda
تقول سوزان نايمان إنَّ "مَنْ يؤكِّد على معاناة اليهود ولكنه يتجاهل ما يحدث للفلسطينيين لا يمكنه العمل بشكل فعَّال لمكافحة معاداة السامية". Foto: AP Photo/Vadim Ghirda

الانحياز الألماني الأحادي الجانب لإسرائيل يعزِّز الاستياء

من المعروف أنَّ حقَّ إسرائيل في الوجود يعتبر من وجهة النظر الألمانية أمرًا غير قابل للتفاوض. ولكنني أتساءل: كيف يمكننا شرح ذلك للناشئين والشباب الفلسطينيين الذين لم يروا إلَّا حكومة إسرائيلية تمنع إقامة دولة فلسطينية؟

سوزان نايمان: عمليات التقارب والمصالحة صعبة. يجب تسمية الأمور كما هي: إنَّ مَنْ يؤكِّد على معاناة اليهود ولكنه يتجاهل ما يحدث للفلسطينيين لا يمكنه العمل بشكل فعَّال لمكافحة معاداة السامية.

تجارب حياة الشباب الفلسطيني مهمة بطبيعة الحال، والانحياز الأحادي الجانب لإسرائيل يعزِّز مشاعر الاستياء الخطير. وأنا لا أقول بذلك إنَّ حقَّ إسرائيل في الوجود أمر قابل للتفاوض. ويجب ضمان هذا الحقّ - مع ضمان تطبيق حقوق الإنسان للفلسطينيات والفلسطينيين أيضًا.

 

مَنْ الذي يمكنه في الواقع تحديد مَنْ أو ما هو المعادي للسامية؟ توجد في هذا الصدد تجاوزات غريبة. ففي إيطاليا تتَّهم الأوساط الحكومية اليمينية المسرحي اليهودي موني عوفاديا الذي يرتدي الكيباه (القلنسوة) اليهودية بمعاداة السامية. وهو ينتقد منذ فترة طويلة سياسة الاحتلال الإسرائيلي ويقول الآن -مثل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ولكن بشكل أوضح- إنَّ جرائم القتل التي ارتكبتها حماس لم تحدث من فراغ بل حدثت في سياق القمع.

سوزان نايمان: أنا أعرف مثل هذه الهجمات من ألمانيا أيضًا. ومَنْ الذي يقرِّر ما هو المعادي للسامية – حتى لو ورد من نساء يهوديات أو رجال يهود؟ قبل عام كانت لدينا قضية مسرحية "الطيور" الحائزة على عدة جوائز وتم إيقاف عرضها في ميونخ لأنَّ بعض الطلاب اليهود وجدوا هذه المسرحية معادية للسامية.

وهذه المسرحية كتبها مؤلف لبناني كندي بتعاون وثيق مع المؤرِّخة اليهودية الكبيرة ناتالي زيمون ديفيس التي كتبت وهي في سنِّ الرابعة والتسعين -وقد توفيت للأسف مؤخرًا [في 24 / 10 / 2023]- مقالةً افتتاحية أوضحت فيها لماذا تعتبر هذه المسرحية غير معادية للسامية على الإطلاق.

والمسرحية في الأساس تحديث لمسرحية ليسينغ "ناثان الحكيم" [من عام 1779]. وبعد ذلك وُصِفَتْ ناتالي زيمون ديفيس من قِبَل مركز أبحاث ومعلومات معاداة السامية RIAS المعروف باسم هيئة مراقبة معاداة السامية بأنَّها مؤيِّدة لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات [على إسرائيل] BDS، على الرغم من أنَّها لم تكن لها أية علاقة بهذه الحركة وقد فكَّرت في رفع دعوى قضائية ولكنها كانت مريضة [ومن المؤسف أنَّها توفيت مؤخَّرًا].

 

يوجد ميل في ألمانيا إلى اتِّهام ومساوة أي انتقاد لإسرائيل بمعاداة السامية الشريرة. فكيف تنظرين إلى ذلك؟

سوزان نايمان: يعتبر السماح مبدئيًا بانتقاد تصرُّفات الحكومة جزءًا من الثقافة الديمقراطية. والرأي العام الألماني يعرف أيضًا أنَّ انتقاد دونالد ترامب خلال فترة رئاسته لم يكن ببساطة تعبيرًا عن معاداة أميركا.

والنقد لا يتَّهم أيضًا مَنْ يتحدثون ضدَّ رؤساء الدول والحكومات الشعبويين اليمينيين -مثل رجب طيب إردوغان في تركيا أو ناريندرا مودي في الهند- بكراهية بلدانهم أو معتقداتهم. ولا يوجد أي سبب لمعاملة رئيس الحكومة الإسرائيلية بطريقة مختلفة، على الرغم من محاولته هو أيضًا رفض أي انتقاد بحدّ ذاته كمعاداة للسامية وانتهاكًا لشعبه.

أتمنى أن يعتمد صنَّاع القرار السياسي في ألمانيا على الحقائق والعِلم في تعاملهم مع إسرائيل وأن يعتمد بشكل أقل على عقدة الذنب.

 

 

حاورها: هانس دِمبوفسكي

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: مجلة التنمية والتعاون / موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de

 

سوزان نايمان فيلسوفة ومديرة منتدى آينشتاين في مدينة بوتسدام الألمانية. وكانت تعمل في السابق أستاذة للفلسفة في جامعة ييل وجامعة تل أبيب. وهي تحمل كلًا من الجنسية الألمانية والإسرائيلية والأمريكية. www.einsteinforum.de